تحمل كثافة التقارير الصحافية الاسرائيلية، عن قرب التوصل الى اتفاق حول النزاع البحري مع لبنان، مؤشرات كبيرة على أن المفاوضات تشير باتجاه تسوية، وكأنها مفاوضات الساعة الأخيرة، تتخطى كونها تسريبات لجسّ النبض، وتهيئة الرأي العام وكافة الأطراف لإمكانية إبرام الاتفاق في أية لحظة، إذا ما جرت المباحثات في الطريق المأمول. المعالجات الاعلامية المفتوحة على مصادر ومعلومات رسمية اسرائيلية، تتناول أمرين، أولهما الموعد المفترض لتوقيع الإتفاق، والثاني تسريبات عن صيغ الحل المأمولة.أحدث المعالجات المتعلقة بصيغة الحل للنزاع البحري أوردتها صحيفة "معاريف" العبرية؛ إذ قالت إن التسوية المتبلورة تنص على "تبادل مناطق" في المياه الإقتصادية موضع الخلاف، بينما ارتأت القناة العبرية "12" استخدام تعبير "تنازل مقابل تنازل"، في إشارة منها إلى تضمن الإتفاق تنازلاً إسرائيلياً عن مقطع داخل البحر مقابل تنازل لبناني عن منطقة أقرب إلى الشاطئ. لكن هيئة البث الإسرائيلية فضلت عدم الحسم بشأن الصيغة، عبر القول إن ما يُنشر ليس مؤكداً، نظراً لوجود أكثر من صيغة والعديد من المقترحات للحل. إلا أن اللافت أن قناة "مكان" تحولت من توصيف التفاؤل الاسرائيلي، في نشرتها المسائية، بـ"الحذِر"، لتعود فتصفه في صباح اليوم التالي "بالتفاؤل الملحوظ"، بناء على ما لمسته من تسريبات سياسية إسرائيلية، حيث رجحت التوقيع على الاتفاق الشهر المقبل، في حال جرت المباحثات على منوالها الحالي، وليس الأسبوع المقبل، كما ذكرت وسائل أعلام عبرية أخرى.ووسط تباينات الإعلام العبري حول صيغة الحل، ومواقيت التوقيع (العودة الى اتفاق الاطار واستئناف جلسات المفاوضات غير المباشرة برعاية أممية في الناقورة في جنوب لبنان)، وما يتصل بفرص إنجاز الاتفاق، فإن "مكان" لم تغمض العين عن إصرار بيروت على تمسكها بملكية حقل قانا بالكامل.ويبدو أن الهدف من التسريبات الإسرائيلية، لم يقتصر على لبنان، بل كانت أيضاً موجهة للمعارضة الإسرائيلية، بدليل أن التصريحات والمعالجات الإعلامية العبرية خصصت مساحة للنشر والتعليق المضاد على المستوى الداخلي الإسرائيلي.فقد سلطت صحيفة "معاريف" الضوء على مطالبات أحزاب سياسية يمينية، خصوصاً المعارضة، ودعت الى ضرورة تقديم الاتفاق الجاري تشكيله مع لبنان بشأن الحدود البحرية إلى الكنيست للمصادقة عليه، مع إخضاعه لـ"الإستفتاء الشعبي". وبحسب موقف هذه الأصوات الإسرائيلية، فإن المطلوب اتفاقية اقتصادية بحتة من دون حدود بحرية.والحال، إن احتدام النقاش الداخلي الإسرائيلي، بموازاة تكثيف التسريبات العبرية، سواء المفخخة منها أو الدقيقة، تأتي قبل أيام من عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة، إذ يُتوقع أن يهبط في بيروت، الأسبوع المقبل، حاملاً معه إجابة إسرائيلية بشأن الشروط والمقترحات اللبنانية وصولاً إلى الإتفاق.وقال محلل الشؤون العربية، شمعون آران، في حديث تلفزيوني، إن هوكشتاين الآن في إجازة شخصية في اليونان، وأن عودته المرتقبة هي الكفيلة بتوضيح الصورة، في ظل الغموض الذي يكتنف الملف، حسب تعبيره. غير أن الاعلام العبري راح إلى نشر توقيت إسرائيلي لموعد البدء بعملية استخراج الغاز من حقل "كاريش"، وهو نهاية الشهر المقبل، خلافاً لما سمّته "الموعد اللبناني" الذي حدد منتصف الشهر المقبل توقيتاً للتنقيب الإسرائيلي. وروج للدعاية الرسمية القائلة إنه لا تغيير في الجدول الزمني للتنقيب، بغضّ النظر عن التوصل إلى اتفاق مع لبنان من عدمه بشأن ترسيم الحدود البحرية.ونقلت محطات التلفزة العبرية عن مصادر سياسية إسرائيلية بأن شركة "انرجين" اليونانية التي تتولى مهمة التنقيب في حقل "كاريش"، تلقت كل الضمانات الأمنية من الحكومة الإسرائيلية لبدء استخراج الغاز.وفي غمرة الإنتظار، يتعاظم التصعيد الكلامي بين إسرائيل و"حزب الله" على وقع مباحثات الترسيم، إذ حذر وزير الجيش بني غانتس، "حزب الله"، من مغبة استهداف حقل "كاريش"؛ لأن ذلك سيؤدي إلى "معركة عسكرية مدمرة للبنان".الواقع، أن مراسل الشؤون العسكرية، إيال عاليما، اعتبر تهديد غانتس انعكاساً لقلق أمني إسرائيلي حقيقي من التدهور المحتمل، في حال لم يتم التوصل الى اتفاق الترسيم. ويقوم القلق الأمني الإسرائيلي، حسب مصادر عاليما، على أن أي طرف يمكن أن يخطئ في تفسير وتقدير نوايا الطرف الآخر، الأمر الذي يطور الأمر إلى مواجهة عسكرية صعبة. وكشف عاليما أن الأمن الإسرائيلي فوجىء من طريقة تصعيد "حزب الله" بخصوص ملف "كاريش"، وكذلك إطلاق مُسيرات استطلاعية نحو "كاريش"، ما دفع المستويات العسكرية الاسرائيلية إلى تعزيز الحراسة حول "كاريش" ومجمل منصات الغاز الخاصة بها في شرق المتوسط؛ خشية من محاولات حزب الله لشن هجمات الشهر المقبل. واللافت أن عاليما عاد واعتبر أن التهديدات المتبادلة بين إسرائيل والحزب تبقى "كلامية"؛ لأن أحداً لا يريد الحرب، لكن القلق أن تتدحرج الأمور نحوها من دون رغبة أحد فيها.إذًا، تبدو الأيام المقبلة هي الفاصلة سياسياً وأمنياً وحتى اقتصادياً في ما يخص قضية الترسيم البحري، على ضوء تأكيدات إعلامية إسرائيلية بأن الجواب الإسرائيلي بحوزة الوسيط الأميركي منذ ثلاثة أسابيع، على أمل أن يسلمه الى الجانب اللبناني فور وصوله إلى بيروت. وبالرغم من التباينات في الاعلام الإسرائيلي حول حجم التفاؤل وموعد توقيع الإتفاق، إلا أنه يتفق على نجاح هوكشتاين في تقليل حجم الفجوة بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي.