عنوان ابراهيم شيخي روايته الاولى بـ"الحرب المقدسة لن تحصل"، وهو يبدو انه، وبهذا العنوان، يرمي الى طرح وجهة نظره حول ما يشيع، من وقت إلى آخر، في الخطبة الاعلاموسياسية في فرنسا، أي التخوف من نزاع بين الضواحي والمراكز، أو على شكل مختلف، بين المسلمين، الذين يتحدرون من الهجرة، والمسيحيين. فهذا التخوّف، الذي يعمد اليمين المتطرف، وتماماً، كالاسلام المتطرف، إلى اذاعته، يجد صداه، رفضا أو إدانة أو انتظاراً حتى، في النسيج المجتمعي، ولهذا، تناول شيخي له بالسرد هو تناول لموضوع لا يتوقف عن فرض ذاته كراهن. هذا التناول السردي، ومن عنوان رواية شيخي، يستقر على إبعاد الموضوع ذاك، أي "الحرب المقدسة"، وجعلها مجرد وهم، قد يقلق البعض، وقد يحمس البعض، ولكن، بلا أن يعني ذلك سوى أنه بلا ظرفه، وبالتالي، هو، فعليا، "لن يحصل". ولكن، كيف يحسم شيخي وجهة نظره، وعلى متن السرد، حيال هذه الحرب؟ كيف يحسم أنها بعيدة الحدوث؟
قصة شيخي بسيطة: في ضاحية سان-دوني، مراهق يدعى سفيان، ولد في عائلة مهاجرين، تسكن في حي مدقع. يلاحظ سفيان أن أخيه الأكبر يصير يوما بعد يوم غريبا عنه بسبب تطرفه الديني، فهو يفرط في انغلاقه، وفي التبشير بما يظنه خلاصه، أي التزمت، وفي أوجه، الجهاد. بين هذا الاخ والعالم الذي يقع خارج المنزل العائلي، يتأرجح سفيان، وتأرجحه هذا قد يحمله إلى الانطواء على ما يشبه الضياع، لا سيما أنه، وان كان لا يجد في اخيه نموذجه، فهو لا يجده في أغيار آخرين من حوله، أكان في المدرسة، أو في الشارع. ضياع سفيان هو ضياع مراهقي الضاحية الذين ينصرفون من منازلهم إلى عالم ليس ببعيد جغرافيا عنهم، ولكنه، بعيد من ناحية مبناه القيمي واللغوي على الأقل، وبهذا، هم، وحين يغدون فيه، يضحون في البعيد عنهم. من هنا، شيخي، وبطريقة ملفتة، ولكن، بلا أن تكون مجردة من الكليشيهاتية، يحاول إيقاف ضياع سفيان، وهذا، عبر أمر بعينه.
فلسفيان علاقة بغابريال، جاره ثم صديقه، الذي يعرفه على عيش مختلف، يتمحور حول لعبة الشطرنج. بالطبع، اختيار شيخي لهذه اللعبة في رواية عن "حرب مقدسة" ليس صعب الايضاح. فالشطرنج لعبة استراتيجية، غالباً ما يجري تقريبها من كونها حربية، ولكنها، وفي هذا السياق، هي لعبة حرب مضادة للحرب. فسفيان، وبسبب تعلّقه بلعب الشطرنج مع غابرييل، يبدأ بالابتعاد عن وطأة أخيه الأكبر، مثلما يبدأ بمغادرة التأرجح، ومعه الضياع، بين هذا الاخ والعالم خارج المنزل. على أنّ تعلّق سفيان بلعبة الشطرنج ليس تعلقاً باللعب فقط، انما بالحديث الذي يدور بينه وبين غابرييل، وهو حديث عن الشعر، عن عمر الخيام على وجه التحديد. وهذا الحديث بالذات ما يجعل أخيه يغضب منه، لا سيما أنه حديث عن ثقافة أخرى لا تمتّ له بصلة: لا تجعل سفيان منغلقاً، انما تحمله إلى سواه، وبهذا، تزيد من حمل ضاحيته إلى الا تعود مجرد حيز مهمش، بل إلى أن تصير مكاناً لشبيبتها.
لا يطرح شيخي قصة سفيان كما لو أنها الطريق لكي لا تقع "الحرب المقدسة"، بمعنى أنه لا يبشر بالثقافة كما لو أنها السبيل الأوحد الذي يجب تعميمه من أجل ألا تحصل هذه "الحرب". فقصة سفيان هي قصة تخصه هو، ولا يمكن جعلها برنامجاً يطال كل المراهقين أمثاله، إلا أن هذا لا يلغي أهميتها، بحيث تبرز أن المراهقين، تماما، كما هي حال بطلة أخرى في الرواية، أي ليديا، يبحثون عن سبلهم، وهم قد يجدونها على أساس الصداقات، التي لا يمكن القول إنها تنضب أو ستنضب. فـ"الحرب المقدسة" لن تحصل، لأن الصداقات، الصلات الاجتماعية، التي تجتاز كل الحدود والحواجز، مهما كانت، لا يمكن أن تموت.