2024- 06 - 18   |   بحث في الموقع  
logo أموال ضائعة بين "النافعة" وشركات التحويل: خطأ تقني؟ logo قروض مصرف الإسكان ستُدفَع في تمّوز المقبل logo "الحزب" يستأنف عملياته وينشر فيديوات لمواقع إسرائيلية حساسة logo "إنعكاسات سلبية في لبنان"... أرقام تكشف الواقع! logo إسرائيل: الحرب مع حزب الله لا مفر منها logo فيديو لـ"حزب الله" يوثّق ما رجع به الهدهد! logo لا تهديد ولا تأكيد بوقف التصعيد logo استهداف سيارة في "البرغلية" الجنوبية (فيديو)
خطّة التعافي المعدّلة: "تمريرات" لمصلحة المصارف
2022-09-17 11:26:06

في بدايات شهر تمّوز الماضي، سرّبت أوساط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معلومات عن سعيه لإقحام تعديلات على خطّة التعافي المالي، التي صادقت عليها حكومته في آخر جلساتها قبل إجراء الانتخابات النيابيّة في شهر أيّار. ثم أكّد ميقاتي كل هذه التسريبات في اجتماع مع لجنة المال والموازنة، حين طلب من النوّاب غض النظر عن مسودّة الخطة الموجودة بحوزتهم، مستعملًا عبارة "إنسوا هذه النسخة". يومها، جاء تراجع ميقاتي عن خطّة حكومته مدفوعًا بالحملة الشرسة التي شنّتها جمعيّة المصارف على الخطّة، وعلى نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي هندس المفاوضات مع صندوق النقد، التي أنتجت الخطّة.
أخيرًا، تسرّبت النسخة الأخيرة المعدلة من الخطة (النص الكامل)، والتي يبدو أنّ من صاغها حاول التلاعب بالعبارات والصياغات للتوفيق بين مطالب جمعيّة المصارف، التي تصرّ على تحميل ماليّة الدولة وإيراداتها جزءاً من كتلة خسائر القطاع المصرفي، والشروط الصارمة لصندوق النقد، الذي يبدي اعتراضاً يُقارب حدود "الفيتو" على هذه المقترحات. وعمليّة التوفيق بين الجمعيّة والصندوق على هذا النحو، تركت هذا الشق من الخطّة غامضًا إلى حد بعيد، ما يُفقد الخطّة جديّتها ورصانتها، لعدم وضوحها وصراحتها في ما يخص مسألة توزيع الخسائر. ببساطة، يبدو أن فريق العمل الذي حدّث الخطّة بعد أن صاغها أراد "كسر الشرّ" مع جمعيّة المصارف وتفادي المواجهة الصريحة معها، من خلال ترك أبوابٍ لتنفيذ مطالبها لاحقًا. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه النسخة ستحظى برضا الجمعيّة، نظرًا لوجود مكاسب أخرى ستسعى المصارف لتحصيلها، على مستوى حماية رساميلها من الشطب التام.صندوق استعادة الودائعالصندوق السيادي، وصندوق سداد الدين العام، وصندوق التعافي، وشركة إدارة أصول الدولة، كلّها عبارات عملت جمعيّة المصارف على تسويقها بشكل متكرّر منذ حصول الانهيار المالي. وجميع هذه العبارات، كانت تلتف حول فكرة واحدة: تخليص المصارف من إلتزاماتها لمصلحة المودعين، ونقل هذه الإلتزامات إلى كيان ما من هذا النوع، ومن ثم تحميل المال العام أو فوائض الموازنة أو إيرادات مؤسسة عامّة معيّنة كلفة سداد الودائع من خلال هذه الكيانات.
من هنا، يمكن فهم منشأ فكرة "صندوق استرداد الودائع"، التي جرت إضافتها للخطّة على نحو مفاجئ في النسخة المحدّثة، في تمهيد للوصول إلى الفكرة التي طرحتها جمعيّة المصارف سابقًا. إذ تشير الخطّة إلى أنّ جزءاً من الودائع التي تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار يمكن تتحوّل إلى "حقوق" صندوق من هذا النوع، مع إمكانيّة تداول هذه "الحقوق" في الأسواق الماليّة لاحقًا.
