"ملايين الليرات يحملها أبنائي يومياً إلى المدرسة". بهذه العبارة بدأت شيرين عياش حديثها عن مستلزمات العام الدراسي الجديد. تصف عياش أن أولادها يحتاجون تجهيزات مدرسية تفوق الحد الأدنى للأجور بأضعاف، سواء لناحية المستلزمات الدراسية الأساسية كالدفاتر، والأقلام، أو لناحية الزي المدرسي، والحقيبة.
تقول لـ"المدن": "من المستغرب جداً ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية هذا العام، والأكثر دهشة أن معظم المكتبات لا تتقاضى إلا الدولار الأميركي، وهو أمر مستفز جداً بالنسبة إلى الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة المحلية". تضيف "ما لايقل عن 5 ملايين ليرة ستنتقل مع أطفالي من البيت إلى المدرسة يومياً، وهو ما يعادل راتبي الشهري".دولرة الأسعارالممارسات اليومية التي تفرضها سياسة الأمر الواقع، والاتجاه العام نحو "الدولرة" أي شراء السلع بالدولار، دفع تجار القرطاسية إلى اتباع هذا المنحى أيضاً، إذ رفضوا تسليم المستلزمات الدراسية إلى المكتبات بالعملة المحلية، وهو ما جعل الأسعار ترتفع عشرات الأضعاف عن ما كانت عليه قبل عامين تقريباً.
تفحصت عياش قرطاسية العام الماضي، في محاولة منها لتخفيف التكاليف هذا العام، لكن ذلك لم يمنعها من شراء ما يحتاجه أبناؤها لعامهم الدراسي هذا.
تختلف أسعار المستلزمات المدرسية بحسب النوعية، فعلى سبيل المثال، يبدأ سعر علبة أقلام الرصاص من ثلاثة دولارات ويرتفع إلى خمسة دولارات، أي مابين 96 ألفاً وصولاً إلى 160 ألف ليرة، فيما تبدأ أسعار باقي المستلزمات الأساسية للمرحلة الابتدائية من أقلام تلوين، ومساطر، أو ممحاة، من 120 ألفاً وصولاً إلى 500 ألف ليرة. أما بالنسبة إلى المرحلة المتوسطة والثانوية، فالأسعار مختلفة، يبدأ سعر أقلام الحبر من 35 ألفاً إلى 80 ألفاً، أما سعر الآلة الحاسبة فيبدأ من 570 ألفاً ويصل إلى مليون ونصف المليون تقريباً.
بعيداً عن المستلزمات المكتبية، فإن أسعار الدفاتر والأوراق ليست بسيطة، أو بمتناول العديد من العائلات اللبنانية. فإن احتاج الطالب في مرحلة التعليم المتوسط أو الثانوي إلى مجموعة من دفاتر الحجم الكبير "المقسمة إلى 5 أجزاء"، فقد تصل التكلفة إلى 200 ألف لكل دفتر، ما يعني أن نحو مليون ليرة يحتاجه الطالب لشراء دفتر لكل مادة أساسية. الدفاتر الصغيرة (60 ورقة) تباع بنحو 60 ألفاً، ما يعني أن أربعة دفاتر خاصة بالمواد التعليمية الأساسية تحتاج ما لا يقل عن 240 ألف ليرة.
هذه الأسعار، تجعل التحضيرات بالنسبة للكثير من الأهل عبئاً لا يستهان به. تقول عياش إن ابنها في الصف الرابع إبتدائي وابنتها التي وصلت إلى الصف السابع، يحتاجان مستلزمات دراسية كل ثلاثة أشهر تقريباً، ما يعني أن هناك تكلفة دورية عليها تسديدها، تقدر بنحو 3 ملايين ليرة في حال لم تشهد الأسعار أي ارتفاعات أخرى.
