عند باب مكتب الأونروا الرئيسي في "الكولا" يعتصم اللاجئ الفلسطيني أنور موسى منذ عشرة أيام، ممتنعاً عن الطعام، ومكتفياً بالماء والملح. جاء من مخيم البرج الشمالي، محتجاً على قرار الأونروا بمنعه من التقدم لامتحانات قبول المعلمين، بذريعة كتابته مقالات "تشهيرية" ضدها.
لا خيمة كما جرت عادة المعتصمين هناك، بل فراش، وعدد من الكتب. كلها من تأليف موسى. مؤلفات في التربية والاجتماع والشعر وعلم النفس. يسند ظهره إلى ذاك الجدار، الذي أصبح "حائط مبكى" الفلسطينيين في لبنان، فهنا تُقام طقوس الحداد، وتُنثر الأماني، وأحياناً تُقدّم القرابين طمعاً في وظيفة.نقد الأونرواحاصل على خمس إجازات جامعية في الأدب العربي، وعلم النفس، والتربية، والصحافة، والإعلام المرئي، إضافة إلى حصوله على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، ليعمل بعدها أستاذاً جامعياً. ضمن عمله الصحافي اعتاد أن يوجه نقداً للمؤسسات العامة، ومن بينها الأونروا كما يقول "بهدف التصحيح، وهذا ما كنت أفعله عندما عملت في جريدة السفير (2000-2006)، وغيرها من الصحف والمواقع". قاد تحقيق أعده عام 2007 ينتقد فيه معايير التوظيف إلى تشكيل الأونروا لجنة تحقيق، وتعديل الكثير من هذه المعايير.
عام 2021 اختلف الوضع تماماً، ففي شهر تموز تقدّم الأستاذ الجامعي أنور موسى إلى امتحانات خطية، وكانت علاماته مرتفعة جداً، فهو سبق أن عمل بالأونروا، وقدّم دورات في التربية لعدد كبير من الأساتذة داخل الوكالة، كما تثبت الوثائق التي بين يديه.
لكن ذلك لم يكن كافياً، فعند المقابلة، أُصيب بوعكة صحية، كما يوضح التقرير الطبي، واعتذر من اللجنة الموكلة بإجراء المقابلات بأن الوقت المحدد (خمس دقائق) قد لا يكون كافياً. وبُعيد المقابلة كتب تحقيقاً حول أن المقابلات الوجاهية فيها خلل كبير. متحدثاً عن تسريب أسئلة المقابلات، وعن رشى. هذا الأمر اعتبرته الأونروا تشهيراً بها، ومنعت توظيفه في ذلك الوقت، كما أصدرت قراراً يمنعه من التقدم لأية وظيفة بالأونروا لعامين.معاقبة على مقالاتوجاء في قرار الأونروا الموجه لموسى "إنك تجاهلت تحذيرات الأونروا على بياناتك التشهيرية ضد الأونروا، ومقالاتك لا تتوافق مع معايير التصرف من موظفي الأونروا". ويرد موسى أن الأونروا لم توجه له تحذيرات مسبقة، وهو لم يكن موظفاً أثناء كتابة التحقيق، فضلاً عن أن هذا القرار يتعارض مع حرية الرأي والتعبير. ويقول إنه كان موظفاً بالأونروا ما بين عامي 2007 و 2016، واستقال لتطوير ذاته والتفرغ للتدريس الجامعي. ثم تقدم لوظيفة أستاذ عام 2021، أي إن تحقيقاته الصحافية لم تكن أثناء العمل الوظيفي في الأونروا.
وفي التاسع عشر من الشهر الجاري أجرت الأونروا امتحانات خطية للمتقدمين لامتحانات القبول، ومُنع أنور موسى من الدخول إلى قاعة الامتحانات، الأمر الذي أزّم الموقف. وصدرت عدة بيانات تدين قرار الأونروا، منها بيان عن الهيئة 302 لحقوق اللاجئين التي رأت أنه لو أن كل لاجئ فلسطيني انتقد عمل "الأونروا" سيُحرم من التقدُم لأي وظيفة فيها ولمدة عامين، لحرمت غالبية اللاجئين الفلسطينيين من العمل بالوكالة.
كما عبّر رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا عن تضامنه مع أنور موسى، مؤكداً أنه سينقل القضية المحقة للمعنيين، ولا سيما أنها المرة الاولى التي يحرم فيها فلسطيني من حق التقدم للامتحانات بالأونروا بسبب كتابات صحافية.
كما حث الرئيس السابق لاتحاد الموظفين في الأونروا أحمد أبو ودو الوكالة على التراجع والاعتذار عن قرارها الجائر بحق موسى و"على منظمة التحرير الفلسطينية والاتحادات النقابية في الأونروا تحمل مسؤولياتها بهذا الخصوص". وكذلك نظّم أهالي مخيم البرج الشمالي اعتصاماً حاشداً أمام مكتب مدير خدمات الأونروا، ألقى كلمة الأهالي رئيس جمعية الحولة محمود جمعة، فأكد على عدالة قضية أنور موسى.ماء الوجهوبعد وساطات قادها اتحاد المعلمين الفلسطينيين صدر بيان عن الاتحاد أكد على "حل قضية الدكتور أنور موسى المضرب عن الطعام منذ عدة أيام حيث تم رفع اسمه من لائحة الحظر، وسوف يُسمح له بالتقدم للوظائف متى شاء كأي مرشح آخر". لكن موسى اعتبر هذا الحل ناقصاً، ووفق نظره فإن "الحل المتكامل يتمثل في إلغاء القرار بمنعي من التوظيف لا السماح لي بالتقدم لامتحان معين، ربما يرسبونني به من دون ضمانات، وربما في حال نجحت يقولون لي القرار ضدك لا يزال سارياً"، مطالباً بضمانات خطية.
لا تبدو الأونروا في وارد التراجع العلني والمباشر عن قرارها، وتُفضل حلولاً شفوية تحفظ ماء وجهها، وفق مصادر تقوم بدور الوساطة، ويظهر أن أنور موسى مصراً على مطالبه، وإن ظهر أكثر استعداداً للتفاوض. وتسأله "المدن" ماذا لو فشلت الوساطات والمفاوضات؟ يجيب "ليس للفلسطيني إلا البحر".