"عدنا حزانى بخيبة أمل كبيرة، ونخشى أن ينتهي عمل الغواصة من دون العثور ولو على رفات من جثامين أخوتنا والمفقودين في البحر. لقد كان يومًا طويلًا ومرهقًا بلا جدوى"، يقول إبراهيم الجندي لـ"المدن"، بعدما عادت والدته من رحلة إطلاق عمل غواصة الإنقاذ التي تبحث عن المركب الغارق قبالة شواطئ طرابلس بعمق يتجاوز470 متراً. وهكذا، تتبدد آمال ذوي الضحايا، وتتفاقم الشكوك حول ظروف اليوم الأول التي رافقت عمل الغواصة، خصوصًا بعدما ربطت قيادة الجيش تأجيل مهمة البحث عن المركب بارتفاع موج البحر والرياح التي قد تهدد سلامة الغواصة وطاقمها. تفاصيل رحلة محبطة تتلاشى قوة تبرير الجيش، لمجرد التذكير أن أي رحلة من هذا النوع، ولإطلاق عمل غواصة خاصة آتية من اسبانيا، من المفترض أن يسبقها رصد لحالة الطقس والبحر ومستوى الأمواج وسرعة الرياح، ولعدة أيام متعاقبة، وتحديدًا ضمن المياه الإقليمية. وهي تدابير أصبح يتخذها المهربون والمهاجرون أنفسهم! فكيف إذا كان شحن الغواصة وإطلاق عملها رافقته باخرة كبيرة تحمل عشرات الصحافيين اللبنانيين ومن صحف وفضائيات عربية وأجنبية، دعتهم قيادة الجيش لمواكبة "الحدث"، إلى جانب مركبين على متنهما بعض ذوي الضحايا وبعض المحامين؟
مؤشرات أفخاخ الرحلة وهشاشة تنظيمها لوجستيًا وتقنيًا وعلى مختلف المستويات، بدأت منذ السابعة صباحًا، الموعد المحدد من قبل الجيش لتجمع الصحافيين، فيما الرحلة لم تبدأ قبل العاشرة صباحًا. وقبلها، عقد قائد القوات البحرية هيثم ضناوي مؤتمرًا صحافيًا في القاعدة البحرية في مرفأ طرابلس، كان مشروطًا بعدم طرح الأسئلة عليه! وتحدث عن بعض التفاصيل اللوجستية لعمل الغواصة التي غطت تكاليفها المادية (نحو 250 ألف دولار) جمعية Aus Relief المدعومة من شقيق النائب أشرف ريفي، الطبيب المغترب في استراليا جمال ريفي.
ثم بدا ملحوظًا فصل تجمع الصحافيين عن ذوي الضحايا، وعدم السماح بالتلاقي بينهما داخل المرفأ، واستغرقت الرحلة التي كان من المفترض أن تدوم نحو 3 ساعات فقط، نحو 6 ساعات ذهابًا وإيابًا، تخللتها حالات إغماء لبعض الصحافيين وذوي الضحايا، بسبب حدة الشمس، وعدم توفر الحاجات الأساسية للرحلة من مياه وبعض الأدوية.
ولدى الاقتراب من شاحنة الغواصة البحرية بعد نحو 3 ساعات، استمر الدوران حولها لوقت طويل، وكان الهدف توثيق لحظة انزال الغواصة في أعماق البحر، وهو ما تعذر فعله بعد محاولات كثيرة رصدناها. الخشية على التحقيقعمليًا، يجمع معظم شهود عيان الرحلة أن الأمواج والرياح لم تبلغ أي مستوى من الخطورة التي تهدد سلامة طاقم الغواصة وعملها. وتفيد معطيات "المدن" أن الاحتمال المرجح، هو عدم تمكن الغواصة من تحديد رقعة تواجد المركب، أو بعض بقاياه، إذ من الممكن أنه تحول لحطام مبعثر بأعماق البحر. وهو ما قد يصعب عمل الغواصة في الأيام المقبلة، وجرى تسديد تكاليف لمدة أسبوع كاملة. وتشير المعلومات إلى أنها قد تعمل لأيام إضافية إذا تصاعدت آمالها بإيجاد المركب في الأيام المقبلة خلال البحث.
ويعبّر بعض الأهالي عن خشيتهم من التعتيم على مصير القارب لاستبعاد الكشف عليه من مسار التحقيقات شبه المعطلة حول ظروف غرقه، بعدما اصطدم به زورق تابع للجيش ليلة 23 نيسان 2022.
وعادت الغواصة بعد فشل مهمتها في اليوم الأول إلى رصيف مرفأ طرابلس. ومن المفترض أن تستأنف عملها فور هدوء الرياح. وتساءل معظم الحاضرين عن أسباب عدم ربط موعد حضور الأهالي والصحافيين باليوم الذي ستباشر الغواصة بانتشال المركب، في حال عثرت عليه، بعد عمليات البحث والكشف. مراكب أخرىومنذ 4 أشهر، يطالب ذوي الضحايا من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين بالبحث عن المفقودين وانتشال رفاتهم من البحر، حيث يغرق أكثر من 30 مهاجراً، معظمهم من النساء والأطفال، ومن المرجح أنهم كانوا بالطابق السفلي للمركب. ورغم تضاؤل آمالهم، ينتظر هؤلاء الأهالي النتيجة التي سيخلص إليها عمل الغواصة على أحر من الجمر، ويقول بعضهم أنهم يريدون الحصول ولو على بعض الرفات أو قطع الثياب، لإقامة مراسم العزاء.
واللافت أن عمل الغواصة، سبقه ليل السبت–الأحد، انطلاق مركب يحمل مهاجرين من عكار وفلسطينيين وسوريين ولا يحمل أدنى مقومات السلامة. وهم يقصدون التوجه إلى إيطاليا، بعدما أصبحت البحار الفاصلة بين لبنان وأوروبا أشبه بمقابر محتملة لمئات المهاجرين.