2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo برقيات ورسائل تعزية محلية وإقليمية بالسيد نصرالله logo عبدالله يشكر جمعية البرجين الثقافية على تبرعها لمستشفى سبلين logo إفتتاح مركزاً جديداً لجهاز الطوارئ والاغاثة .. في عكار logo "جرّاء غارتين اسرائيليتين"... استشهاد 7 مسعفين جنوباً logo السفارة الإيرانية: استشهاد نيلفروشان إلى جانب نصرالله تأكيد على رابط الدم logo "لم يكن شخصية معروفة"... اغتيال أحد "العقول الاستخباراتية" لحزب الله logo "بعد اغتيال نصرالله"... خطوة أميركية في الشرق الأوسط logo "مرحلة خطيرة ودقيقة من تاريخ وطننا"... بيانٌ "هامّ" للجيش اللبناني!
محمد علي شمس الدين... وداعاً "أميرال الطيور"
2022-09-11 12:56:11

غيّب الموت الشاعر اللبناني الجنوبي العاملي، محمد علي شمس الدين فجر اليوم عن 80 عاماً بعد انتكاسة صحية لازم خلالها المستشفى لايام، وقد نعته ابنته الشاعرة رباب. ورثته بالقصيدة التالية:
لم تعلمني كيف تكفن القصيدة
وقد غسلناها بدمع المحاجر
ولم تعلمني كيف يدفن الشعر
ولم تخبرني أن للشعر مقابر
حفرت كل تراب بيروت يا أبي
فما وسعتك بيروت
يا أيها الشاعر
فأين أواري جسدك المقدس
وكيف ترثيك في الموت المنابر...
وكتب الشاعر شوقي بزيع في رثائه: "يمضي وعيناه على ( الريحان) مطبقتان / تتصلان بالشجر العظيم لغابة الأسلاف / نهرا حنطةٍ كفاه / والزيتون يتبعه وزهر البرتقال".
سقط محمد علي شمس الدين. لا كما تسقط الأوراق عن فروع صيفها الآفل، أو كما تسقط فكرة نافلة من عتمة الذاكرة، بل كما تسقط المدن والنيازك وأبطال الملاحم القديمة.
ومع ان جسده قد بدأ بخذلانه منذ زمن طويل، إلا أنه بكبريائه المعهودة، لم يسمح للموت بأن يقوده ساعة يشاء الى حتفه النهائي، بل أمسك هو نفسه بزمام المبادرة. وفي الموعد القياميّ المضروب لسقوط الأبراج، حيث كان قمر الجنوب في ذروة اكتماله، قرر محمد علي أن يعقد مع الموت صفقة بالتراضي، تنازل من خلالها لهذا الأخير عن جسده الترابي، فيما الشعلة التي رفعتها قصائده فوق أعلى القمم، ستظل أبد الدهر، عصية على الانطفاء".وكتب يحيى جابر: "وداعا للشاعر محمد علي شمس الدين، كنا دوما نلتقي ونتحاور وقوفا على رصيف ما في شارع الحمرا. لم يكن متواجدا بيننا كشاعر نديما في حانة او مقهى. بل كان شاعرا مشاءً انيقا بشعره مع بدلة وربطة عنق، وكم كان فصيحا في طرافته ونقده لنا. الموت لم يفارق كل قصائده. البارحة مات الرصيف ومات شارع الحمرا واليوم مات الشاعر. مثل كبرياء يمشي مرفوع الرأس، ويحاور موته على رصيف"...
وشمس الدين أو "أميرال الطيور"(عنوان أحد كتبه)، هو أحد "شعراء الجنوب" التسمية التي اطلقت على مجموعة من شعراء جنوب لبنان في السبعينات والثمانينات، ولد في العام 1942 في قرية بيت ياحون الجنوبية، ونشأ في بلدة عربصاليم وفيها كبر. وكان لنشأته الريفية والجنوبية والعاملية الدينية دورها في شعره وعباراته وقاموسه ولغته، إذ عاش في بيئة مشبّعة بروح التدين بكنف جده الشيخ قارئ الأوراد و"المتمتع بصفات بين الدين والسحر". هذا المعطى الديني "شكل حضنا شعريا وانتهى إلى أن يكون في أساس ما كتبه في مرحلته الأخيرة من شعر عرفاني، مثل قصائد "يوميات الصمت" وديوان "شيرازيّات" وقصيدة "الحيرة". "هذه مرحلة جوهرية في حياتي الشعرية"، يقول في حوار صحافي، حاول شمس الدين التعبير عن الواقع بالكلمات. ومن بعد ذلك حاول استعادته بالشِّعر. بدأْ بالقصص القصيرة، ثُمّ بالحِكم والأقوال المختزلة، ثُمّ وصلْ إلى القصيدة التي جاءت نتيجة احتكاكه الجسديّ بالعناصر المحيطة به، و"الإحساسي والعقلي بشؤون كثيرة وكبيرة منها الله، والخَلْق، والرُّوح والحبّ"، يقول "جذبني، وأنا فتىً، أبو العلاء المعرّي، في آلامه وشكوكه، خاصّة منها ألم العقل، فكتبْتُ أوّل ما كتبْتُ أبياتاً تُنْسج على منواله في الشكّ والسؤال واللغة؛ ثُمّ استهواني أبو حيان التوحيدي في "المقابسات"، وكنْتُ قد قرأتُ ذلك كلَّه وسواه، في مكتبة جدّي الشيخ في القرية".