2025- 01 - 13   |   بحث في الموقع  
logo مفاوضات غزة تحت ضغط ترامب.. والتركيز على إنهاء الحرب logo الحكومة السورية والاقتصاد الجديد: رسوم جمركية موحدة وإلغاء الدعم logo الحدود الشرقيَّة بين لبنان وسوريا: هل حان أوان الترسيم؟ logo جوزاف عون: "الشهابية" بنسخة عربية-دولية تستبدل الطبقة السياسية logo الحكومة الجديدة واستحقاقات ما بعد الحرب: أي سياسة اقتصادية؟ logo ابراهيم منيمنة: أعلن سحب ترشحي logo بايدن يشدد لنتنياهو على "الحاجة الفورية" لوقف إطلاق النار logo برشلونة يُهين ريال مدريد بخماسية و يُحرز كأس السوبر الإسباني
الدولار القوي يقض مضاجع العالم: لا أحد سعيداً
2022-09-08 11:26:18

تعوّد العالم على ظاهرة "الدولار القوي"، التي غالبًا ما تحصل حين ترتفع قيمة الدولار بسرعة قياسيّة في مقابل العملات والمعادن النفيسة في الأسواق العالميّة، بالتوازي مع ارتفاع الفوائد الأميركيّة واستقطاب الأسواق الأميركيّة للرساميل من الخارج. وفي العشرين من شهر أيلول الحالي، من المفترض أن يعقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه المقبل، حيث من المتوقع أن يتخذ المجلس قرارًا بإجراء زيادة إضافيّة في معدلات الفوائد بنسبة 0.75%.ارتفاع قياسي.. لكن العالم لم يكن مستعدًاوبذلك، ستكون الفوائد الأميركيّة المستهدفة من قبل الاحتياطي الفيدرالي قد ارتفعت في شهر أيلول الحالي إلى مستويات قياسيّة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ نحو عقد ونصف العقد من الزمن. مع الإشارة إلى أنّ هذه الزيادة في معدلات الفوائد المستهدفة ستكون الخامسة خلال هذا العام، فيما مثّلت الزيادتان الأخيرتان أقوى زيادات للفوائد يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي منذ العام 1994.
وإذا أقدم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على زيادة الفوائد بنسبة 0.75% كما هو متوقّع، فستبلغ معدلات الفوائد الأميركيّة المستهدفة حدود 3.25%، ما يمثّل نسبة مرتفعة مقارنة بمثيلاتها في دول العالم المتقدمة. وفي كل الحالات، من المتوقّع أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي بسياسة الفوائد المرتفعة على المدى المتوسّط، في ظل معدلات التضخّم التي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ 40 سنة، والتي غالبًا ما يتعامل معها الاحتياطي الفيدرالي بقرارات زيادة الفوائد على هذا النحو.في العادة، تتعامل الدول الأخرى مع هذا الواقع بمواكبة ارتفاع الفوائد الأميركيّة، للحد من هجرة الرساميل باتجاه الولايات المتحدة، وحماية عملاتها المحليّة من التدهور القاسي، وبالتالي الحد من معدلات التضخّم لديها. هنا، قد تعاني دول العالم أجمع من قسوة تداعيات ارتفاع الفوائد، لكنها ستكون قد تلافت الآثار الأقسى لهجرة الرساميل وتدهور أسعار صرف عملاتها، ومعدلات التضخّم المرتفعة التي تنتج من تدهور أسعار صرف عملاتها المحليّة.
لكن هذه المرّة، لا يبدو أن العالم كان مستعدًا لمواكبة ما يجري من ارتفاعات في الفوائد الأميركيّة، كما جرى في حقبات تاريخيّة سابقة، نظراً لتقاطع هذه التطوّرات مع أزمات أخرى لا تقل قساوة عن زيادات الفوائد الأميركيّة. وفي كل اقتصاد من الاقتصادات الناشئة والمتقدّمة، كان ثمّة عوامل أدّت إلى تفاقم وتضخّم تداعيات ارتفاع الفوائد وتنامي قوّة الدولار في الأسواق العالميّة، ما جعل المصارف المركزيّة حول أنحاء العالم تحبس أنفاسها في كل مرّة يقرر فيها الاحتياطي الفيدرالي رفع فوائده.مجدداً.. مستقبل اليورو على المحكتتبنّى اليوم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي اليورو كعملة رسميّة لها، في اتحاد نقدي يفرض عليها الالتزام بسياسة نقديّة مشتركة، وبقرارات موحّدة في ما يخص معدلات الفوائد وآليّات التحكّم بالكتلة النقديّة. لكنّ أزمة هذا النوع من الاتحادات النقديّة، تبرز سريعًا في بعض الحقبات التاريخيّة التي تتباين فيها الأهداف الاقتصاديّة والماليّة للدول الأعضاء، حسب ظروفها المحليّة ووضعيّة ميزانيّاتها العامّة. هكذا كان الحال، على سبيل المثال، عام 2012 في مرحلة التعافي من الأزمة الماليّة العالميّة، حين حذّر صندوق النقد الأوروبيّين من هذا النوع من التباينات، بعبارته الشهيرة: "مستقبل اليورو على المحك". وهكذا بات الحال اليوم أيضًا، في مرحلة تتخبّط فيها الدول الأوروبيّة ما بين أولويّأت التعامل مع التضخّم، وأزمة أوكرانيا، وارتفاع مديونيّة بعض الدول الأوروبيّة. باختصار، لا يوجد أي مبالغة في القول مجددًا: مستقبل اليورو على المحك.
