2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo ميقاتي يتلقى اتصالاً من نظيره العراقي: نشكرُ دعم بغداد الدائم للبنان logo قبلان: من اغتال الأمين العام لحزب الله يريد اغتيال لبنان logo القادة الذين اغتالتهم إسرائيل بالتزامن مع اغتيال نصرالله وبعده logo “أمل” شيّعت الشهداء الرساليين في بلدة طيردبا logo "الموقف ثابت بدعم لبنان"... إتصالٌ عراقي بميقاتي logo صحيفة أميركية تكشف سبب نجاح "استخبارات اسرائيلية" مع حزب الله logo "أسباب كيدية"... عودة يناشد عدم ربط مصير لبنان بأي جماعة أو دولة logo بالفيديو: اليكم ما جرى صباحاً عند المعابر الحدودية
"ليالي الحكواتي" للروائي التركي كمال فارول
2022-08-27 13:59:26

تصدر قريباً عن دار "فلامنكو" رواية "ليالي الحَكَواتِي" للروائي التركي كمال فارول، بترجمة الشاعر المصري أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير. وهي الرواية المقتبس عنها فيلم "مهرجان التروبادور" في منصة "نيتفلكس".
هنا فصل منها...
كان والدي حيث تركتُه تماماً. ظهرت أمام عيني صورته وهو جالس على حقيبته الخشبية البالية على جانب الطريق، منتظراً أي سيارة لنقله بعيداً. ما زلت لا أصدق ما فعلتُ، لماذا أخذته من الحافلة وقررت الذهاب في رحلة طويلة مع والدي. لكنني أعتقد أن هذه الصورة التي علقت في ذهني لعبت أيضاً دوراً في تغيير رأيي. نزلت من السيارة ووضعت الحقيبة، التي لا أعرف ما بداخلها، بجوار حقيبتي مرة أخرى. ولم يعد والدي قادراً على الوقوف. ضرب على سرواله الفضفاض بيده عدة مرات من الخلف، محاولاً تنظيفه بطريقته الخاصة، لكنه لم يستطع. أمسكت بذراعه ووضعته في المقعد الأمامي، على الغطاء الذي ما زال في مكانه، وانطلقنا معاً.تجمعت حبَّات العرق على جبهته مرة أخرى. كان يمسح عرقه بظهر يده المتورمة. قمتُ بإنزال نافذة السيارة قليلاً وأردت أن تنبعث رائحة التراب المبلل من بعيد لتنعشه بالرياح التي تتدفق في المدينة منذ الصباح. أغمض عينيه للحظة وتنهد بعمق. كأنه ممتنٌ لأنه يتنفس مرة أخرى في تلك اللحظة. ومع ذلك، لم يكن ينظر إليّ، لكنه يتابع الحافلات المتعبة التي تغادر المحطة.
أخفضتُ صوتي قليلاً وقلتُ:
-أخبرني، لماذا ستذهب إلى قارص في بداية هذا الشتاء؟
في تلك اللحظة ظهرت سحابة قاتمة على وجهه، وكأنه نادم على النزول من الحافلة وركوب سيارتي. حاول السيطرة على عينيه وشفتيه المرتعشتين. لم يبك، ولكن كأنَّ السماء بكت بدلاً عنه، وسقطت قطرات قليلة من المطر على الزجاج الأمامي للسيارة، ونحن نمر على أشجار الأكاسيا التي تساقطت أوراقها، ولافتات الطرق والإطارات المنفجرة ومحطات الوقود واللوحات الإعلانية وعربات بيع البطيخ والمصانع...
قال:
-بعد ثلاثة أيام ستبدأ احتفالات ليالي الحَكَواتيَّة في قارص. أردت أن أرى أصدقائي للمرة الأخيرة.
ارتجف صوته فجأة، وكأن كلمة "للمرة الأخيرة" تخرج من فمه للمرة الأخيرة.
قلتُ:
-ليالي الحكواتية؟
قال دون أن يطيل الحديث:
-هم أصدقاؤنا، من عازفي الساز، نجتمع معهم كل عام ونغني التوركو .
أعتقد أنه كان يشعر بالخجل لأنه كان بحاجة إلى مساعدتي، لذلك لم يكن سعيداً. لهذا تحدث لفترة وجيزة، كأنه شعر أنه إذا قال كلمة أخرى، فسوف يخجل أكثر.
