غليان قضائي يعيشه قصر العدل، بالإضافة إلى غليان شعبي في محيطه من قبل أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت. منذ أشهر والتحقيق مجمّد، نتيجة دعاوى الردود التي جرى تقديمها بحق المحقق العدلي، القاضي طارق البيطار، وعدم البتّ بها، وسط إصرار من قبل حزب الله وحركة أمل على تنحية البيطار عن هذه القضية متهمين إياه بتسييسها. ومنذ فترة تبحث القوى السياسية في الأروقة عن صيغة لإعادة التحقيق.. ولكن مع تجميد عمل البيطار! وحسب المعلومات، أن محاولات كانت تجري بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب بوساطات متعددة للوصول إلى حلّ. المفارقة أنه يوم أمس الثلاثاء التقى نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، وتناول بو صعب في لقاءاته قضية التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.المحقق الرديفعصر الثلاثاء، حصل خلاف بين رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ونواب التيار الوطني الحرّ، الذين التقوه وطالبوه بإطلاق سراح عدد من الموقوفين، من بينهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر. بعد الخلاف بساعات، وافق مجلس القضاء الأعلى على اقتراح وزير العدل هنري خوري، بتعيين محقق عدلي رديف في ملف انفجار مرفأ بيروت، يتولى مهمة البت بإخلاء سبيل الموقوفين في القضية، إلى حين عودة المحقق العدلي الأصيل طارق البيطار إلى ممارسة مهامه المجمدة منذ تسعة أشهر، بفعل الدعاوى المقامة من سياسيين ملاحقين في الملف يطالبون بتنحيته.
وأحدث هذا القرار صدمة لدى المراجع القانونية، التي اعتبرته "سابقة غير معهودة"، و"حالة فريدة بتعيين محققَين عدليين بقضية واحدة". القرار أرخى بثقله على الواقع القضائي، فيما تشير مصادر قريبة من القاضي بيطار إلى أنه في حالة غضب من هذا الإجراء، وهو يرفض تسليم الملف لأي قاض غيره. وتنقل المعلومات أنه في حال أصر مجلس القضاء الأعلى على هذا القرار، فإن البيطار يفكر جدياً بتقديم استقالته من القضاء.سابقة في العام 2005وفيما تشير المعلومات إلى أن هذا الإجراء هو من ضمن صفقة سياسية شاملة، تتعلق بالملف القضائي وإقرار التشكيلات وتعيين الغرف، تصر مصادر قريبة من مجلس القضاء الأعلى على أن الأمر يرتبط بإجراءات قضائية لتأمين حسن سير العدالة وعدم الاستمرار في حالة التعطيل.
عضو لجنة أهالي الضحايا، وليم نون، اعتبر أن الموقف من التوجه نحو تعيين محقق عدلي رديف في ملف انفجار مرفأ بيروت لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث. لكنه شدد على رفض الأهالي أن يكون الهدف من هذا الأمر الإطاحة بالتحقيق. ويستغرب نون كيف أن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، بات يمكنه الطلب من مجلس القضاء الأعلى، بعد أن كان يعتبر أن هذا الأمر ليس من صلاحياته، أشار إلى أننا "لا نعرف حتى الآن ما هي مهمة المحقق العدلي الثاني، هل هي البت في طلبات إخلاء السببيل فقط؟"، مضيفاً: "إذا كان الأمر كذلك، لا نمانع، لكن إذا كان المطلوب إحراج المحقق العدلي طارق البيطار من أجل إخراجه لن نقبل بهذا الأمر، وسيكون لنا كلام آخر".
وحسب مصادر قضائية، فقد استند هذا القرار الى سابقة حصلت في التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حين جرى انتداب محقق عدلي ثانٍ لأن المحقق آنذاك كان خارج البلاد، وجاءت طلبات طارئة من لجنة التحقيق الدولية، فإضطر المجلس إلى انتداب قاضٍ رديف وعمل على إنجاز الطلبات."توافق سياسي"وتؤكد المصادر أن هذا القرار مبني أساساً على توافق سياسي، لا سيما أن المركز تابع وفق التوزيع الطائفي إلى طائفة معينة لا يمكن تجاوزها بقرار كهذا. لذلك فإن القرار اتخذ على مستوى عالٍ قبل أن يرسو في حضن مجلس القضاء الأعلى، وبات الخيار الأنسب من بين خيارات أخرى طُرحت على طاولة النقاش. وبلا شك أنه سيكون هناك خطورة لهذا القرار في حال عمد المحقق المنتدب للبت بقرارات إخلاء السبيل، وأخلى سبيل كافة الموقوفين، عندها سيتم إفراغ الملف تماماً ويجري تطييره. وعليه لم يبقَ أمام البيطار خيارات كثيرة، فإما أن يتمسك بالملف الذي بات خاوياً، وبالتالي لن يحقق من خلاله انجازات كان يراهن عليها، وإما يتجه إلى التنحي عن الملف.