2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo 4 شهداء… العدوّ الإسرائيليّ استهدف مزرعة في بلدة زبود logo المقاومة تستهدف تحركات لجنود العدو في “المنارة” logo تقرير: إسرائيل وحزب الله ينزلقان شيئاً فشيئاً نحو حرب شاملة logo بعد أخبار عن إنفجار فيه... مدير المرفأ يوضح! logo في محيط "مدينة رفيق الحريري"... أمن الدولة يزيل خيم للنازحين السوريين logo المكاري بعد اجتماع لجنة الطوارئ الحكومية: الجهود الديبلوماسية لوقف إطلاق النار مستمرة logo شيخ العقل اتصل ببري وجنبلاط ودعا إلى الوحدة الوطنية.. logo تظاهرات في سيدني وملبورن ضد الارهاب الإسرائيلي في غزة ولبنان
من المثقف الجدّي الى مثقف المهازل
2022-08-10 11:56:09

منذ مدة ليست بقليلة، صار لا بدّ لشغيلة الثقافة، الجدد أو المتجددين على الدوام، ولكي يدلوا بأفكارهم وآرائهم ووجهات نظرهم، أن "يطعّموها" بضرب من الكوميديا، التي تجيء على شكل سخرية أو نكتة. فلا يمكن لهم أن يقدموا ما عندهم من دون أن يتقدموا عبره، كما لو انهم يمزحون في طرحه، أو يأخذونه على محمل الهزل. فهناك، ومن قبلهم، ما يشبه الابتعاد عن الجد، وما يشبه الاقتراب من كل ما يمتّ لما يعتقدونه، وبلا إحرازه، منعشاً. بمعنى الـ"cool"، الذي يستدلون على تحقيقه عبر ضرب الكوميديا طبعاً، لكن عبر ما يجعلنا، ومن قبلهم، نعتبر أنهم يعبثون.
فعلياً، ومن أجل التوقف عند هذه الموضة بين شغيلة الثقافة، من الضروري بداية الاشارة الى ما يمكن اعتباره مردّها الأساس، وهو الإنتقال من صورة مثقف الى أخرى: من المثقف الجدي الى مثقف المهازل. هذا الإنتقال فتح له الطريق اعتقادٌ يفيد بأن الجدّ يعني التسلّط، وبالتالي، من أجل تجنب الثاني لا بد من الإقلاع عن الأول. فالمثقف الجدّي هو عنوان للسلطة، التي تأمر، التي تُخضع بالقوة، التي تقاصص، التي تقصي، أي انه لسان هذه السلطة، بحيث أنه يتشكّل نبرةً وهيئةً عليها، وهذا، حتى تظهر بمظهره. لقد صارت الجدية، وبفعل هذا المثقف، من سمات السلطة، من سمات صحبته لها، بما هي أساسا صدى ما يدلي به عند من يتلقونه. في هذه الجهة، المثقف الذي أتى من بعده، اقلع عن الجدية، وهذا، على أساس أنه، وبذلك، لا يكون على سلطة ما، ولكي يحقق اقلاعه اياه، اختار طريق الهزل. الاختيار هذا يعني أنه قرر أن يغدو المناقض للمثقف الجدي، ومناقضته هذه تساوي أن يكونه، لكن بعد قلبه رأساً على عقب: "لأنه عنوان الجدية، سأكون عنوان الهزل، لأن الجدية هي مرادف السلطة، سأكون على هزلٕ بما هو مرادف التخلي عن السلطة!".
لكن، هل فعلاً مثقف المهازل مُتخلٍّ عن السلطة؟ لا بد من القول إن السلطة التي كان المثقف الجدي يتماثل معها هي سلطة قاسية، متينة، وهذا التماثل كان له مقلب أساس يتعلّق بتعريف الجدية. اذ إن الدليل عليها كان، وبحسب السلطة هذه ومثقفها، الامتثال لهما. حين يمتثل محكومو هذه السلطة لها، وحين يمتثل جمهور المثقف إلى ما يقوله، فهذا يعني انهما جدّيان. في المقابل، السلطة التي يعيش مثقف المهازل في ظلها، ليست تلك القديمة، انما، وعلى العكس، هي السلطة، التي تبدو على نحوه، أي أنها سلطة هازلة، كوميدية، وهي فعلاً تحكُم عبر كونها موضوع هزء وتسلية. في هذه الناحية، موضع هذه السلطة من مثقف المهازل هو نفسه موضع السلطة القديمة من المثقف الجدّي: لعبة مرآة بينهما. بالتأكيد، مثقف المهازل، ولكي يتشكّل على جثة المثقف الجدّي، يحييه بمناقضته، لكي يعلن انه مخالف له، لكن التناقض بينهما يساوي انه، وعلى نحوه، "صاحب سلطة": يتخلّى عن سلطة الجدية لأنها ميتة، لكي يتحلى بسلطة الهزل على أساس أنها ليست من قبيلها.
المهم أنه، وفي حين الإنتقال من المثقف الجدّي الى مثقف المهازل، الذي يمكن عدّه انه قد اكتمل، هناك حاجة ملحّة الى عدم الارتهاب من الجدية (فوبيا الجدية كفوبيا من كل ما تقصيه السلطة الهازلة)، بل التقدم منها في حين ضرورتها. وهذا، لسبب اساس، وهي أنها، وبعيداً من المرادفة بينها وبين السلطة، هي على علاقة مع معانٍ مختلفة، كذلك المعنى المتعلّق بالجدوى: القول المُجدِي هو قول جَدّي. أما الهزل، فيبدو أن وقت تفعيل معانيه الأخرى لم يَحِن، بحيث أن السلطة هي الآن التي تفتح فاهها وتطلق العنان لسخريتها. ففي زمن السلطة الكاريكاتورية، يولد الهزل ميتاً.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top