2024- 06 - 26   |   بحث في الموقع  
logo بالصوره: مستوطنة إسرائيليّة تحترق بصواريخ “حزب الله” logo بارولين من عين التينة: المسيحيون يتحمّلون المسؤولية ولكن ليس لوحدهم logo أردوغان: نتنياهو ومن معه يوجهون أنظارهم الآن صوب لبنان لشن حرب هناك logo الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1815 عسكريا أوكرانيّا خلال 24 ساعة logo الوزير حجار يشكر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر logo بالصورة: رسائل “تهديد وإخلاء”.. القوى الأمنية تتحرّك وتكشف مدى جديّتها logo بري استقبل أمين سر الفاتيكان والامين العام المساعد للجامعة العربية… بارولين: المشكلة هي مسؤولية الجميع logo المواجهات الجنوبية تحتدّ.. وتقرير إسرائيلي يحذّر من دمار متبادل
عن مَلَكيّة لا تكون..بل تحدث
2022-09-09 20:26:03

دلالة قوية يحملها مقال الصحافية والروائية البريطانية، ويندي هولدن، تحت عنوان "خمس نصائح لتحويل أفراد العائلة المالكة إلى شخصيات روائية جذابة". اللمعة لا تنحصر في شخص هولدن نفسها، التي، وبعد مغادرتها جريدة "صنداي تايمز" لتتفرغ للتأليف الإبداعي، وضعت كتباً لحظَتها لوائح "الأكثر مبيعاً"، لا سيما روايتها "المربّية المَلَكية" المستندة إلى مذكرات ماريون كراوفورد، مُربّية الطفلتين الأميرتَين إليزابيث الثانية وشقيقتها مارغريت. بل إن الأكثر إثارة ولفتاً للانتباه هي تلك الاستثنائية الكامنة في بداهة. سرّ الافتتان العالمي بسرديات التاج البريطاني: فهذه العائلة واقع يتحدى الخيال، ويصوغه بتلقائية منذ قرون. عائلة وُجدت لتُحكى وتُرى، وتُحكى وتُرى لتستمر في الوجود. عائلة، وتحديداً منذ إليزابيث الثانية، مرويّة وراوية بامتياز. "أَظهِروهم في طفولتهم، أظهروا نزعاتهم الغرائبية، أظهروا خوضهم رحلات حياة من النوع الكفيل بإحداث انقلابات في الشخصية، أظهروا حسّهم الفكاهي، وأظهِروهم مُغرَمين". تلك هي نصائح هولدن التي يخطر في بال قارئها أن متلقيها من المهجوسين باحتراف حياكة قصة تختزن من الدراما والتراجيديا والإبهار ما يحيلها أدباً أو سيناريو محتفىً به، سيدركون سريعاً أنهم، وفي حالة عائلة "ويندسور"، ليسوا في حاجة إلا لسرد الشخصيات وحكاياتها، كما هي. بمكائدها وغرامياتها، مغامراتها وانتصاراتها وإخفاقاتها، كنيستها، وتيجانها المبذولة من أجل الحب، والحب المبذول من أجل موقعها، أمراضها ومخاوفها وبذخها، فساتينها وحليّها، ومواقف شخوصها التي غيّرت مصائر شعوب وأفراد، ومعهم أفراد العائلة الملكيّة أنفسهم.هنا، التاريخ، وخصوصاً البادئ مع الملكة إليزابيث، وحتى فيما كان قيد الصّنع، لا يني يشكل خامة تلفزيون وسينما ورواية جماهيرية، ليس في موطن العرش فحسب، بل حول العالم. هؤلاء الملوك والملكات، مثلهم الكثير في ممالك عديدة، لكنهم ليسوا بالتشبّع ذاته من الأضواء ولهفة المتفرجين. ليسوا مجرد مشاهير، ولا فقط دماً أزرق، أو السندريلا ديانا التي أصعدها الأمير من صفوف الشعب إلى غرف القصر وشُرفَته. ليسوا فقط سلالة قوة وحُكم واستعمار غيّر وجه الكوكب، في توسعه كما في انحساره. ولا محض واجهات برّاقة للثراء وعربات الخيل وقصص ما قبل النوم والفضائح الشيّقة. ليسوا فقط سيرة طويلة من السلطة الليّنة الطيّعة أمام انقلابات التاريخ وتقلباته، وهي السلطة الفعلية