"اطلب مشواراً وتنقّل في المدينة. انضم إلى الشركاء السائقين وحقِّق الدخل..."، بهذه العبارات تشجع منصات "النقل عند الطلب" مثل Uber وCareem وBolt، عملاءها من ركاب وسائقين، على اعتمادها، طارحة خدماتها في المرتبة الأولى في العاصمة بيروت على حساب خدمات سيارات الأجرة العادية.
ويمكن حصر طرق التنقل في لبنان في ظل غياب خطة نقل مشترك لـ4 وسائل أساسية، هي:
سيارة الأجرة المرخصة ذات "اللوحة الحمراء"، وهي قانونية حيث يدفع السائق العمومي الضرائب للدولة، الأوتوبيسات والفانات، منخفضة الكلفة والخدمة، وسيارة الأجرة عبر مكاتب خاصة مع كلفة هي الأغلى بعد الانهيار الاقتصادي، وسيارة الأجرة عبر منصات النقل أونلاين. وهي اليوم أقل كلفة من السرفيس العادي.
والتعرفة المتوسطة لـ"السرفيس" الواحد اليوم هي 50 ألف ليرة. ما يعني أن الرحلة من منطقة سن الفيل إلى لحمرا، عبر مكاتب التاكسي، هي حوالي 150 ألف ليرة، وفي السرفيس العادي، 100 ألف ليرة (سرفيسين)، ومع "أوبر" حوالي 90 ألف ليرة، ومع تطبيقات ذكية أخرى 60 ألف ليرة...
كراكِبة تستخدم النقل المشترك، جربت ليلى هذه الوسائل جميعها. وتختصر تجربتها بعبارة "مش مرتاحة". فلكل تجربة سيئاتها، لكن الانهيار برأيها، فرض الاعتماد على منصات النقل عبر الطلب بشكل أساسي.
ومن حسنات هذه المنصات أنّ "السائق يكون على مقربة من مكان الانطلاق، ويصل في دقائق معدودة، ويوصلني مباشرة لنقطة الوصول وأترصد موقعه وهو في طريقه إليّ ويمكننا التواصل". وهي خاصيات لا يمتلكها سائق الأجرة العادي الذي قد "يبرم فينا بيروت" موصلاً ركاباً آخرين قبل أن يوصلنا لوجهتنا.
وكانت ليلى لتكون "مرتاحة" بالكامل في مشوارها مع أوبر و"أخواتها"، لولا "فقدان الشعور بالأمان". فالشكاوى "محصورة في التطبيقات، ولا خطوط ساخنة نعود إليها".
من جهته، رامي، يشكو "عدم تقيد سائقي بعض المنصات وفي طليعتها بولت بتسعيرة المنصة، عدا عن تخطي بعض السائقين تطبيق التحادث "ليحدثنا عبر واتساب، ويحارجنا بالتسعيرة".
ولا تغطي هذه المنصات كل المناطق مثل بيروت، ففي صيدا مثلاً نجد الضغط على مكاتب التاكسي، وعلى "التوك توك" في البقاع وطرابلس.
استدراج السائق العمومي
واستدرجت هذه التطبيقات السائقين العموميين للحداثة، عبر معادلة بديهية هي "حيث يكون الزبون، يكون السائق"، ليشكل السائقون العموميون 30% من مجمل موظفي أوبر (وهم أكثر من 3 آلاف موظف)، فيما نسبة الـ70% المتبقية هي لموظفين يعملون بدوام جزئي فيها لزيادة مداخيلهم، وفق ما يقول رئيس لجنة سائقي التطبيقات الذكية فادي القرق لـ"المدن"، والتي تأسست منذ 5 سنوات بهدف "رصّ صفوف جميع السائقين العاملين في هذه التطبيقات وصولاً لإنشاء نقابة لهم".
ويدافع القرق عن الهاجس الأمني في "أوبر" دوناً عن غيرها "ففي أوبر لا يستطيع اي سائق التحايل على الراكب، بينما لا مراقبة في بولت وانضمت لها السيارات الخصوصية والسائقون الأجانب وقد قمنا برفع شكوى ضدها".