بعد دراسته الأولى في القرية، نقل والده عمله وعائلته إلى بيروت مطلع الخمسينيات. تابع الدراسة التكميلية في "ثانوية فرن الشباك"، وكان يذهب إليها مشياً من منطقة الشياح. في معرض توصيفه لتلك الأيام، قال مرّة: "أنا "ميم"، الرجل المشّاء. أضع يديَّ في جيوبي عندما يهبط الليل على بيروت وأمشي. شوارع المدينة طويلة ومتعرّجة مثل حكاية بلا بداية ولا نهاية. وأنا فيها متسكّع المسافات التي لا تنتهي". وضع لنفسه برنامجاً لحفظ مقاطع من الشعر الفرنسي خلال الذهاب والإياب، ما أفاده لاحقاً في دراسته: "كنت الوحيد في صفّي الذي نجح في البروفيه الفرنسية عام 1958"، كأن صورة المشاء بقيت حاضرة دائمة في حياة شمس الدين، فهو حتى سنوات قليلة كان يمر في شارع الحمرا، لا يجلس في المقاهى على عادة الشعراء، بل يمشي على الرصيف، أو يبقى في منزله، أو يذهب إلى بلدته حيث يعشق الطبيعة...
محمد علي شمس الدين حائز دكتوراه دولة في التاريخ، كما يحمل إجازة في الحقوق. وعمل كمدير للتفتيش والمراقبة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان. وتولى منصب رئيس المفتشين في الضمان الاجتماعي وكان من موظفي الفئة الأولى. برز في الشعر منذ العام 1973، وقد شارك في العديد من المهرجانات الشعرية في البلاد العربية. قبل ديوانه الأول "قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا"، كتب مئات القصائد. "كنت أكتب قصائد وأتلفها أو أخفيها في مكان ما، إذ كنت رهين النوعية منذ الصغر، وقلقاً جداً وشكّاكاً". من البداية، تسكنه طبيعة الجنوب وجنائزه وكربلائياته، إضافة الى الفلسفة الشعبية التي "تعتبر أن الموت شكل من أشكال الحياة"، وانتماء شمس الدين للجنوب "كانتماء الجرح للطعنة، فهو انتماء قوي وحار ودموي"، يضيف "لكني انتهيت الى أن أكون شاعرَ لغتي". نتاج شمس الدين الشعري لا ينحصر في مجال واحد. غالب شعره يتفاعل مع رموز التاريخ العربي والإسلامي من الحلاج الصوفي إلى الواقعة الكربلائية... يقول" إن قراءات لاقطاب الصوفية كإبن عربي في الفتوحات المكية والحلاج والبسطامي والشبلي وذي النون المصري وجلال الدين الرومي والعطار النيسابوري وحافظ الشيرازي. زودتني بمفاتيح الصوفية وبعض أسرارها.
مفاتيح شعر شمس الدين أو (موتيفاته) حددها الشاعر بشيء من الكشف الصحيح وهي: الدم، الطير، النهر... الموت، البحر، الحاجة إلى الميتافيزيقا. (من حوار نشرته صحيفة السفير 7 / كانون الأول 2001)؛ ويقول في حوار مع القدس العربي: "أعتقدُ باختصار أنّ شعري مرَّ بمرحلتين: المرحلة الأولى، التي أسّسها الديوان الأول "قصائد مُهرّبة إلى حبيبتي آسيا" الصادر عن دار الآداب في بيروت 1975، وهي مرحلة الهجوم على العالم باللغة الوحشية، أُسميها المرحلة الوحشيّة، حيث اللغة مُسنّنة كأنياب سمك القرش، وكلّ شيء في القصيدة، من صور مركّبة ومعانٍ ملتبسة، وإيقاعات متدافعة… كلّ شيء محمولٌ في مراكب اللغة الهائجة، مثل قولي:
"للنّسْرِ الجائعِ
للبلبل في المطر الوحشيّ
وللطفل المذبوح على عتبات النّهْرِ
لموسيقى الأفلاكِ
وللفوضى الكونيّةِ
أنزف من رئتيَّ الشِّعْرَ
وأرفعه كالجرح الشاخِبِ في نافورة هذا العصر
وأفضُّ دمَ الأشجار
أفضُّ دمَ الأمطار
أشقُّ ضريح النار بحنجرتي
فأنا الشفّاف الآسرُ
والمظلمُ في الآبار
أنا الجَرَسُ المهدومْ…" (مدخل قصيدة «فاتحة للنار في خرائب الجسد»، من ديوان «قصائد مهرّبة..")