إضافة إلى معاناة الأهل مع هذه الأسعار، فقد فرضت العديد من المدارس بنوداً إضافية على الأقساط الدراسية هذا العام، منها على سبيل المثال، شراء قرطاسية المدرسة، وهي عبارة عن مجموعة صغيرة من الدفاتر التي تحمل شعار المدرسة، لا تكفي الطلاب فصلاً واحداً. وتختلف الأسعار من مدرسة إلى الأخرى، لكنها ليست أقل من مليون ليرة، حسب عياش.الحقائب سلع فاخرةلا تخفي ناهدة شانوحة، وهي صاحبة مكتبة "شانوحة" الخاصة بالمستلزمات الدراسية في منطقة كورنيش المزرعة، أن الأسعار هذا العام مختلفة جداً عن الأعوام السابقة. تقول لـ"المدن": يفرض تجار القرطاسية الشراء بالدولار الأميركي، حتى أنهم يرفضون تقاضي الأموال بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق السوداء، ما أدى إلى عزوفها عن شراء الكثير من البضائع، وفي مقدمتها الحقائب المدرسية، لأنها لا تملك رأسمال الكافي لشراء 20 حقيبة. في السابق، كانت تشتري ما لا يقل عن 100 حقيبة مع بداية الموسم الدراسي، وبيعها في غضون أيام.
يبدأ سعر الحقيبة من 640 ألف ليرة، ويصل إلى أكثر من مليونين و500 ألف ليرة، أي ما يقارب 80 دولاراً، ما يجعل فعلاً، شراء الحقيبة بمثابة سلعة فاخرة لا يمكن للكثير من العائلات اقتناؤها. بالنسبة لسعر مطرات المياه، تبدأ من 8 دولارات وتصل إلى 20 دولاراً (ما بين 250 ألفاً و650 ألف ليرة). حسب شانوحة، فإن أسعار الحقائب تضاعفت عشرات المرات، ما يجعل من الصعب على الأهل شراء حقيبة كل عام.وللزي المدرسي قصته..إلى جانب هم تأمين القرطاسية، يأتي الهم الأكبر بالنسبة للأهل، وهو ارتفاع أسعار الزي المدرسي هذا العام. فعلى الرغم من أن الإنتاج لبناني، لكن السعر بالدولار أيضاً. يعد الزي الدراسي بالنسبة إلى المدارس الخاصة أمراً أساسياً، يمكن الحصول عليه، إما من المدرسة، أو من خلال نقاط بيع محددة. في السنوات الماضية، لم يكن السعر المريول بالنسبة للأطفال في الصفوف الابتدائية يتعدى 35 ألفاً، وزي الطلاب في المرحلة المتوسطة، أو الثانوية، يتراوح مابين 75 إلى 100 ألف. هذه الأسعار تبدلت وارتفعت أضعاف ما كانت عليه.
وتبدأ الأسعار بالنسبة للطلاب في المرحلة الدراسية الإبتدائية من 20 إلى 50 دولاراً، أما بالنسبة للزي المدرسي لطلاب الصفوف المتوسطة والثانوية، فتتراوح الأسعار مابين 30 و60 دولاراً، ما يعني أن الطالب يحتاج على الأقل إلى شراء الزي المدرسي، وثياب الرياضة بسعر لا يقل عن 100 دولار.
يستغرب مصطفى عواضة، وهو أب لطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، من ارتفاع الأسعار، على الرغم من أنه يتقاضى راتبه بالدولار. يقول لـ"المدن": هذا العام، كان بمثابة اختبار لي كأب يرسل إبنه إلى المدرسة لأول مرة. صدمت فعلاً بالأسعار المرتفعة داخل المكتبات". حسب عواضة، وصلت تكاليف الزي الدراسي، والحقيبة، وبعض أقلام الألوان إلى أكثر من مليوني ليرة.
يكتفي رئيس جمعية حماية المستهلك اللبنانية زهير برو، بالتعليق على ارتفاع الأسعار، إلى الفوضى الحاصلة في السوق اللبناني، والتي تؤثر على كافة القطاعات، ومنها قطاع اللوازم المدرسية والهندسية، ويقول لـ"المدن": في ظل الفوضى القائمة في لبنان، وغياب أي دور للمسؤولين لحماية المواطنين من الاحتكارات، فمن الطبيعي أن تشهد الأسعار ارتفاعات، وأن يدفع المواطن ثمن هذه الفوضى السياسية".