أمّا من أجل التحايل وفتح الباب أمام تمويل الصندوق من المال العام، فناورت الخطّة على خطّين في الوقت نفسه. فلإرضاء صندوق النقد، تتضمّن الخطّة بنود تعتبر أن الربط بين فوائض الموازنة العامّة وخسائر القطاع المصرفي مسألة غير مقبولة من حيث المبدأ، لكونه "يقوّض أعمدة الإصلاح ولن يخدم التعافي الاقتصادي". لكن في الوقت نفسه، ولإرضاء جمعيّة المصارف، وتفادي شرّها وهجومها، تعود الخطّة للإشارة في بند آخر إلى إمكانيّة تخصيص إيرادات عامّة مستقبليّة لتمويل "صندوق استرداد الودائع"، في حال تمكّنت الدولة من "الإبقاء على مستوى لائق للإنفاق الاجتماعي والبنية التحتيّة"، وطالما أن الدولة ستتمكن من إيصال "الدين العام إلى مستوى أدنى مما هو مستهدف".شروط تمويل الصندوق من المال العام، بدت أشبه بجمل إنشائيّة فارغة لا معنى لها في علم الاقتصاد. فما هو "المستوى اللائق" من الإنفاق الاجتماعي والبنية التحتيّة، الذي يمكن –بعد تأمينه وضمانه- الانتقال إلى تمويل صندوق استرداد الودائع من المال العام؟ كيف سيتم تحديده كقيمة أو كنسبة من الناتج المحلّي؟ أمّا الجزء الذي أكّد تماثل الفكرة مع مقترحات جمعيّة المصارف السابقة، فهو ربط الإيرادات العامّة المستقبليّة، التي ستموّل الصندوق، بالعقود التي سيتم توقيعها مع القطاع الخاص لإدارة أصول الدولة. وبهذه الطريقة، سيكون الصندوق الأداة التي تسمح برهن أصول الدولة واستثمارها لفترات زمنيّة طويلة، لإطفاء خسائر القطاع المصرفي، تمامًا كما طلبت جمعيّة المصارف في السابق.
مع الإشارة إلى أنّ الصندوق سيضم بعض الأصول الأخرى، كشهادات إيداع المصارف في مصرف لبنان وإيداعاتها. كما تقدّم الخطّة بعض الوعود غير الواقعيّة لتمويل الصندوق، من قبيل التعهّد بتعويمه بالعائدات الناتجة عن استرداد الأموال المنهوبة والمهرّبة وغير المشروعة.آليّة سداد الودائعتقدّم نسخة الخطّة المحدّثة آليّة أوضح من النسخة السابقة، في ما يخص سداد الودائع المضمونة، ولو أن النسخة الراهنة ما زالت تحتاج إلى بعض الإيضاحات. فسقف الأموال التي سيتم ضمانها لكل مودع تم تحديده عند مستوى المئة ألف دولار، فيما سيتخلف هذا السقف من مصرف إلى مصرف حسب ملاءته، ووفقًا لنتائج تدقيق المصارف الكبرى. كما نصّت الخطّة على إمكانيّة سداد هذه الودائع بالليرة بسعر السوق أو بالدولار، ما يمكن أن يحيل المودعين إلى آليّة شبيهة بآليّة التعميم 158، التي سمحت بتقسيم الدفعات المستحقة شهريًّا لكل مودع مناصفةً ما بين العملتين (مع إمكانيّة تعرّض المودع للغبن بسعر الصرف، بغياب آليّة واضحة لتحديد "سعر السوق").
وتجدر الإشارة إلى أنّ مسودّة الخطّة السابقة امتنعت عن تحديد سقف الأموال المضمونة، بانتظار البت بالمسألة مع خبراء صندوق النقد الدولي، في حين أن المسودّات الأقدم قدّرت أن يتراوح هذا السقف عند هامش يتراوح بين 100 و150 ألف دولار للمودع. لكن يبدو أن النسخة الأخيرة من الخطّة تمكّنت من حسم هذا الموضوع بشكل نهائي، بعد أن تم التفاهم عليه مع الصندوق بالاستناد إلى إحصاءات لجنة الرقابة على المصارف.
أمّا الجزء الذي يتجاوز المئة ألف دولار من كل وديعة، فسيتم تسديده بالليرة، أو تحويله إلى أسهم في المصارف، أو تحويله إلى حقوق في "صندوق استرداد الودائع". وتجدر الإشارة إلى أنّ الخطّة تستثني بعض الودائع من "التأهّل" لآليّات السداد هذه، كحال الأموال التي تم تحويلها بسعر الصرف الرسمي من الليرة إلى الدولار بعد تشرين الأوّل 2019، أو الفوائد المستحقة على الفوائد ما فوق 100 ألف دولار منذ 2015. كما تشير الخطّة بوضوح إلى إمكانيّة التمييز بين كبار المودعين، وآليّات التسديد لهم، وفقًا للوضعيّة الماليّة لكل مصرف على حدة.في خلاصة الأمر، سيكون على المصارف الامتثال لمتطلبات إعادة الرسملة، للتمكن من الإلتزام بآليّات السداد هذه. وهذا بالضبط ما سيفرض دمج بعض المصارف أو تصفيتها في حال فشلها في تأمين الرساميل المطلوبة، خصوصًا أن الخطّة أبقت على البند الذي ينص على شطب الرساميل المصرفيّة الحاليّة بالكامل، قبل الانتقال لتحميل أي خسارة للمودعين. ولهذا السبب بالتحديد، من الأكيد أن جمعيّة المصارف لن تكتفي بالتمريرات التي حصلت عليها من النسخة الأخيرة للخطّة، بل ستسعى إلى الضغط من أجل تسجيل نقاط إضافيّة لصالحها على مستوى عمليّة توزيع الخسائر، وتحييد رساميلها من الشطب التام. ولذلك، قد نشهد استمرارًا في الهجمة المصرفيّة على خطّة الحكومة، أملًا في تحصيل هذه المكاسب.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top