فمع ارتفاع الفوائد الأميركيّة، تدنّت قيمة اليورو مقابل الدولار إلى أدنى مستويات منذ العام 2002، في نتيجة طبيعية لتدفّق الرساميل للاستثمار في أسواق المال الأميركيّة المرتفعة الفوائد. وهكذا، كان من الطبيعي أن تنفجر معدلات التضخّم الأوروبيّة، خصوصًا بعد أن تقاطعت هذه الظروف مع الضغوط التضخميّة الناتجة عن ارتفاع مصادر الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والضغوط التي عانت منها سلاسل التوريد في مرحلة فتح الأسواق بعد التعافي من أزمة تفشّي وباء كورونا. مع الإشارة إلى أن رزمات الدعم التي قدّمتها بعض الدول الأوروبيّة كألمانيا لاقتصاداتها، للتعامل مع أزمة شح مصادر الطاقة، ساهمت في تضخيم المعروض النقدي، ما فاقم من الضغوط التضخميّة، خصوصًا أنّ هذه الرزم تلت الرزم التي تم تقديمها إبّان تفشّي وباء كورونا.التناقضات الأوروبيّة سرعان ما ظهرت للعيان. فألمانيا وفرنسا سرعان ما دفعتا باتجاه مواكبة الفوائد الأميركيّة، أو على الأقل تقليص الفارق بين الفوائد الأميركيّة والأوروبيّة قدر الإمكان، للسيطرة على معدلات التضخّم في أوروبا، وحماية الصناعات المحليّة من أثر ارتفاع كلفة الإنتاج. مع الإشارة إلى أنّ هذه الدول تلمّست كذلك أثر معدلات التضخّم الكبيرة على مستويات الاستهلاك، ما يرتبط بشكل مباشر بمعدلات النمو الاقتصادي المتوقعة.
لكنّ المصرف المركزي الأوروبي لم يتمكّن حتّى اللحظة من تحقيق هذه الأهداف، نظرًا لامتلاك دول أوروبيّة كإسبانيا وإيطاليا واليونان أولويّات أخرى، تحول دون رفع الفوائد بنسب وازنة. فهذه الدول تعاني من تضخّم في ديونها السياديّة ومديونيّة قطاعها الخاص، وأي زيادات كبيرة في معدلات الفوائد على اليورو ستعني ارتفاع كلفة خدمة هذه الديون بنسب وازنة، وصولًا إلى تهديد استدامة هذه الدول. باختصار، من شأن أي زيادات قاسية في الفوائد على اليورو أن تدفع باتجاه أزمة ديون أوروبيّة قاسية، ما سيفاقم من المصاعب الاقتصاديّة التي تتعرّض لها اليوم القارّة العجوز.
هكذا، كشفت الأزمة تباينات الأولويّات الاقتصاديّة لدى الدول الأوروبيّة،بحسب وضعيّتها الماليّة. وإذا لم يتمكن المصرف المركزي من إيجاد الأدوات النقديّة المبتكرة للتعامل مع الأزمة، فمصير العملة الموحّدة سيكون على المحك، تمامًا كما حذّر صندوق النقد الدولي عام 2012.الصين ليست بخيرلن يبلغ معدّل النمو الاقتصادي في الصين في الربع الثاني من هذا العام أكثر من 0.4%، مقارنة بالمعدّل المستهدف الذي يبلغ حدود 5.5%. وحسب التقديرات، من المفترض أن تشهد الصين هذه السنة أسوأ المؤشّرات الاقتصاديّة التي تسجّلها منذ أكثر من 30 سنة. باختصار، كانت الصين تعاني أساسًا من أزمة مديونيّة شركاتها العقاريّة، التي باتت تهدّد أسس نظامها المالي. فيما أدّت هذه الأزمة بدورها إلى فرملة القطاع العقاري الصيني، الذي يُعتبر أحد أعمدة النمو الاقتصادي الصيني.
وهكذا، جاءت أزمة الفوائد الأميركيّة لتفاقم جميع هذه الأزمات. فارتفاع قيمة الدولار في الأسواق أجّج أزمة مديونيّة الشركات الصينيّة، وخصوصًا تلك المقوّمة بالعملة الصعبة. ومن ناحية أخرى، لم يكن بإمكان الصين مواكبة ارتفاع الفوائد الأميركيّة وبالنسبة نفسها، نظرًا لتداعيات ارتفاع الفوائد على مديونيّة الشركات والأفراد الصينيين. وفي الوقت نفسه، ساهمت هجرة الرساميل باتجاه الولايات المتحدة في الضغط على السيولة المتوفّرة بالعملات الصعبة، وبحجم الاستثمارات الأجنبيّة الوافدة إلى السوق الصينيّة.
أمّا الأسواق الناشئة، كمصر وتونس وتركيا، فتعاني بدورها من تبعات ارتفاع الفوائد الأميركيّة، وشح السيولة المتوفّرة بالعملات الصعبة، ناهيك عن أثر ارتفاع كلفة خدمة مديونيّاتها السياديّة. باختصار، كل ما يجري في الأسواق العالميّة يوحي بأن الأزمة طالت الجميع، وبأن الدولار القوي سيقض مضاجع العالم حتّى إشعار آخر. فتكريس الدولار كعملة عالميّة وضع العالم أمام معادلة صعبة، تحرّك الدولار حسب أولويّات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وتحمّل العالم كلفة خدمة هذه الأولويّات.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top