2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo 4 شهداء… العدوّ الإسرائيليّ استهدف مزرعة في بلدة زبود logo المقاومة تستهدف تحركات لجنود العدو في “المنارة” logo تقرير: إسرائيل وحزب الله ينزلقان شيئاً فشيئاً نحو حرب شاملة logo بعد أخبار عن إنفجار فيه... مدير المرفأ يوضح! logo في محيط "مدينة رفيق الحريري"... أمن الدولة يزيل خيم للنازحين السوريين logo المكاري بعد اجتماع لجنة الطوارئ الحكومية: الجهود الديبلوماسية لوقف إطلاق النار مستمرة logo شيخ العقل اتصل ببري وجنبلاط ودعا إلى الوحدة الوطنية.. logo تظاهرات في سيدني وملبورن ضد الارهاب الإسرائيلي في غزة ولبنان
"السدية" رواية سوداوية عن التعذيب في "العهد الديمقراطي"
2022-08-12 14:26:57

يمكن تصنيف رواية" السدية" للكاتب علي عدنان بأنها من روايات أدب السجون. وأدب السجون جزء من حقل أوسع في التعبير الفني عما يجري في الواقع العربي، عبر إبداع موصوف بالرواية، والقصة، والشعر، والسيرة الذاتية. وقد شاع هذا النمط من الأدب، أي أدب السجون والمعتقلات والتعذيب، في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وهي فترات نشط فيها اليسار العربي ومثقفوه، وشهد المجتمع موجة من الوعي والانفتاح على العالم.
والسدية في اللهجة العراقية هي نقّالة تستخدم للمرضى والجرحى ممن فقدوا القدرة على الحركة. ولكنها في هذه الرواية أداة من أدوات التعذيب، وهي إلى حد ما تناظر آلة التعذيب التي وصفها كافكا في روايته "مستعمرة العقاب". حيث يوضع السجين في السدية ثم يلف مثل مومياء بأربطة وأقمشة حتى لا يستطيع حراكا، فيبدأ الشرطي أو السجان بوضع كيس بلاستيكي في رأس السجين كي يقطع عنه الهواء. وفي أوقات أخرى يجلس على صدره بكل ثقله حتى يعجز عن التنفس ويقارب الموت. لا تقتصر فنون التعذيب على السدية بل هناك تعليق اليد في السقف، والكهرباء، والتجويع، والتعطيش، والدفن الحي، وقطع الأذن، والاغتصاب، والمحاكمة الوهمية، والحرمان من النوم، وابتزاز الأهل، وذلك كله لدفع السجين إلى الاعتراف بجرم قد لا يكون هو من ارتكبه. وهذه هي حالة بطل رواية السدية المسمى "علي"، وهو اسم الكاتب ذاته "علي عدنان" الذي استلته قوة مجهولة من غرفة الزوجية بعد منتصف الليل.
القارئ العراقي، والعربي أيضا، أطل على تلك الزاوية المعتمة من مجتمعه ذات يوم عبر رواية أخذت شهرة واسعة في حينها، هي رواية الكاتب السعودي عبد الرحمن منيف المعنونة "شرق المتوسط". تناولت رواية منيف الزنازين، والتحقيقات، والحياة اليومية داخل السجن، والتعذيب المرافق لها. وما كان يسمعه المواطن العادي في الجلسات الخاصة والإشاعات المنتشرة في الشارع عن عنف السلطة، تجسّد بشكل فني في تلك الرواية، حيث نالت شهرة واسعة بين الفئات المثقفة. أما على صعيد الشعر فحضر ذلك في الشعر الشعبي لدى مظفر النواب، وقد مر النواب نفسه بتجربة السجن في "نقرة السلمان" القريبة من الحدود السعودية، إذ تجاوب جمهور واسع مع تلك القصائد المليئة بالشجن، والاعترافات المأخوذة تحت التعذيب، وصوت الأم الرافضة لانهيار ابنها أمام المحقق الجلاد. وفي فترات لاحقة قرأنا رواية "طريق جهنم" لأيمن العتوم، وتناولت سجون ليبيا في عهد معمر القذافي والفظائع المرتكبة بحق المعارضين سياسيا. وفي الفضاء السوري أخرج الكاتب مصطفى عبدالله روايته "القوقعة" المكرسة للحياة المرعبة في سجن "تدمر" السوري، وكان الكاتب نفسه عاش التجربة لأكثر من خمس عشرة سنة. رواية "تلك العتمة الباهرة" للطاهر بن جلون المكتوبة بالفرنسية، تعيد القارئ إلى بداية السبعينيات في سجن "تزمامرت"، لشخصيات مغربية اتهمت بالقيام بمؤامرة على الملك.
