السجال المفتوح داخليًا حول تشكيل الحكومة، والذي يتبادل التهم فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس التيار العوني جبران باسيل، يختلف عن السجال المفتوح بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود، أو احتمالات حصول تصعيد. السجال الداخلي المستمر بين ميقاتي وباسيل لا يبدو أنه يحمل أي مؤشرات للحلّ. أما السجال اللبناني الإسرائيلي فيبدو قادرًا على الوصول إلى اتفاق، لكن المسألة ترتبط بالتوقيت.
لماذا يهاجم باسيل ميقاتي؟ لا يترك باسيل مناسبة إلا ويهاجم فيها ميقاتي بعنف. منذ أن أعاد الرئيس المكلف تشغيل محركاته، فالتقى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، بحثًا عن تشكيل الحكومة، ارتفع منسوب تهم باسيل لميقاتي. مصادر قريبة من ميقاتي تعتبر أن باسيل لا يريد تشكيل الحكومة الجديدة، ويضع كل المعوقات التي تحول دون تشكيلها.
في المقابل، يعمل رئيس الحكومة مجددًا على تشكيل حكومته لئلا يترك البلد للفراغ، ولمشكلة دستورية كبيرة في حال عدم تسيلم رئيس الجمهورية صلاحياته لحكومة تصريف الأعمال. ويستمر ميقاتي في مساعيه، وفي تقديم اقتراحات جديدة لرئيس الجمهورية. فبعدما اقترح تبديل وزيري الاقتصاد وشؤون المهجرين، أراد عون تسمية وزير من عكار من الطائفة الأرثوذكسية. وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام تعديل وزاري يطال أكثر من وزيرين.ماذا يفعل باسيل في اليونان؟يعمل ميقاتي بنصائح قوى عدة لتشكيل الحكومة، كي لا يترك أي مجال لعون أو المقربين منه بفتح باب سجالات دستورية غير معروفة النتائج ولا التداعيات. لن يتمكن ميقاتي من البقاء على موقفه، في ظل ضغوط رئيس مجلس النواب نبيه برّي وحزب الله، الذي يشدد في مجالسه على أنه لا يمكن ترك البلد للفراغ. فهذا تداعياته خطيرة في الشارع، وليس في الصراع السياسي المنحصر في المجالس فحسب.
لا يبدو أن هذه الصراعات ستؤدي إلى حلّ، حتى في حال تشكيل الحكومة. رفع باسيل السقف ضد ميقاتي لإحراق المراكب كلها، فردّ ميقاتي على باسيل معِّرضًا بزيارته الاستجمامية في اليونان. كأنه يريد تمرير رسالة معينة أو إفشاء خبر يرقى إلى مستوى السرّ. فزيارة باسيل اليونان تزامنت مع وجود نادر الحريري فيها، ومع وجود المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين.سجال في انتظار هوكشتاين على وقع هذا السجال، يحضر أيضًا السجال حول ترسيم الحدود، الذي يشهده اللبنانيون منتظرين ما تحمله زيارة هوكشتاين المرتقبة إلى لبنان. سجال يتراوح بين التلويح بالتصعيد العسكري وإعلان الاستعداد لمثل هذا الاحتمال، وبين إشارات إلى قرب الوصول إلى حلّ. يبدو هذا التضارب واضحًا لدى الإسرائيليين، كما لدى اللبنانيين. على الخطّ الإسرائيلي ثمة انتظار معطياتٍ عدة، بينها ما يتفق عليه الإسرائيليون مع هوكشتاين، وما يحمله رئيس الأركان الإسرائيلي من زيارته الولايات المتحدة الأميركية، على وقع استنفار عسكري إسرائيلي على الحدود مع لبنان وإعلان الجهوزية لاحتمال الدخول في حرب.
في المقابل، هناك جوٌ إسرائيلي يشير إلى إمكان الوصول إلى اتفاق. وهذا ما عملت على تسريبه وسائل إعلام إسرائيلية، مشيرة إلى قرب الاتفاق، على أن يقضي بحصول لبنان على مساحة في عمق البحر، مقابل حصول إسرائيل على مساحة مماثلة بالقرب من الشاطئ. هذا عمليًا يمثل طرحًا إسرائيليًا جديدًا، يفترض أن لبنان غير موافق عليه لأنه يرفض مبدأ المقايضة أو التنازل عن الخطّ 23 كاملًا مع حقل قانا. وتشير المعلومات إلى أن المقصود بالتنازل عن مساحة قريبة من الشاطئ، لا ترتبط بمساحات مائية تحتوي على غاز، بل على علاقة بامتداد هذا الخط وتشابكه مع البرّ، كي لا يؤثر على إنهاء الترسيم البرّي في ما بعد.توقيت الاتفاق أميركي أمام هذه الوقائع، تشير المعلومات الدولية إلى أن القرار لدى الجانبين يقضي بالذهاب إلى توقيع اتفاق الترسيم، وأن جوانب الاتفاق التقنية منجزة. يبقى الأساس المرتبط بتوقيت الإعلان عن الاتفاق وتوقيعه. وعلى ما يبدو أن التوقيت لن يتحكم فيه أحد، لا من الإسرائيليين ولا من اللبنانيين، بل سينضبط على الساعة الأميركية، إذا لم يحصل أي تطور يؤدي إلى عرقلة المسار.
هنا لا بد من الوقوف أمام موقف حزب الله المتجدد والواضح في الإصرار على انجاز الترسيم، والسماح للبنان بالتنقيب قبل استخراج الإسرائيليين الغاز من حقل كاريش.