أولاً، ثم المعنوية، التي لم تقطعها ثورة ولا حرب. هي خليط من ذلك كله وأكثر، Soap Opera مستمرة كحياة مُعاشة، لا مؤلَّفة ولا مُختلقة من عدم ولا حتى مستوحاة. تغري بالتلصص، والتلصص متاح ومفضوح بموافقة أصحابها ومن دونها. وهذا سِحرهم، وأيضاً سحر الديموقراطية البريطانية المعقّدة، وإعلامها الذي يلاحقهم ويزعجهم، يحبّهم ويحاسبهم وقد يتسبب في "حرمانهم من المصروف"، قد يحيلهم، في وقت واحد، أبطالاً وشخصيات كاريكاتور وأهدافاً للتمرد على العتيق من دون محوه. هو سحر سياحتها المبنية على قِصّة لا تفرغ من التسلية والبهرجة، ونبض فنونها المجبولة بماضوية هي دائماً على الموضة، ولو في معرض التهكم الإنكليزي اللاذع. المَلَكيات المتبقية في العالم القديم، السويد والنروج وإسبانيا، وشتى بقاع الأرض، لا تحلم بمثل هذا المغناطيس... فالمَلَكية الجاذبة للقصص وصانعتها، لا تكون، بل تحدث.ولهذا الحدوث، لتلك السيرورة، أسباب إضافية ليست أقل تأثيراً مما سبق. فالملكة اليزابيث الثانية كانت "السيادة الحاكمة" الأطول عمراً على عرشها في التاريخ، بعد الملك الفرنسي لويس الرابع عشر. ويشير الباحث جون بالمر، الذي تعمّق في تحليل ما يسمّيه "الماركات المَلَكية" إلى أن إليزابيث الثانية، كملكة على المملكة المتحدة و15 مملكة أخرى، ناهيك عن كونها رئيسة الكومنولث بعضوية 53 دولة، هي في الواقع "16 ملكة مدمجة في واحدة". إنه الزمن المديد معطوفاً على الظِّل الملكي الطويل، كيمياء مشرقطة تنتج الجماهير بلا عناء.. التوق إلى رؤية الأساطير متجسدة في تاج، وثوب بِذَيل مرصَّع، ومراسم عتيقة تُمارس كأنها ابنة اليوم، وكأنها بكامل سطوتها حتى ولو ما عادت كذلك. لا أحد يحتاج مَن يشدّه من شَعره ليعلق في حبائل مرويّة كهذه.وهناك الدور البريطاني في العالم، كمدماك تاريخي لا فكاك منه لدارسٍ أو أي مُتذكِّر، لجندي أو تاجر، لنبيل أو عامّي، مُستعمِر أو مُستعمَر. ولا فكاك أيضاً لجيل تعرّف على التلفزيون في عهد إليزابيث الثانية التي خاطبته عبر البثّ بعد طول تردد وهجس، وخافت من الاختراع الجديد وافتتنت به، مثله تماماً. لكن حفلة زفافها نُقلت عبر شاشته، كفعل سياسي وثقافي ملكي، فكانت فاتحة الأعراس (ومراسم التشييع) الملكية التي ما زال عشرات الملايين من أبناء الكوكب يتسمّرون أمام تلفزيوناتهم لمتابعتها، مثل أفلام تأخذهم إلى الخرافة السعيدة الرهيبة، وتُجيز لهم عيشها لسُويعات. الأميرة ديانا كانت الذروة، لكنها لم تكن منفردة، بل حلقة في سلسلة دهشة حيّة، من لحم ودم، وأيضاً بعيدة المنال، قريبة من أحلام غرف الجلوس.وحينما تصنع اللغة تعبيراً، لا يتوقف مغزاه عند انتشاره وتداوله، بل يتحول إلى "كيتش"، فهذا يعني أن الممارسة الموصوفة ضربت جذورها عميقاً. وهنا الكلام عن مصطلح Royal Watching أو المراقبة الملكية، التي لم تكن دوماً سياحية، بالتذكارات والهدايا وزيارة القصور، ولا كانت منذ البداية استعراضية أو ترويجية للبلد باعتبارها علامته الفارقة. فبين العامين 1066 و1743، عندما كان جورج الثاني آخر الملوك المقاتلين في ميدان المعركة، شارك البريطانيون في أكثر من 50 حرباً، وكانت "المراقبة الملكية" غالبًا ما تعني مراقبة الملوك أو جيوشهم، بحيث لا ينهبون الرعايا فيما هم يحمونهم، ولو بدعوى إبقاء خزائنهم ممتلئة ورفد القوات وتجديد المعدات.