أما رواية "شرف" لصنع الله ابراهيم فكانت من الروايات المميزة لهذا النمط من الأدب، وكشف فيها صنع الله واقع السجون المصرية وشكلت وثيقة إدانة للظروف غير الانسانية السائدة في الزنازين. طبعا لا بد من القول إن من الصعب على المبدع الكتابة عن السجون والمعتقلات إلا إذا عاش التجربة، ربما من هنا نجد هذا النمط هو الأقل انتشارا بين حقول الأدب. بينما تمظهرت صور السجون وما يدور فيها بين السلطة والضحايا، في الرواية خاصة، كونها تحتمل تناول فترة زمنية طويلة تستغرق أحيانا عشرات السنين، وتسهب في رصد المشاعر المختلفة، والحالات الغريبة الحاصلة خلف الزنازين، عكس الشعر أو الفنون الأخرى من مسرح، وفن تشكيلي، وسينما. كان ذلك الأدب الخاص جدا، نافذة في جدار الرقابة الشديدة للأنظمة العربية، وستارها الحديدي المفروض من قبل ديكتاتوريات عسكرية لم تكن ترضى بخروج أي من ممارساتها القمعية إلى العلن، ومن هنا لاقت رواجاً شديداً لدى القارئ العربي.
وفي الحقل السردي العراقي، وهنا تقع المفارقة، كتب الروائي فاضل عباس روايته "زقاق الألم" عن واقع السجن والتعذيب في عهد الديكتاتورية. وقد اتهم البطل بكتابة شعارات على الحائط ضد النظام مما جعله يدفع سنوات طويلة من حياته معتقلا في سجن الاستخبارات العسكرية، واصفاً حالات سوريالية عما كان يجري في ذلك المعتقل، وقد كانت التهمة هي انتماؤه لحزب الدعوة الاسلامية المعارض لنظام البعث. ومن المفارقات أن الكاتب علي عدنان كتب روايته "السدية" عما يجري في سجن الاستخبارات العسكرية في سامراء ومن ثم في سجن تكريت، بعد اتهامه زوراً وكيديا بتعاونه مع الارهاب وتنظيم داعش. رواية عباس فاضل تناولت فترة الثمانينيات بينما اعتقل بطل رواية "السدية" في سنة ألفين وخمسة عشر، ورغم أن الفارق الزمني بين الروايتين يجاوز الثلاثين عاما، وأن رواية فاضل عباس عن النظام الديكتاتوري ورواية علي عدنان عن السجن في النظام الديمقراطي، إلا أن التفاصيل: القمع، والاذلال، والبربرية، كانت واحدة في كلتا الحالتين والزمنين. حتى أن شخصيات الجلادين تكاد أن تتشابه في سلوكياتها ومتعهم الغريبة في اذلال البشر. في الحقيقة تشابهت أساليب التعذيب في الروايات العربية المذكورة سابقا على رغم اختلاف الحقب الزمنية، والدول، والأنظمة الحاكمة، وهذه واحدة من غرائب المراحل التاريخية التي تمر بها شعوب الشرق عامة. ونحن نعرف على سبيل المثال أن كافكا اخترع روايته المرعبة "مستعمرة العقاب" في بدايات القرن العشرين، لكنها لم تعد موجودة في معظم دول العالم المتحضر.
قرأنا في أحداث رواية "السدية" عن قوى تتحكم بمصائر المساجين من الصعب اكتشافها. شبكة عنكبوتية تمتد في المكان العراقي الشاسع بمختلف تلاوينه، تخطط وتنفذ بذكاء مظلم برامج، وخططا مسبقة للتعامل مع شعب كان متماسكاً نسبياً على صعيد الهوية الوطنية. قضاة وميليشيات وضباط وشيوخ عشائر وانتماءات طائفية ودينية وقومية، وأصابع من خارج السجون والمحاكم تستفيد من اتهام أبرياء، ومن تحطيم أسر وتشويه سمعة وتلفيق تقارير مع غياب حقيقي لقضاء نزيه، وادعاء عام محايد. وتتباين المقاصد من ذلك، فهناك الفائدة المادية، وهناك الخلافات السياسية والمذهبية، وهناك مؤسسات لا تريد للمجتمع أن يعيش بسلام واستقرار. هناك تطرف ديني، وولاءات أجنبية، وعمالة شبه مكشوفة، ومافيات اقتصادية ودولية.
من عاش في العراق بعد سقوط النظام والاحتلال الأميركي، شعر بسطوة كل تلك الدوافع في الشارع العراقي، مدنه، وسجونه، ومحاكمه. علي عدنان كتب عن كل ذلك، إضافة إلى أنماط المعتقلين وأفكارهم ونزعاتهم الفردية بعد أن توضع في اختبار القسوة، والاذلال، واليأس، ليتحول البعض منهم إلى حيوانات لا علاقة لها بالبشر. طبعا ينطبق ذلك على السجناء والسجانين، وعلى جزء من المجتمع أفقدته الزلازل السياسية والحروب توازنه ومرتكزاته الحضارية.
(*) مدونة نشرها الروائي العراقي شاكر الأنباري في صفحته الفايسبوكية


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top