في 24 أيلول من العام الماضي، أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) عن بدء العمل لتنفيذ النشاط الابتكاري في مجال الطاقة المتجددة، بأسعار معقولة للجميع. وأطلقت على المشروع إسم "INARA"، وذلك ضمن إطار تقديم المساعدة والخدمات الأساسية، مشيرة إلى أن المشروع مصمم لتقديم ما يصل إلى 29 مليون دولار من أجل توفير طاقة موثوقة ومستدامة في جميع مناطق لبنان.مشروع "INARA"حسب الوكالة، فإن هدف المشروع هو زيادة إمدادات توليد الكهرباء على مستوى المجتمع، وتعزيز البيئة المواتية لتوليد الطاقة الكهربائية القائمة على الطاقة المتجددة. وفي التفاصيل، يطلق INARA مشاريع الطاقة الشمسية، عبر إنشاء وتفعيل حقول شمسية متصلة بمستوى التيار المتوسط لشبكة الكهرباء اللبنانية. بمعنى أبسط، إنشاء معامل كهرباء بالطاقة الشمسية وبقدرات إنتاج بسيطة تصل إلى حدود 5 أو 6 ميغاوات. وهو المشروع نفسه الذي سيُعاد من خلاله تأهيل محطة رشميا للطاقة الكهرمائية.
قام الفريق العامل في هذا المشروع بإعداد جدول بأسماء القرى والبلدات القادرة على الاستفادة من المشروع. وتمّ ذلك عبر تحديد المجتمعات والمناطق التي تشترك بالتغذية من مخرج ربط واحد على الجهد المتوسط، فكان اختيار 205 مجموعات، تضمّ كل واحدة منها عدداً من القرى، من جنوب لبنان إلى شماله، ثم بدأت زيارات الفريق إلى المناطق لجمع البلديات القادرة على الاستفادة وشرح المشروع وأبعاده وطريقة التقديم، التي على أساسها -حسب مصادر عاملة في المشروع- سيتم اختيار المشاريع التي ستُنفّذ بعد أن تكون كل مجموعة من البلديات قد قدّمت طلبها، حسب الشروط الموجودة، وبعد التنسيق بين بعضها البعض.بلديات جنوبية ترفض!في الجنوب، قضاء النبطية، كان موعد لقاء الفريق العامل بـINARA في 13 أيلول، في أحد مطاعم المنطقة، لشرح تفاصيل المشروع وشروط تنفيذه ونجاحه، وكان المطلوب من كل مجموعة قرى مرتبطة بالمخرج نفسه، أن تتقدّم بطلب موحّد لأجل دراسته واتخاذ القرار بشأنه. وحسب المصادر ذاتها، فإنه من المفضل لدى القيمين عليه أن تكون كل القرى ضمن المجموعة قد وافقت على الطرح وتقدّمت بطلب مشترك.
وحسب معلومات "المدن" من مصادر بلدية مطّلعة، لم تحضر إلى اللقاء كل البلديات المدعوة والقادرة على الاستفادة من المشروع. والسبب هو تعميم حزب الله على بلدياته بعدم التعامل والتعاون بشكل مباشر مع أي جمعية أميركية عاملة في لبنان.
حسب المصادر، فإن الأميركيين لا يتعاملون مع حزب الله والأخير يبادلهم بالمثل. مع العلم أن لا مشكلة بحال كانت المشاريع المقدمة من الأميركيين تأتي عبر وسيط، كأن يأتي مشروع للكهرباء مموّل من الأميركيين لكن عبر وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، أو مشروع مياه ممول منهم لكن عبر مؤسسات المياه الرسمية. أما ما يأتي بشكل مباشر بين الوكالة الأميركية ومؤسسات أو جهات محسوبة على حزب الله، فهذا الأمر مرفوض.خسارة لباقي البلدياتوفق متطلبات المشروع، فإن رفض بعض البلديات التعاون مع الوكالة الأميركية سيعني الخسارة لكل البلدات، لأن أحد أهم شروط التقدم بطلب الحصول على المعمل الكهربائي يعمل بالطاقة الشمسية هو تضامن كل البلدات الواقعة ضمن المجموعة، وبالتالي خروج واحدة أو أكثر من الصورة يعني ضياع المشروع على كل القرى الأخرى. لذلك، برزت أصوات معارضة بالجنوب تُطالب بفصل العمل البلدي عن العمل الحزبي، ومحاولة الاستفادة من كل مشروع يؤدي إلى تحسين ظروف حياة الجنوبيين، خصوصاً بظل غياب الأحزاب والدولة عن القيام بأبسط الواجبات.
يسأل المعارضون عبر "المدن": "هل المطلوب أن نبقى بلا كهرباء وبلا ماء بذريعة الكرامة ورفض التعامل مع الأميركيين؟ ولماذا لا تأتي جمعية إيرانية لتُنجز لنا مشاريع كهرباء في قرانا ومناطقنا، أليست الكرامة أن يعيش المواطن حياته مرتاحاً، لا أن يعيشها من قلة الموت؟".
هذا الفصل المطروح من قبل المعارضين، ترد عليه المصادر البلدية بالقول: "الأميركي لا يفصل لكي نفصل نحن"، مشيرة إلى أن التعاون موجود وفعال مع أي جمعية اوروبية وغير أوروبية، ما عدا الأميركان.عند الحديث عن رفض حزب الله المطلق للتعامل مع الوكالة الأميركية، يبرز خبر انتشر في آذار الماضي حول قيام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، محمد رعد، بتدشين مشروع ممول من الوكالة الأميركية نفسها في زوطر. لكن بعد التدقيق يتبين أن المشروع الذي دشنه رعد كان في زوطر الشرقية لا الغربية، وهو مشروع نفذته مؤسسة مياه لبنان الجنوبي بالتعاون مع اليونيسف وبتمويل من الصندوق الألماني، بينما المشروع الذي تدخل الوكالة الأميركية في تمويله بالتعاون كاريتاس فهو في زوطر الشرقية لا الغربية.
على أي حال، العداء الأيديولوجي له أثمانه، والمساومات فيه صعبة باستمرار، خصوصاً حين توضع فيه "الكرامة" والمنفعة في ميزان واحد.