يبدأ العقد التشريعي العادي الثاني المخصص للبحث في موازنة العام 2023، يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من تشرين الأول، والتصويت عليها قبل أي عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد حتى نهاية العام 2022، (وفقاً للمادة 32 من الدستور) أي بعد قرابة شهر من الآن، وما زال المجلس النيابي منهمكاً بمناقشة موازنة العام 2022، مما يشير إلى إستحالة مناقشة موزانة العام 2023 في موعدها الدستوري، بسبب الإهمال والتقصير من قبل الحكومة الحالية، وعدم احترام المهل الدستورية ذات الصلة بإقرار وتصديق الموازنة العامة، التي تجاز بموجبها الجباية والإنفاق خلال العام الحالي، وتقدربموجبها أيضاً نفقات الدولة ووارداتها عن سنة لاحقة تكاد تشرف على نهايتها.وتجدر الإشارة هنا إلى مرور خمسة عشر يوماً من المهلة الدستورية المحددة بشهرين كحد أقصى لدعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبدأ مع بداية شهر أيلول وتنتهي في 30 تشرين الأول من العام الحالي 2022، بالتزامن مع المهلة الدستورية المحددة لمناقشة الموازنة العامة (وفقاً للمادة 32) من الدستور الآنفة الذكر. كما ينبغي على الحكومة في كل عام، مع بداية عقد تشرين الأول، أن تقدم لمجلس النواب موازنة شاملة للتصويت عليها بنداً بنداً، بعدما تنتهي لجنة المال والموازنة من دراستها وتمحيصها، وبعد موافقة مجلس الوزراء عليها (حسب المادة 83) من الدستور. وإذا لم يبت مجلس النواب بشأن الموازنة العامة قبل نهاية العقد الثاني (أي قبل نهاية هذا العام فيما خص موازنة العام 2023)، حيث يجوز لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة، أن يدعو المجلس فوراً للإنعقاد بصورة استثنائية، حتى نهاية شهر كانون الثاني من العام 2023، وحيث يتم الصرف على القاعدة الإثنتي عشرية، علماً بأن موازنة العام 2023 لم يتم إعدادها بعد في ظل حكومة تصريف الأعمال الحالية، وحيث يتبين من خلال ذلك عدم إمكانية تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات للقيام بهذه المهمة في المدى المنظور. كما تجدر الإشارة أيضاً، إلى وجوب إعداد قطع الحسابات السنوية للعامين 2021 و2022 والمصادقة عليها بصورة مسبقة، وذلك قبل تصديق ونشر موازنة السنة الثانية التي تلي كل منها (حسب المادة 87) من الدستور، إلا أن قطعي الحسابات لم يعدّا بعد، مما يجعل المباشرة في مناقشة الموازنة قبل تصديق قطع حساب السنة المنصرمة في غير محلها الدستوري، مع ما ينطوي حول ذلك من غموض وعدم شفافية أو كتمان لبعض الحقائق المالية والاقتصادية والخطط المستقبلية التي ينبغي أن تتضمنها الموازنة، والتي لا تستند إلى الحقائق العلمية والأصول الدستورية.ونلفت النظر أيضاً إلى مضمون (المادة 75 من الدستور) التي حددت أن التئام مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، يعتبر هيئة انتخابية وليس هيئة اشتراعية، من دون إمكانية مناقشة أي عمل آخر، مما يضيق الفترة الزمنية الحالية المتعقلة بإقرار ومصادقة موازنتي العامين 2022 و2023 كأعمال تشريعية، بل يجعل ذلك في غاية الصعوبة والتعقيد مع استحالة إعداد وإقرار موازنة العام 2023 وفقاً للأصول، وحيث أن مشروع قانون موازنة العام 2022 قد تضمن الإجازة لبعض الوزراء بتفويض من الحكومة إدخال تعديلات في بعض الضرائب والرسوم، وأيضاً الإجازة لوزير المالية تحديد سعر صرف تحويل العملات الأجنبية إلى العملة الوطنية، بما يتعارض مع نص المادتين (81 و82) من الدستور، فلا يمكن فرض الضرائب أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، ومما يجعل من تلك الصلاحيات الممنوحة لبعض الوزراء مخالفة صارخة للنصوص الدستورية، عدا عن كونها تكرس حالة عدم المساواة بين الوزراء في الحكومة ذاتها خلافاً لدستور الطائف ولوثيقة الوفاق الوطني.ونشير أيضاً إلى أنه بالرغم من الخلل الدستوري الذي يشوب هذه الموازنة، فهي لا تنطوي على رؤية اقتصادية مستقبلية، وتتجاهل حقوق المودعين والموظفين العموميين والصناديق الضامنة لهم، ومسألة استرداد الأموال المهربة والمنهوبة، وضرورة استكمال التحقيقات الجنائية في قضايا الإثراء غير المشروع. كما أن فرض المزيد من الضرائب والرسوم قبل تبلور وإنضاج خطة التعافي بصورة علمية وواقعية، سوف يرهق المواطنين بعد رفع الدعم عن السلع الأساسية، وبعد تآكل رواتبهم وأجورهم، مما سيؤدي إلى حالة من الركود الاقتصادي والانكماش في مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والصحية والتربوية، عدا عن فوات الوقت اللازم لمراقبة تنفيذ موازنة العام 2022 مع اقتراب شهر تشرين الأول موعد الاستحقاق الرئاسي المرتقب.وإذا كان من اللازم مراعاة شروط صندوق النقد الدولي للحصول على بعض القروض أو المساعدات اللازمة، إلا أن هذه الموازنة لا تقنع أحداً بجدواها الاقتصادية أو المالية أو النقدية، بسبب عدم وجود خطة لتثبيت سعر الصرف للعملة الوطنية تجاه الدولار الأميركي. كما أنه لا يجوز إقرار موازنة عن سنة تكاد تنتهي، في ظل حكومة تصريف للأعمال، سوف تصبح بحكم المستقيلة بعد انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة، وحيث يصار إلى تشكيل حكومة جديدة، لا يجوز إلزامها بهذه الموازنة الفاقدة لمشروعيتها الدستورية، والتي أصبحت بحكم لزوم ما لا يلزم. فما هكذا تتم معالجة الأزمات المحدقة بالوطن يا دولة الرئيس، وما هذه الموازنة إلا شكل من أشكال استمرارية أساليب الفوضى الدستورية وعدم الواقعية وغياب الرؤية المالية والاقتصادية والاجتماعية التي أوصلت البلاد إلى ما نحن عليه الآن من إفقار ومزيد من الانهيارات والأزمات المتفاقمة.