ويعتبر السائق العمومي أن السائق الخصوصي ينافسه. والحال أنّ الانهيار اللبناني مساهم في ذلك. من جهته، محمد، وهو شاب توقف عمله خلال الأزمة، أسعفه العمل في "بولت"، ليجني أرباحاً من سيارته الخصوصية.
ويصف رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس "تعدي أوبر والمنصات الأخرى على قطاع النقل العام"، بالـ"فلتان"، واضعاً اللوم على الحكومة الحالية التي "لم تفِ بالتزامها لناحية إقرار خطة النقل العام، ولو طبقتها لألغيت هذه التطبيقات جميعها"، معتبراً أن "الغلاء لا يبرر تجاوز القانون". وعن مسار الدعوى القضائية المرفوعة ضد هذه المنصات يقول "متلا متل غيرا".
بيانات المستخدمين
وتستقطب تطبيقات النقل الذكية زبائنها عبر 3 مستويات هي: هاجس الأمن الذي يأتي بالدرجة الأولى، وأسعارها التنافسية بالدرجة الثانية، ومواكبتها للتكنولوجيا بالدرجة الثالثة، وفق مستشار أمن المعلوماتية، جان ماري الباشا.
ويقول الباشا في حديثه لـ"المدن"، "هذه التطبيقات تكتسب عامل الثقة للسكان والسياح من كونها عابرة للدول، وبسياستها التسويقية تنافس سائقاً يحوز ثقة 200 شخص كحد أقصى، من هنا، لا مجال حتى للمنافسة"، متوقعاً أن "تقضي هذه الشركات مستقبلاً على مهنة سائق الأجرة العادي بصيغتها الحالية".
واستفادت هذه المنصات من الانهيار اللبناني على مستويين برأيه، هما: ثبات تسعيرتها مقابل تفلت تسعيرة السوق، وإتاحة بعض التطبيقات السحب لمستخدميها من حسابات الدولار المحجوزة في البنوك اللبنانية.
كذلك استفادت على صعيد تصاعد الأحداث الأمنية، من حيث تفضيل الراكب طلب السيارة عبر التطبيقات، على البحث ليلاً عن سيارة أجرة عادية، وساهمت خاصية مشاركة موقع الراكب في الخريطة مع أقاربه، وقانونية أوراق السائق وهويته المعروفة... في طمأنة الراكب في رحلته الليلية.
هذه الخدمة، أرخص من غيرها في لبنان "كقدرة تنافسية للمفهوم الجديد للنقل، كما أنّ عدد زبائنها كبير جداً ولا أكلاف لديها سواء رواتب موظفين أو صيانة لسيارات الأجرة، بل يأخذ السائق عمولته، وتأخذ هي عمولتها".
وتكمن قوة تلك التطبيقات وسلطتها الحقيقية في بياناتها الهائلة. فهي "تمتلك معلومات عن تنقلات ملايين الأشخاص حول العالم يومياً، ولا ننسى فضيحة ملاحقتها للزبون حتى بعد 5 دقائق من انتهاء رحلته، بحجة ضمان سلامته، لكن لا شيء يضمن حصر هذه المتابعة بدواع أمنية".
وتمتلك التطبيقات داتا ملايين الركاب حول العالم راصدة جولاتهم اليومية، وهناك تخوف حقيقي من مشاركة البيانات مع مخابرات وحكومات دول، أو حتى خرقها من قبل مقرصنين، أو بيعها لشركات إعلانات، وداتا البيانات هذه تدفع الكثيرين لتفضيل التاكسي العادي، عن أوبر، وأخواتها، بحسب الباشا.
وضيّق الانهيار اللبناني خيارات الراكب والسائق، لتفرض منصات النقل عبر الطلب نفسها. وربما تفرض الموجة التكنولوجية العالمية تغييراً جذرياً في المهنة مستقبلاً، لن يكون لبنان بمنأى عنه، ولو على حساب السلامة العامة.