2024- 11 - 02   |   بحث في الموقع  
logo "الشعاع الحديدي"... إسرائيل تتوقع بدء تفعيل نظام الدفاع بالليزر logo "شحن نفوس وتحريض"... كتابٌ من باسيل إلى المسؤولين logo تسريح آلاف الجنود... إسرائيل تختتم المرحلة الأولى من عمليتها البرية بالجنوب logo ضمن عمليات "خيبر"... المقاومة الإسلامية تستهدف قاعدة غليلوت! logo مقدمات نشرات الاخبار logo أسرار الصحف logo عناوين الصحف logo افتتاحية “اللواء”: إرباك أميركي بعد فرار هوكشتاين.. وتعرض قائد المنطقة الشمالية لإصابة مباشرة
اللبناني الذي قتل غاليليو
2022-09-02 19:26:05

أمام كل تلك الفضائح اللبنانية المتوالية، بالأطنان، في القطاعات كافة، من الكهرباء والاتصالات والملف النفطي، والمهازل المُبكية في مجالات العيش الحيوية من تعليم وطبابة ومدخرات في المصارف، كما في أروقة ما يسمى بالمؤسسات التشريعية والقضائية... هل يعقل أن غالبية اللبنانيين ما زالوا على خطوط انقساماتهم ذاتها، وتحتفظ كل مجموعة منهم بتأييدها لمَن تؤيد، بل وتزيده من الشِّعر أبياتاً؟ كيف يُفهم مشهد السوشال ميديا اللبنانية من زاوية أنه إحدى أبرز المنصات حيث تُسمع أصوات الناس، بعد أفول تجربة الشارع ومعاناة الحوامل المدنية خارج أطر السلطة والطوائف؟ بل ومن زاوية أنه المشهد الذي يعكس، سواءً بسواء، أجواء أحزاب السلطة وطوائفها؟الإجابات الأوّلية والمعروفة، تتعلق غالباً بالنظام السياسي-الطائفي الراهن، زبائنيته، وكَون الطوائف منذ عقود، قبل الحرب الأهلية وبعدها، هي مدخل الفرد على الدولة وحمّالة حقوقه وواجباته، وصائغة "مواطنيته". وفي ظل الانهيار الحاصل، باتت المعادلة هذه أقوى وأكثر جذرية، إذ لا دولة ولا مؤسسات ولا تحكيم، فقط خسائر لا تُحدّ إلا بقدر التصاق اللبناني بزعيمه/حزبه/مذهبه الذي يؤمّن له الحدّ الأدنى من أمنه وحاجاته وصموده كجسد محض.. إلا مَن رحم ربي ممن تسنّت له أو لمعيليه الهجرة. لكن، لسبب ما، يبدو التفسير هذا منقوصاً، حتى حين يؤخذ في الاعتبار توزّع الإعلام، مصدر معلومات الناس وصانع الرأي العام الذي هو آراء، على خطوط الانقسام والانحيازات نفسها بفعل الإيديولوجيا أو التمويل، وحتى مع كل التحليلات لسياسات الهوية.هل ماتت العقلانية؟ هل كل ما يُنشر ويبث عن فساد وصفقات وتسويف مكشوف للعين المجردة، مهما كان موجّهاً، هو بلا أثر في العقل الفردي والجمعي اللبناني؟ وإن وضعنا جانباً ما دبّجته الفلسفة وما كشفته العلوم وأنجزته الثورة التكنولوجية، ماذا يبقى؟في كتابهما "لغز العقل" يقول العالمان الإدراكيان، هيوغو ميرسييه ودان سبيربر، أن العقلانية ذات سمة تطورية، مثل مَشي الإنسان على قدميه. ميزة البشر، بالمقارنة مع الأنواع الأخرى، هي قدرتنا على التعاون. من الصعب تأسيس التعاون، ومن الصعب أيضاً الحفاظ على استدامته. ويبني الكاتبان أطروحة شاسعة ومعقّدة مفادها أن عقولنا تطورت مع الزمن، ليس لتمكيننا من حل المشكلات المجردة والمنطقية، أو حتى لمساعدتنا في استخلاص استنتاجات من بيانات غير مألوفة لنا، بل لحلّ المشكلات التي يطرحها العيش في مجموعات متعاونة، فالعقلانية تبذل قدرات "التكيف مع المكانة الاجتماعية التي راكمها البشر لأنفسهم". وأكثر من ذلك، فالعادات الذهنية التي تبدو غريبة أو غبية من وجهة نظر "المثقف"، تثبت دهاء عندما يُنظر إليها من منظور تفاعلي اجتماعي! كأنها بالضبط الطريقة اللبنانية في "التعاون" لاستكمال العيش المرتبك في هذا الكيان المتداعي المشترك. التعاون على بقاء كلٍّ في كانتونه، مهما كانت الحقيقة ساطعة في تقارير دولية، أوضحها تقرير البنك الدولي عن "مخطط بونزي" الجهنمي الذي أسقطنا في الهاوية، ومذكّرة صندوق النقد الأخيرة عن فِخاخ تعديلات السرية المصرفية، بل وفي نتاج جولة عشوائية حول البيت المقطوعة عنه الكهرباء والانترنت والمفتقر إلى دواء وخبز ومحروقات. نتعاون على التمترس في معسكرات "ما خللونا"، و"نحن أشرف الناس"، وبقية ألوان الطيف المكمدّ...