كان المعنى متلاطماً، والصور متراكبة واللغة عارمة والإيقاعات قويّة كطبول في الغابة… هذه هي المرحلة ‘الوحشيّة لـ"قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا" 1975، ومن بعدها لديوان "غيم لأحلام الملك المخلوع" 1977، وصولاً لديوان "الشوكة البنفسجيّة" (دار الآداب 1981).
المرحلة الثانية هي مرحلة التأمّل والصمت، وتبدأ بديوان "أناديك يا ملكي وحبيبي"، ولا تنتهي عند ديوان "ينام على الشجر الأخضر الطير". إنّها مرحلة التأمل الوجودي والديني والانخطافات الروحية العرفانية، حيث الصمت مقام.. وألخصها بقولي، من قصيدة "ذكر ما حصل للنبي حين أحبّ" (من ديوان "طيور إلى الشمس المرّة"، الآداب 1984):
"كان يلزمني كي أفسّر هذا العذابَ
قليلٌ من الشعر
لكنّني لم أكُنْ شاعراً
ما الذي كان يفعله الشعراء مثلي لكي يَصِلوا؟
إنّها حالتي:
أرى لا أقولُ
سأروي لكم سرّها فاسمعوني:
لم يكن في البداية إلّا الظلامُ
وروح ترفرف مثل الحمام على الغَمْرِ
والله مبتهجٌ وحدهُ
ثم جاء الكلامُ
كان بَرْدٌ وحُمّى يلفّان جسمي
وأنا في ردائي غريبٌ ومختَطَفٌ
كيفَ أروي الذي كانَ منّي
وأبعدُ من لغتي نشوتي والسلامُ"
كتب شمس الدين عام 1973 قصيدة "الطوفان: بناء موسيقي في ثلاث حركات إلى أطفال سيناء"، وفي الحركة الأولى (الطفل) قال: "عريا كان يعدو على سدرة الأرض، والأرض تعدو على غارب الماء، والماء يطفو على صهوة الدم". في عام 1983 كتب قصيدة الساعة: "آخر العام، أحصي الذي في يدي: خاتمي أولا، ثم كفي التي أخذوها.. وفاء لديني، لينتزعوا خاتم العرس منها". وكتب قصيدة "رجل ظل امرأة" عام 1992: "كان لا بد أن أنتهي، مثلما قلت يا صاحبي، دونما كوكب، أو دليل، هكذا جرني حبها من يدي، مرة، مثل طفل جميل، فأمعنت في السير حتى انتهيت، ولا شيء خلفي، سواي، سواي...". عام 1996 كتب قصيدة "قبر للأرض"، وهي قصيدة ذات مقاطع، نقرأ من مقطعها الرابع: "يا ألله!/ حين دخلت المقبرة الليلية/ كي أبحث عن جسم أخي في الرمل/ وأوقد شمعا/ قرب وسادته البيضاء/ أبصرت على جثته/ رأسا يضحك"... وفي عام 2006 كتب قصيدة "الغيوم التي في الضواحي"، على هيئة أبواب، نقرأ من باب الفتوح: بعيدا/ على الشرق/ كانت جيوش قتيبة تنأى/ وتقرع باب خراسان/ فتح مبين/ ولكن شيئا/ على السيف حط/ وأوقعه من قراب الأمير/ جاء قواده/ والوزير/ وعرافة من خراسان".
حاز شمس الدين في العام 2011 جائزة العويس الشعرية. ترجمت أشعاره إلى أكثر من لغة منها الإسبانية والفرنسية والإنكليزية. كتب عن قصائده الكثيرون من النقاد العرب والغربيين، ومن بينهم المستشرق الإسباني بدرو مونتابيس حيث قال: "في هذا الشاعر شيء من المجازفة مكثف وصعب؛ لا سيما أنه عرضة لكل الإشراك. شيء ما يبعث على المجرد المطلق، المتحد الجوهر، اللاصق بالشعر في أثر شمس الدين". شمس الدين له مواقف مقاوِمة كان آخرها حين أعلن سحب كتاب له من جائزة الشيخ زايد للكتاب إحتجاجا على إتفاقية الإمارات مع اسرائيل والتي فتحت باب التطبيع على مصراعيه. لكن شاعريته لم تمنعه في أن يكون عضوا في لجنة جائزة قاسم سليماني.
أهم المؤلفـــات:
في الشعر: –
قصائد مهربه إلى حبيبتي آسيا
غيم لأحلام الملك المخلوع
أنا ديك يا ملكي وحبيبي
الشوكة البنفسجية
طيور إلى الشمس المرة أميرال الطيور
أما آن للرقص أن ينتهي؟ ( وقد صدرت جميعها عن دار الآداب – بيروت في عدة طبعات / وصدرت في مجموعه كاملة عن دار سعاد الصباح / القاهرة 1994
يحرث في الآبار ( عن دار الجديد – بيروت 1997
منازل النرد – عن مؤسسة الانتشار العربي – بيروت 1999
في النثر:
رياح حجرية – الدار العالمية – بيروت 1981
كتاب الطواف – دار الحداثة – بيروت 1987
حلقات العزلة – دار الجديد – بيروت 1993


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top