2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo 4 شهداء… العدوّ الإسرائيليّ استهدف مزرعة في بلدة زبود logo المقاومة تستهدف تحركات لجنود العدو في “المنارة” logo تقرير: إسرائيل وحزب الله ينزلقان شيئاً فشيئاً نحو حرب شاملة logo بعد أخبار عن إنفجار فيه... مدير المرفأ يوضح! logo في محيط "مدينة رفيق الحريري"... أمن الدولة يزيل خيم للنازحين السوريين logo المكاري بعد اجتماع لجنة الطوارئ الحكومية: الجهود الديبلوماسية لوقف إطلاق النار مستمرة logo شيخ العقل اتصل ببري وجنبلاط ودعا إلى الوحدة الوطنية.. logo تظاهرات في سيدني وملبورن ضد الارهاب الإسرائيلي في غزة ولبنان
جورج الراسي..أمين معلوف- البدايات وبوسطة عين الرمانة
2022-08-17 12:56:08

تصور أنك جالس في بيتك، في الطابق الثالث فتسمع آطلاق نار كثيف في الشارع... تطل برأسك من النافذة لترى ماذا يحدث وإذا بك أمام مشهد مرعب: عشرات القتلى في "باص" استهدفه مسلحون بالرشاشات وكان محشوا عن بكرة أبيه... "الباص" كان يقل فلسطينيين ذاهبين لإحياء آحدى المناسبات. ولم يكن مضطرا لسلوك تلك الطريق في أجواء من الاحتقان السياسي يصل آلى حدود الانفجار بين المنظمات الفلسطينية وحزب الكتائب وفي حي محسوب برمته على الحزب.