تتكاثر الأدبيات حول ما بات يُعرف بـ"الانحياز للتأكيد" Confirmation Bias، أي مَيل الناس إلى تبني المعلومات الداعمة لمعتقداتهم، ورفض المعلومات المتعارضة معها. واحدة من أشهر التجارب حول "الانحياز للتأكيد" أجريت في جامعة ستانفورد، حيث جمع الباحثون مجموعة من الطلاب لديهم آراء متعارضة حول عقوبة الإعدام، نصفهم يؤيدها على اعتبار أنها تردع الجريمة، والنصف الآخر يعارضها ويعتقد أن لا تأثير لها في الجريمة. طُلب من الطلاب الردّ على دراستين، واحدة تدعم بياناتها حجة الردع، والثانية ببيانات تجعل مسألة الردع موضع تساؤل. لكن الدراستين اللتين قدمتا إحصائيات مقنعة بالقدر نفسه، هما فعلياً مزيفتان ولا أساس لهما، وظيفتهما فقط دراسة عقلية تلك العيّنة من الطلاب. والحال إن الطلاب الذين أيدوا في الأصل عقوبة الإعدام، صنّفوا البيانات المؤيدة للردع، بأنها ذات مصداقية عالية، وبيانات التشكيك في الردع بأنها غير مقنعة. فيما الطلاب المعارضون أصلاً للإعدام، فعلوا العكس. في نهاية التجربة، وحتى بعدما كُشف زيف الدراستين لمجموعتي الطلاب، سئلوا مرة أخرى عن آرائهم، فبدت كل مجموعة متمسكة برأيها الأصلي، وأكثر من ذي قبل.كأن "الانحياز للتأكيد" هو عيب في تصميم العقل المفترض أن وظيفته هي إنتاج أحكام سليمة، منطقية، لا سيما حين تتوافر لها معطيات حقيقية وصادقة... وفي لبنان، من ذا لا يعرف هذا القدر أو ذاك من الحقائق عن الفساد والمحسوبيات وحتى الإجرام في صفوف "النخبة" السياسية والمليشيوية والمالية الحاكمة؟ وإذا كانت سمة "الانحياز للتأكيد" تضعنا في خطر، هو في حالة لبنان مسألة حياة أو موت، صراع بقاء.. فلماذا لم تنقرض وفقاً لديناميات التطور وانتقائيته لصالح استمرار الحياة وحمايتها؟يجادل ميرسييه وسبيربر بأنه لا بد أن سمة "الانحياز للتأكيد" امتلكت قدرات من التكيّف ربطاً بكَون الإنسان مخلوقاً اجتماعياً.. جداً. وفي رأيهما أن المهمة التي تطور العقل لأدائها، هي الحفاظ على "وجودنا" بالمعنى الفكري، وعلى مواقعنا ضمن الجماعة وبمواجهة أعضاء آخرين فيها أو في جماعات أخرى. أسلافنا، كما يقولان، كانوا يعيشون في مجموعات صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار، وكانوا مهتمين بمكانتهم الاجتماعية، ولا بد لبعضهم من التأكد من أنه لا يُخاطِر بحياته في الصيد بينما يتسكع البعض الآخر حول الكهف. لم تكن هناك فائدة تُذكَر في التفكير العقلاني المحض، بينما كان يمكن كسب الكثير من الفوز بالحجج. هكذا، ترسّخت فينا انحيازاتنا وحُفرت في فطرتنا، بل وباتت مصدر متعة كالجنس والأكل، إذ تُظهر فحوص أن الناس يختبرون متعة فزيولوجية حقيقية، بأثر من اندفاع الدوبامين (ناقل عصبي)، عند معالجة المعلومات التي تدعم معتقداتهم.الطريق ليس مسدوداً، طبعاً، كما أثبت التاريخ. غيّرت مقولة غاليليو، في النهاية، تصوّر الناس عن أرضهم وشمسهم ومَن يدور حول مَن. لكن الزمن قد يطول، وربما يستلزم الأمر هزات سياسية واقتصادية وحربية كبرى ثمناً لوعي جديد.. والباقون من الراشدين اللبنانيين مرشّحون ألا يعيشوا كفاية لرؤية ما يسددون كلفته مسبقاً. فيما اليافعون، إن لم ينجوا من انفجار، بإنجاز رياضي أو ثقافي أو عِلمي، فإنهم يكبرون على اليأس والتشبث بالمهلهل من الإيمانات. وثمة غاليليو على قارعة طريق ما، قَتَله مجهول معلوم لا يطاوله قضاء.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top