النبرة ضد وجود اللاجئين السوريين ارتفعت بشكل كبير بعد الأزمة الاقتصادية، أو بالأحرى التحطم الاقتصادي الذي يعيشه لبنان منذ أشهر طويلة. هنا تم -ويتم- استخدام ملف اللاجئين سياسياً لتحميل اللاجئين كل المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية والبطالة وصولاً إلى أزمة الخبز، ووصل الأمر بالبعض إلى تحميل اللاجئين مسؤولية دمار البيئة، وسمعنا كلاماً (كوميديا سوداء) عن كمية الأوكسجين التي يستهلكها اللاجئون.
يُستخدم ملف اللاجئين اليوم أيضاً كرافعة لوصول النائب جبران باسيل إلى رئاسة الجمهورية، فالنائب باسيل هو صاحب النبرة الأعلى والأكثر عنصرية تجاه اللاجئين، وهو الذي حاول سابقاً عبر موسكو جعل لبنان منصة لإعادة اللاجئين السوريين، لكن مساعيه لم تُكلّل بالنجاح حتى الآن على الأقل.من يرفض العودة؟مواقف حلفاء باسيل المُعلنة، والمقصود هنا حزب الله وحركة أمل، هي بالاتجاه ذاته، أي مع إعادة اللاجئين إلى سوريا، لكن في العمق الموقف مغاير تماماُ، فحزب الله لا رغبة جدّية لديه بإعادة اللاجئين، ليس حباً بهم، وليس التزاماً بقواعد القانون الدولي، وإنما هو أكثر جهة تعلم أن أكثر من 50% من اللاجئين السوريين في لبنان ينحدرون من المناطق التي يحتلها الحزب في سوريا، ومن هنا، وضمن الضوابط الأمنية والعسكرية، يُمانع حزب الله سراً عودة اللاجئين. وهنا يتطابق موقف الحزب مع موقف نظام الأسد. فالنظام في الحقيقة لا يريد عودة اللاجئين لأسباب عديدة، ربما من أهمها أن التهجير الذي تمّ في سوريا هو أحد أسباب حرب النظام على الشعب السوري وليس من نتائجها. وأيضاً يخشى النظام حقيقة من الأجيال السورية التي ترعرعت وكبرت خارج سيطرته، ولم يقم بتدجينها وزرع الخوف بداخلها، ناهيك عن الواقع الاقتصادي والخدماتي والأمني الذي يعيشه النظام، وقد شاهدنا خلال الأيام الماضية سجالاً عبر الإعلام بين وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب وسفير النظام السوري في لبنان علي عبد الكريم، حي تم تبادل الاتهامات في تحديد سبب عدم عودة اللاجئين.
باقي التيارات والأحزاب اللبنانية في الجهة الأخرى -مع الأسف- انزلقت إلى الخطاب الشعبوي الذي لا يختلف عن موقف النائب باسيل، ولو أنهم يعبّرون عن مواقفهم بصورة أكثر دبلوماسية وخجلاً.
الذين يسعون لإعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى "كنف" النظام، يعلمون علم اليقين أن غالبية المعارضين له ستكون نهايتهم في السجون، وسيتعرضون لكل أشكال الترهيب والانتهاكات، ومن ثم سيصبح عدد كبير منهم شهداء تحت التعذيب.المعارضة السوريةفقد اللاجئ السوري في لبنان كل أمل، ويشعر بالخذلان والتخلي من القريب والبعيد، فـ"الشقيق" اللبناني يعمل على طرده، والأمم المتحدة لم تحفظ له ما تبقى من كرامته، ومؤسسات المعارضة السياسية السورية "شمرت" عن ذراعيها، ودخلت هذه المواجهة لدعم وحماية موقف اللاجئين السوريين في لبنان.
هيئة التفاوض السورية، ورغم أنها كيان وظيفي مهمتها التفاوض، تحركت مباشرة عبر اتصالات دولية وإقليمية لشرح ما يجري من مخطط رعب يتمثل في الإعادة القسرية، إضافة إلى التحضير لإقامة مناصرة حقوقية من قبل الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وأكّدت أنها ستبقى خلف هذه القضية وتعمل قصارى جهدها لدعم صمود اللاجئين السوريين في لبنان، ولن تقف متفرجة أمام ما يجري بحقهم، وتسعى لأن تقول للجميع أن اللاجئ السوري في لبنان ليس مقطوعاً من شجرة ولا مهيض الجناح، وهنا لا بد من أن نثّمن موقف المفوضية السامية للاجئين التي رفضت خطة الحكومة اللبنانية للإعادة القسرية، ونثمن كذلك مواقف بعض الشخصيات ومنظمات المجتمع المدني اللبنانية التي ذهبت في اتجاه موقف المفوضية عينه.رفض التوطيننعود لتأكيد المؤكد لناحية رفض أي مشروع لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان، وأن عودتهم إلى وطنهم سوريا وإلى بيوتهم ومساكنهم التي هُجّروا منها حتمية، لكن بعد تنفيذ القرار2254 وتحقيق الانتقال السياسي الديموقراطي وتوفير البيئة الآمنة لعودة طوعية وكريمة.
على الأشقاء في لبنان أن يتذكروا أن قَدَرَ الجغرافيا لا مفر منه، وأن يتذكّروا دائماً ما فعله نظام الأسد بحقهم في السابق، وأن يكونوا على قناعة بأن سوريا الحرة التي سيحكمها نظام سياسي ديموقراطي هي السند للبنان، وهي فعلاً الأخت والشقيقة الكبرى وليست "صداعاً نصفياً"، ويريد شعبها أفضل العلاقات الأخوية والندية مع لبنان، الدولة لا الدويلة، والتي لن تكون بأي شكل من الأشكال خاصرة سوريا الرخوة، لبنان الحر السيد المستقل.