هل كان الانفجار مخططا له أم جاء عفوياً؟
لم يجب أحد على هذا السؤال حتى هذا اليوم.
نحن في 13 نيسان/ ابريل 1975 تاريخ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت خمسة عشر عاماً.. ولم تبق.. ولم تذر.. وتلك كانت حادثة "البوسطة" الشهيرة التي أشعلت القتال وهي ما تزال حتى اليوم مرمية في أحد الشوارع كعاهرة أدت قسطها للعلى ورميت على قارعة طريق...
الشخص الذي أطل من النافذة ليرى ماذا يحدث تحت شباكه، هو أمين معلوف.. أول شاهد عيان مباشر على الكارثة.
لو كنت مكانه ماذا تفعل؟
إذا كنت عاقلا - وأمين عاقل- تسرع إلى شنطتك وتضب الأوراق الضرورية والأغراض التي لا بد منها... وتتصل بأول طائرة أو باخرة أو شاحنة أو حتى طنبر مغادر البلد لتحجز لك ولعائلتك مكانا يبعدك قدر الإمكان عن بلد الأوباش والمجرمين هذا... وهذا ما فعله أمين...
زمن اللهو
قبل أن ينتقل أمين بعد زواجه إلى حي عين الرمانة من حيث انطلقت الكارثة، كان يعيش في كنف والديه في بيت بورجوازي وثير، يقع في الشارع الموازي تماماً لمتحف بيروت عند تقاطع البيروتين.
في المرات التي مررت فيها عليه في ذلك المنزل، لاحظت أنه كان دائم الإستماع إلى مغن فرنسي يعتبر من أكبر شعراء فرنسا المعاصرين هو جورج براسانس الذي كان يلقب بـ"المغني الفيلسوف"، وكانت أغانيه قصائد تنتقد بشدة وبسخرية القيم والمعتقدات السائدة anticonformiste... وقد رحل عن عالمنا عن 60 عاماً في 30 تشرين الأول / أكتوبر من عام 1981 بعد أشهر على انتخاب فرانسوا ميتران رئيساً للجمهورية في أيار/ مايو من تلك السنة وكان يكن للشاعر تقديراً كبيراً...
وقد بقي جورج براسانس Brassens طيلة ثلاثين عاما منذ بداياته في عام 1952، سيد الأغنية الفرنسية بدون منازع يتقاسم المجد مع صديقه البلجيكي الحميم جاك بريل... منذ أن أطلق أغنيته الأولى "الفضائحية" La mauvaise réputation(الصيت السيئ)...
وأعتقد أن هذا المغني المتمرّد لعب دوراً في صقل ذائقة أمين الأدبية...
منزل أهل أمين تعرض عام 2013 إلى غزوة شنيعة إذ أقدمت إحدى الشركات العقارية التابعة لآل كتانة على هدمه لبناء مجمع سكني مكانه... رغم كل العرائض والاحتجاجات...
اعتدنا بعد ذلك على التردد على بيت أمين الجديد بخاصة وأنه كان مولعا بما يسمى "الألعاب المجتمعية" jeux de société وعلى نحو خاص بلعبة اسمها stratégie... وكما يدل اسمها على ذلك فهي تقوم على محاولة الآطاحة بالخصم.. وكانت تدور معظم المعارك في البحر- تصور نفسك في أوديسا اليوم - وكانت سعادة أمين لا توصف عندما يصيب بارجة للعدو ويرسلها إلى قاع المحيط... touché coulé.
كان زمنا للهو... وراحة البال...
الأخوات الأربع
الحلقة الأصغر كانت مكونة من أربع أخوات رائعات يسكن في بيت متواضع في ما يعرف "بتحويطة فرن الشباك "إذا لم تخن الذاكرة. الأصل من بلدة تدعى "بسوس" على طريق عاليه المصيف المعروف. والبلدة مشهورة أنها تضم حتى اليوم مصنعاً للحرير حيث كان يعالج دود القز قبل أن تصدر بالات الحرير إلى أوروبا منذ القرنين الثامن والتاسع عشر...
الصغرى أندريه هي التي تزوجت أمين.
الكبرى نيللي تزوجت هي الأخرى بشكل عادي، أما الثالثة مارلين فكانت - وما زالت - الأكثر تسيسا. تزوجت سليم نصر الذي رحل عن عالمنا منذ نحو عشر سنوات. وكان عالم اجتماع من طراز رفيع. أصدر مع الباحث الفرنسي كلود دوبار Claude Dubar كتابا قيما بالفرنسية يتناول "الطبقات الإجتماعية في لبنان". وكان في آخر سنواته مديرا لمركز مؤسسة فورد في القاهرة. والواقع أن تلوث المدينة هو الذي أصابه بداء عضال وكان يعاني من اشتداد مرض السكري عليه... حتى أنه هو الذي الح على أطبائه بالرحيل تجنبا لمزيد من العذاب...
وقد تزوج شقيقه سمير من ندى مغيزل ابنة لور وجوزيف مغيزل.
سليم ومارلين كانا مسيسين، وكانا يترددان على مكاتب "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" -في حي المزرعة لمد يد العون في كل ما له علاقة بالتحرير والترجمة...
وما زالت مارلين ناشطة حتى اليوم مع مجموعة "باحثات"، التي تصدر مجلة قيمة تحمل نفس هذا الاسم وترعاها الجامعة الأميركية في بيروت...
أما الأخت الرابعة سيلفي فلها قصة تروى.. وهي عالقة في حلقي فلا بد أن أرويها...
أصلا هي التي روتها لي.
سيلفي تزوجت جاد تابت ابن انطون تابت الزعيم الشيوعي المعروف... وكان هو شخصياً رئيسا لإتحاد الشباب الديموقراطي المرتبط بالحزب لسنوات عديدة.. كما انتخب نقيباً للمهندسين في بيروت في الأعوام الأخيرة...
لكن قبل زواج سيلفي من جاد كانت شبه مخطوبة لصديق آخر فلنسمه حليم. كان حليم طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت ويلعب دورا قياديا في صفوف الطلاب...
هنا لا بد من الإشارة إلى أن طلاب الأميركية كانوا ينظرون إلى طلاب الجامعات الفرنكوفونية في ذلك الوقت على أنهم نوع من "الحيوانات الأليفة". يعني لا يصلحون إلا للمداعبة والتسلية و"طق الحنك"... بينما هم عرين كل الحركات القومية الثورية والتقدمية: جورج حبش، وانطون سعادة وقسطنطين زريق... الخ...
وبالتالي كان محظوظاً من يقتني إحدى تلك الحيونات ليخفف عليه أعباء النضال... حليم أمضى أشهر ما يشبه الخطوبه وهو يعد سيلفي لدورها المستقبلي كرفيقة مناضل كبير... بخاصة بعد دخوله الحتمي إلى السجن.. كيف تتصرف مع الحراس.. كيف تهرب له بعض المعدات التي ربما احتاجها لحفر نفق وتأمين هروبه... كيف ستملأ أوقات فراغها وهو سجين... كيف سيزودها بإرشادات يكتبها على لفائف السجائر وتنقلها إلى رفاقه في الخارج ليواصلوا النضال... يعني بإختصار cirque... كل ما شاهده في الأفلام الأميركية.. والهندية...
كان يتصرف على أساس أنه كارلوس وكوزو اوكاموتو وجورج عبد الله مجتمعين... وكان يريد أن يجعل منها روزا لوكسمبورغ بالقوة...
البنت جميلة ولطيفة وكل ما كانت تريده هو زوج شبه طبيعي وعائلة عادية وأولاد... ولا تريد أن تقضي حياتها على أبواب السجون لتهرب المعدات لزوجها السجين وتأخذ منه الإرشادات على لفافات السجائر...
الله خلصها على خير.. فلا حليم دخل السجن دقيقة واحدة (كأنما الذي يدخل أحد سجون هذه الأمة الرحيمة يخرج منها)... وهي هربت "بالروح" من تلك المصيبة... تلك كانت "البوطة" الصغرى.
(*) بعد القسم الأول، القسم الثاني من مدونة نشرها الكاتب جورج الراسي في صفحته الفايسبوكية


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top