ما تزال مدينة طرابلس شمالي لبنان تحت وطأة مأساة غرق “زورق الموت” الذي أودى بحياة أكثر من 30 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال، لكن عمليات الهجرة عبر البحر، تزايدت في الآونة الأخيرة، هرباً من الوضع المتأزم وبحثاً عن مستقبل مأمول.
وعلى الرغم من تمكن بعض هذه الرحلات غير النظامية من الوصول الى الشواطئ الأوروبية ما بين إيطاليا واليونان، إلا أن معظم هذه الرحلات يكون مصيرها الفشل فيعود القارب الذي نقلهم إلى الشواطئ التي انطلق منها على الساحل اللبناني.
ذلك تحديدا ما حصل لزورق تعرض لعطل تقني، في وقت سابق، بالمياه الإقليمية القبرصية بعد انطلاقه من المياه الاقليمية اللبنانية بساعات قليلة وكان على متنه 52 راكبا، معظمهم من النساء والأطفال.
حمل ذلك الزورق قصصا كثيرة، إحداها لشاب لبناني من مواليد 1991، يعمل مهنة فنيا كهربائيا من مدينة طرابلس شمالي لبنان، هاجر بلا هوية برفقة 12 لبنانياً من 52 راكبا، معظمهم سوريو الجنسية.
وروى الشاب اللبناني الذي فضل عدم ذكر اسمه، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية” ما عاناه مع رفاقه وعائلته، وكيف واجه الأمواج العاتية والرياح، وما تعرض له على الأراضي القبرصية من متاعب، ورغم ذلك أكد أنه لم ييأس وسيكرر رحلة الهجرة الى أوروبا مرة أخرى.
وقال: “انطلقنا في وقت سابق من أحد شواطئ لبنان الشمالية وأبحرنا باتجاه إيطاليا، ولدى وصولنا إلى المياه الاقليمية القبرصية تعرض الزورق لعطل في هيكله الخشبي، مما أجبرنا على طلب النجدة والإذن بالدخول إلى الشواطئ القبرصية لإصلاح الزورق ومن ثم إكمال الرحلة “.
وتابع، “بالفعل نقلونا من البحر وقالوا إننا سنتجه الى ميناء ليماسول في قبرص لتقديم أوراق الهجرة فيها بدل السفر إلى إيطاليا، وحين شاهدوا زوجتي الحامل في شهرها التاسع، أدخلوها المستشفى وقدموا لها المساعدة ومن ثم أصعدونا في قارب كبير وأعادونا الى لبنان رغم اعتراضنا ورفضنا، وبعد سيل من الإهانات والشتائم وصلت في بعض الحالات إلى الضرب حيث تعرضنا للأذى الجسدي”.
وأوضح الشاب اللبناني أنه بصدد رفع دعوى قضائية ضد كل من تعرض له بالسوء لدى عودته مع رفاقه وعائلته إلى لبنان وفي حوزته تقارير من الطبيب الشرعي في لبنان تؤكد الأذى الجسدي والنفسي الذي تعرضت له ابنته وعائلته.
واستطرد أنه “كان يريد الوصول إلى إيطاليا والعبور منها بالقطار أيضا بطريقة غير شرعية إلى ألمانيا بعدما أخبره رفاقه الذين سبقوه بأنهم وصلوا وأن العائلات عوملت معاملة جيدة”.
وأضاف، “عطل الزورق أعادني إلى مدينة طرابلس وأنا لا أستطيع رعاية العائلة وتأمين الخبز وحليب الأطفال لطفلي الرضيع الذي أطلقت عليه اسم جاد وكتب له أن يولد في لبنان “.
وأوضح أنه تم توقيفه بعد عودته لمدة أسبوع والتحقيق معه لدى السلطات اللبنانية فجرى توقيفه “أثناء ممارسته هواية السباحة في البحر، بعد اتهامه بمحاولة الهجرة غير الشرعية مجدداً”.
وقال “لم يعد بإمكاننا العيش في هذا البلد، لقد استدنت من بعض الأقارب والأصحاب كلفة عملية ولادة زوجتي بعد أن طلبت المستشفى مني تأمين مبلغ 7 ملايين ليرة، ولا أعرف من أين آتي بالمال لأرده الى أصحابه”.
وعلى الرغم مما تعرض له الشاب من صعوبات في رحلة الهرب التي فشلت وأعادته الى لبنان مع عائلته وزوجته الحامل، يُصرّ على عزمه محاولة الهجرة من لبنان مرة ثانية ويقول “أطالب السلطات القبرصية بإخراجي مجدداً من لبنان كما أعادتني بعد المغادرة فأنا لا أملك المال حالياً للمحاولة مرة أخرى”.
ويحمل مسؤولية الهرب إلى صعوبة تأمين مبالغ لإصدار جوازات السفر، وذلك في حال وجدت أصلا”.
ويختم العائد قسراً الى لبنان بمخاطبة السياسيين في لبنان ويقول “اتقوا الله في شعبكم، فنحن نحاول الهرب من لبنان، لأن أولادنا يجوعون ولا نملك المال لإعالتهم، وأنتم من يدفعنا الى ترك هذا الوطن الذي نحبه “.
وإلى أن تتحسن الأوضاع في لبنان، يمضي الشاب كامل يومه باحثاً عن لقمة عيش له ولأبنائه الأربعة، من بينهم الرضيع، فيما ينتظر أملا في الخلاص، حتى وإن كان عبر البحر وما يتلاطم فيه من أمواج ومخاطر.
المصدر: سكاي نيوز عربية