بمسدس بلاستيكي، حسبما نُميَ في مواقع التواصل، إستطاعت سالي حافظ أن تسترد ودعيتها من "بنك لبنان والمهجر" بقيمة 20 ألف دولار أميركي لمعالجة شقيقتها المصابة بالسرطان. "العمل البطولي" الذي قامت به سالي، أحيط بدعم من جمعية المودعين اللبنانيين، وتلتها عملية موازية في "بنك البحر المتوسط" - فرع عالية من قبل رامي شرف الدين.
هي عمليات ثأر فردية متنقلة من مصرف إلى آخر، بدأها عبد الله الساعي في البقاع، وتلاها إقتحام المواطن بسام حسين الشيخ لـ"فدرال بنك" في الحمرا لإسترداد ودعيته البالغة 200 ألف دولار أميركي، بقوة السلاح، ومهدداً بإشعال نفسه، وأخذ آنذاك موظفي وزبائن البنك رهائن.
#Lebanon : After bank hold up in #Beirut this morning by woman named as Sally Hafiz to retrieve her own money, a second such incident now reported in #Aley #عاليه #بيروت #سالي_حافظ #سالي_حافظ pic.twitter.com/MCq5PphxFT
— sebastian usher (@sebusher) September 14, 2022
إنها فاتورة الإستشفاء التي تدفع "بأبطال المصارف" إلى التحرك الذاتي، بلا خوف من دولة أو قضاء أو إعتقال اعتاد اللبنانيون أن يطاول الضحايا قبل المجرمين، تحت توقيع "أنا المسلح المنفذ أدناه بكامل قواية العقلية أسترد وديعتي بسلاح حقيقي ووهمي"، بعدما إحتجزتها المصارف وجعلت المواطنين أذلّاء على أبواب المستشفيات.
وبقوة الفعل، تنتشر حملات التضامن حيث يتمنى نصف المعلّقين أن يمتلكوا جرأة سالي وغيرها، من أجل تحرير أموالهم. وإن كان عمليات السطو على المصارف جُرماً قانونياً، يصبح مُجازاً تحت شعار "ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة". يتصرف المودعون بجرأة غير آبهين بما يترتب عليهم من دعاوى قضائية، فهم متحصّنون بقوة رأي عام داعم، وحملات التضامن، ومجموعة محامين متحمسين للدفاع عنهم، حتى حين يستخدمون ما يُسميه البعض عنفاً أو تهديداً.
في حملات التضامن يُسأل عن حال موظفي البنوك، وهل العنف الموجه ضدهم هو في المكان الصحيح؟ أم أنهم الحلقة الأضعف في سيناريو إقتحام البنوك؟ وهل وصل الحال في لبنان أن تتضامن الرهينة مع خاطفيها؟ والدليل أن لا دعوى سُطّرت من قبل موظفي البنوك بوجه المقتحمين في إطار الخطف والتهديد بالسلاح، بل يُحاسَب المقتحِمون بدعوى الحق العام، حيث بات من السهل أن تقتحم مصرفًا وتخرج منه بطلًا، في عيون الموظفين أيضاً وأسوة بعامة الشعب.
تقف الدولة وعناصرها الأمنية متفرجة في وجه الإنفجار الإجتماعي الذي باتت كل سُبله مُشرعة. فهل تستطيع القوى الأمنية التي تُعاني كشعبها، أن تمارس العنف في وجه أعمال شرّعتها الأزمة اللبنانية ولو كانت، من حيث المبدأ وفي الأحوال الطبيعية غير اللبنانية، مُخالفة للقانون؟ هل جعلت الدولة مواطنيها بأسلحتهم البيضاء، أو حتى المزيفة، ومن دون أقنعة أو أسماء وهمية أو تخطيط مدروس، يمتلكون الجرأة لأخذ حقوقهم بأيديهم؟
تقف عناصر القوى الأمنية أمام المسلحين أو المخلين بالأمن، مطأطأة الرأس وربما متعاطفة، لا يهابها مُقتحم ولا تخيفه مظاهرهم المسلحة، بل يُركع المسدس البلاستيكي ما تبقى من "هيبة دولة" مدججة بالسلاح. وقد يتساءل المرء إن كان عناصر الأمن أنفسهم يؤمنون بأي هيبة متبقية للدولة التي يمثلونها، أو بجدواها، وهم أنفسهم يعانون خسارة مدخراتهم إضافة إلى تدني قيمة رواتبهم بالليرة اللبنانية.
حظيت سالي بلقب "البطلة" في بلد لا يرى في نسائه إلا صورة المرأة الضعيفة المُعنفة والضحية، فحولت سالي نفسها من ضحية المصارف، إلى بطلة من أجل حياة أختها التي تُصارع المرض. وهي التي تحاول أن تزيل العبارات الذكورية عن عملها البطولي، فهي مواطنة مسلوبة الحق، تتسوّل أموالها المحتجزة في المصرف، فيما أختها تنتظر أموالاً ربما تبقيها على قيد الحياة.
فارجع إلى الملك العظيم وقل له : مات النصيح وعشت أنعم بالاوبقيت وحدك بعده رجلا، فسد وارع النساء ودبر الأطفالاما كانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذي الجموع رجالا#سالي_حافظ#لبنان #المصارف pic.twitter.com/Em9auOuwZb
— carine salameh (@SalamehCarine) September 14, 2022
سالي "البطلة والشجاعة" كسرت أوصافاً لطالما كانت حكراً على الرجال في بلاد ما زالت تنظر الى النساء كـ"تابع" أو "قاصر عن الفعل البطولي"، بل إستطاعت أن تُحرر وديعتها بمسدس بلاستيكي.
لن تكون سالي حافظ خاتمة عهد المقتحمين، بل ستكون حلقة في سلسلة تحظى بتضامن جمعية المودعين الذين تُناصرهم الجمعية، بأعضائها المظلومين أيضاً في مدخراتهم، وبشتى الطرق السلمية وغير السلمية. لقب البطولة يتوالى من فرد إلى آخر، والعيون تتربص بفروع البنوك التي ما عاد شيء يحميها... إلا الإقفال؟
خرجت سالي من عمليتها لتتحدث بجرأة إلى وسائل الإعلام. من "صفر خوف"، تنطلق، غير آبهة باحتمال قضاء ليلتها في السجن. قالت أن ما قامت به كان آخر السُّبل بعدما باعت الأسرة مقتنيات منزلها من أجل علاج شقيقتها، فيما المصرف يحتجز أموالها. حررت سالي الأموال بعمل بطولي بعدما أقلقت الدولة، ليس بمسدس بلاستيكي، بل بالحق، الحق المستوفى بالذات.