لم أستطع إخبار والدي أنني كنت قد شاهدتُ ليالي الحكواتية قبل بضع سنوات في التلفزيون، بينما كنت أتلوى من الأرق في منتصف الليل، وكانت عيناي تبحثان بفضول غريب عن والدي بين هؤلاء الحكواتية القادمين من جورجيا وإيران وأرمينيا ومختلف المدن التركية. وعندما أظهرت الكاميرا الاحتفال الذي يُقام في حديقة كبيرة، كنت أشاهد ذلك بحماس. لم أستطع حتى أن أقول إنني اتصلت في تلك الليلة بأستاذ بديع، مدرس الموسيقى في المدرسة الثانوية، الذي اعتنى بي لسنوات وكان دائماً ما يقف بجانبي عندما أقع في مشكلة، وتحدثتُ معه عن البرنامج الذي يذيع احتفالات ليالي الحكواتية. ولم أستطع أن أقول له أيضاً إنني في تلك الأيام تركتُ امرأة وحيدة في إسطنبول، وكانت الشرطة تلاحقني صباحاً ومساءً في تلك السنوات وأتعرض للتعذيب باستمرار، ودائماً ما استقبلني أستاذ بديع عند بوابات مراكز الشرطة، وعندما كنت أحاول الانخراط في الحياة مرة أخرى، كان معي أستاذ بديع، وليس والدي.
كلما تحدثنا أقلَّ، تقل الذكريات التي تثقل كاهلنا. ربما لا ينبغي على الشخص أن ينطق أبداً بكلمات قد يجد صعوبة في حملها ومن الممكن أن تتحول إلى ذكرى. وأنا فعلت ذلك.
قلتُ:
-لا تقلق، سوف آخذك إلى الاحتفال.
انتهت خطة ماردين. كنت سأذهب مباشرة إلى بطوم بعد أن أتركه في قارص، وأبقى في فندق، وفي اليوم التالي سأذهب إلى طرابزون، وأرى أوزنجول، التي لم أرها من قبل. سأكون في أرضروم صباح يوم السبت وأجري مقابلتي.
كان طريق ديار بكر - بينجول سيئاً وخطيراً في نفس الوقت. اشتعلت المناوشات مرة أخرى في ذلك العام. كان هناك أيضاً خطر التعرض للاختطاف أو التعثر في لغم. لم يكن هناك نهاية لهذه الصراعات التي استمرت أربعين عاماً، والتي كنت على وشك أن أكون طرفاً فيها. بدلاً من الانتظار لساعات في نقاط التفتيش، قررت الذهاب إلى قارص عبر إلازيغ.
قلتُ:
-سنذهب من طريق إلازيغ.
قال بنبرة حرج تُسمع بالكاد:
-الحافلات تمر من هناك على أي حال. فقط، قم بالقيادة بحذر، لا تتورط في المشاكل بسببي.
ثم أدار رأسه إلى الجانب ولم يتحدث معي مرة أخرى.
كان يضع آلة الباغلاما الموسيقية في حجره كالطفل، ويمسكها بإحكام كأنه سيسقطها وتنكسر. لطالما كان هذا المشهد في ذهني دائماً، عندما كان يأتي إلى القرية بشكل متقطع منذ سنوات. كان يحكي هموم حياته إلى الباغلاما فقط. أسند رأسه إلى الخلف على الكرسي، ولاحظ فجأة فُرجة السقف ثم نظر بفضول إلى السحب التي تمر فوقنا.
سألتُه:
-هل أفتح فُرجة السقف؟
لكنه لم يرد.
سألتُه مرة أخرى:
-هل تشعر بالألم، هل أنت بخير؟
أومأ برأسه كأنه يقول إنني بخير ثم أغمض عينيه مرة أخرى.
عندما نظرت إليه، لفتت خصلة شعر طويلة عيني على مسند الرأس في الكرسي الذي يجلس عليه. كان الشعر يتلألأ في ضوء الشمس ثم اختفى مرة أخرى. أثناء إمساك عجلة القيادة بيدي اليسرى، أخذتُ خصلة من الشعر الأحمر، الذي من المحتمل أن يكون ليلديز، بيدي اليمنى ووضعتُها بين أصابعي لفترة من الوقت. كان والدي، الذي فتح عينيه مرة أخرى، ينظر إلي كأنه يريد أن يفهم ماذا أفعل بخصلة الشعر.
أنزلتُ زجاج نافذتي أكثر وألقيتُ بخصلة الشعر نحو السجن المبني حديثاً في الحقول التي مررنا بها. نظر من النافذة مرة أخرى، كأنه على علم بكل ما يجري. لكن للحظة، تجولت أصابعه دون وعي فوق مقبض الباغلاما ثم أمسك بها مرة أخرى.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top