تتوالى فصول الفوضى والخلافات في بلدية طرابلس التي تعيش شللًا وتعطيلًا لم تعهده في تاريخها. ومثلما كان متوقعًا، فإن وظيفة مجلسها راهنًا، أضحت لتصفية الحسابات والانتقام المتبادل، والتخبط بمعارك شخصية لا تستحق كل هذا العناء في عامه الأخير والمُمدد، لتكون النتيجة وفق كثيرين: لا أحد من طامحي هذا المجلس يريد الترفع عن "الأنا" وحساباته الضيقة في سبيل المصلحة العامة لطرابلس. تعزيز الانقساماتوهذه المرة، يبدو أن محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، الذي يحفل تاريخه بالشبهات واتهامات الفساد، دخل على خطّ تعزيز الانقسامات، عبر تكليف رئيس البلدية السابق أحمد قمرالدين برئاسة البلدية بالوكالة، كونه الأكبر سنًا، إلى حين انتخاب رئيس جديد خلفًا للرئيس رياض يمق، الذي نزع الأعضاء عنه الثقة قبل نحو أسبوعين.
وأمس الثلثاء، دخل قمرالدين لأول مرة لتولي مهمته في المجلس البلدي، وفق ما يقول لـ"المدن"، علمًا أن تكليفه لم يحظَ بتوقيع أكثرية الأعضاء (النصف زائد واحد).
وقمرالدين الذي انتخب رئيسًا للبلدية في 2016، نزع الأعضاء الثقة عنه بعد خلافات عقيمة بجلسة طرح الثقة بعد ثلاث سنوات في 2019. وكان قمرالدين يحظى بعلاقة متينة مع المحافظ، وشهد عهده إثارة الكثير من ملفات الفساد التي كشفت عنها "المدن" سابقًا. (راجع "المدن") لذا، يرى كثيرون في طرابلس أن تكليفه بالوكالة لرئاسة البلدية وإدارتها، بمثابة انتقام رجعي ضد من صوتوا لنزع الثقة عنه في 2019.
وينفي قمرالدين ذلك، ويقول أنه يريد دخول البلدية بإيجابية و"بعد التعلم من أخطاء الماضي". وأضاف: "في يومي الأول، لمست تعاونًا كبيرًا من الموظفين معي في البلدية، وسأدعو لجلسة قريبًا رغم كل المطبات التي تواجهنا والعجز المالي الكبير لجهة إنجاز المشاريع العالقة". ويضع قمرالدين "إيجابية الموظفين تجاهه" بخانة التململ والاستياء من أداء يمق، وفق تعبيره.الثقة والشرعيةوكان المحافظ نهرا قد دعا الاثنين الفائت إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد، وحضرها عشرة أعضاء يدعمون انتخاب العضو خالد تدمري رئيسًا وسميح حلواني نائبًا للرئيس، لكن النصاب لم يكتمل (11 عضواً من أصل 19)، علمًا أن من صوتوا لنزعة الثقة عن رياض يمق كانوا 14 عضوًا.
وهكذا، انتقلت بلدية طرابلس من السجال على شرعية نزع الثقة من يمق بعد التمديد لعام للمجالس البلدية في لبنان، إلى السجال على شرعية تكليف قمرالدين بلا توقيع وموافقة أكثرية الأعضاء.
ويقول قمرالدين أنه سيقوم بمهامه كرئيس للبلدية إلى حين دعوة المحافظ لجلسة انتخاب رئيس جديد. وهنا، يستغرب سميح حلواني عبر "المدن" امتناع المحافظ عن دعوتهم لجلسة انتخاب رئيس جديد. ويقول إن دخول قمرالدين للمجلس كرئيس بلا توقيع أغلبية الأعضاء غير قانوني، وأن صلاحياته بالتكليف محدودة للغاية وتقتصر على الشؤون الإدارية وسيرفضون أي دعوة يوجهها لعقد جلسة.
وتفيد مصادر مطلعة لـ"المدن" أن المحافظ نهرا قد يدفع نحو تكريس رئاسة قمرالدين للبلدية الذي لا يحظى بإجماع الأعضاء كأمر واقع، وهو ما يبرر عدم استجابته للدعوة لجلسة انتخاب جديدة، كونه يستطيع التفاهم بالكثير من الملفات. أما النتيجة، فتبدو أن الأشهر المتبقية لبلدية طرابلس، ستكون مسرحًا لمزيد من التعطيل والصراعات الشخصية على حساب المدينة.