وإذ تضاءل دور الملك المحارب بنهاية القرن الثامن عشر، وحل محله دور الملك كدبلوماسي، نشأ نظام طبقي منظّم ومستقر. بالنسبة للطبقات الدنيا خارج لندن، كانت "المراقبة الملكية" تتضمن أن تستحيل أجسادهم سياجاً، بطانة سياج ولاء، على طول طريق سفر الملوك وحاشيتهم. أما الطبقة الأرستقراطية، فخلال القرن التاسع عشر وجزء من القرن العشرين، كان يُنتظر منها أن تستضيف العائلات المهمة في حفلات نهاية الأسبوع، بمن فيهم العائلة المالكة، وهو ما عُدّ شرفاً عظيماً، لكنه كان أيضاً في كثير من الأحيان نكبة مالية يتكبدها المُضيف فيما يؤدي واجب الابتسام والكرم. منذ ذلك الحين، كان العَرضُ منطلقاً، كمقدّمة لتحوّله مهرجاناً عابراً للحدود والقارات، للفرجة والتلذذ بالنميمة على طريقة روايات جين أوستن، للاقتراب من السلالة التي ألهمت شكسبير أيقوناته الخالدة.وبين الحربين العالميتين، سقطت الطبقة الأرستقراطية البريطانية تدريجياً، لكن بشكل لا رجعة فيه، بسبب الكساد العالمي وانخفاض الطلب على البضائع البريطانية في أنحاء العالم، والوفيات والإصابات والتغييرات في قوانين الضرائب العقارية. بحلول الحرب العالمية الثانية، تلاشت حفلات نهاية الأسبوع الكبيرة في المنازل، فتحول ترفيه العائلة المالكة إلى قصورها الخاصة. كما أن تراجع الطبقة الأرستقراطية عنى أيضاً أن الطبقة العليا بدأت تفاعلها مع العائلة المالكة في الأحداث التي يمكن لأعضاء الطبقات الاجتماعية الدنيا حضورها أيضاً، مثل بطولة "ويمبلدون" للتنس، وسباق الأحصنة"رويال أسكوت".. هكذا، تطورت "المراقبة الملكية" واتسعت رقعاتها لتشمل المركز والمقر والمساحات الأقرب للحميمية. شأنها شأن العائلة نفسها، التي انغمس مواطنو بريطانيا، وزوارهم ومُشاهديهم، في تلك "الرغبة الغامضة في سرديات هذه العائلة وفي المشاركة المُتخيّلة في الحيوات الملكية"، كما كتب الباحث في انثروبولوجيا السياحة، فيليب لونغ، في كتابه "سياحة ملَكية".يقول الصحافي الاقتصادي السابق في "بي بي سي"، إيفان ديفيز، إن 10% من السياح يزورون المملكة المتحدة بسبب اهتمامهم بالعائلة المالكة، لكن الكثيرين منهم "ينجذبون إلى بريطانيا كمركز ثقافي فريد وعظيم حيث مساهمة المؤسسة الملكية لا تقدر بثمن". لكن الكاتبة أولغا خازان، تجري مقارنة أكثر إخلاصاً للتقمّص المتبادل بين الخيال والواقع المخضّب بالدراما. تقول إننا إذا نظرنا إلى السياحة الملكية من خلال استعارة النظام البيئي، سنرى أن عائلة التاج البريطاني تتصرف مثل الحيوانات الأصيلة المُعرِّفة بمنطقة معينة، والتي تعطيها خصائصها ورونقها وشخصيتها، فتعرض كاريزما فائقة في محميّتها التي تستقطب أنظار المعجبين من كل حدب وصوب. ولعله من المنطلق هذا، قررت الملكة اليزابيث الثانية، العام 1993، فتح قصر باكينغهام للزوار لجمع المال اللازم لتمويل إصلاح قلعة ويندسور بعد الحريق الذي نشب فيه. استخدمت رصيدها المعنوي لتعزز رصيدها المالي بعيداً من أموال دافعي الضرائب. ملكة معاصرة تستثمر في مسرح مُلكِها البالغ من العمر قروناً عديدة. كان من المفترض الاستمرار في هذا "الانكشاف على العامة" حتى العام 1997 فقط، لكنه ما زال مفتوحاً إلى اليوم وبنجاح ساحق... تماماً مثل الحكاية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top