تتقدّم الملفات الإقليمية والدولية على الملفات اللبنانية. ينتظر لبنان تأثيرات أي تطورات في الخارج على الواقع الداخلي. ما يشهده العالم من تحولات ليس بالأمر البسيط، خصوصًا بعد مشهد الحرب الروسية على أوكرانيا، والإصرار الاميركي على زيارة رئيسة الكونغرس نانسي بلوسي تايوان، مع ما يعنيه ذلك من تصعيد سياسي أميركي- صيني، وانعكاسه على الوضع العالمي. هذا فيما تتخذ الولايات المتحدة الأميركية خطوات تبدو كثيرة الغرابة. فلوهلة بسيطة يمكن اعتبار الإصرار الأميركي على زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان خطأً استراتيجيًا أميركيًا، لأنه كان يفترض بالأميركيين عدم استفزاز الصين إلى هذا الحد، طالما أنهم كانوا يحاولون استقطابها لعدم الانغماس أكثر إلى جانب روسيا في حربها الأوكرانية.
الأسلحة والطاقة أوروبيًالكن الأميركيين أقدموا على هذه الخطوة، على وقع انغماس روسيا في أوكرانيا، وبالتالي إعادة سباق التسلح إلى القارة العجوز. وهذا كله ربما نتاج عمل الشركات الأميركية.
فالسردية التاريخية المبسطة تقول إن واشنطن تواجه كل أزمة اقتصادية كبرى أو عالمية، بإعادة تحريك سوق الأسلحة الذي يحقق لها انتعاشًا. وهذا ما حصل في أوروبا، إضافة إلى جعلها مكسورة تحت الجناح الأميركي عسكريًا وعلى صعيد الطاقة أيضاً. وتفتتح الولايات المتحدة أيضًا عصرها الآسيوي، من خلال تعزيز العلاقة مع اليابان، الهند، وتعزيز تحالفها مع أستراليا أيضًا، ما يشير إلى حجم التحولات العميقة على الصعيد الدولي.أميركا والشرق الأوسط أمام هذه الوقائع تغدو منطقة الشرق الأوسط تفصيلًا. ولكن في الوقت نفسه تعمل واشنطن على تعزيز العلاقات مع دول الخليج، فيما تسعى للوصول إلى اتفاق مع إيران. وفي هذا الصدد تأتي المصادقة الأميركية على صفقات التسليح الكبرى للسعودية والإمارات، والتي كانت مجمدة سابقًا. ما يشير إلى محاولة واشنطن طمأنة دول الخليج. والموقف الأميركي الثابت يبقى مرتكزًا على أن لا إرادة أو رغبة بحصول حرب في منطقة الشرق الأوسط.
انطلاقًا من هذه القاعدة جاء المسعى الأميركي لترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، وسحب فتيل التوتر. هنا لا يتعاطى الأميركيون بأي عاطفية في إنجاز الملف، فيما إسرائيل تسعى للاستفادة، بعدما نجحت في حماية مطالبها، وأبرزها حقل كاريش. وهمها الأساسي تصدير الغاز. هنا يعرف حزب الله كيف يستفيد داخليًا من خلال تبني انتصار الترسيم في حال حصوله.
لكن إذا ما حصل الاتفاق وسط توقعات تشير إلى أنه سيكون أسرع مما هو متوقع، على ما تقول مصادر ديبلوماسية، فهذا يعني حصول متغيرات جيوستراتيجية، لأن ذلك سيستثمره حزب الله داخل لبنان، وستستثمره إيران في الإقليم. وإذا كان ذلك معطوفًا على تقارب بين إيران وأميركا، فيعني ذلك أن روسيا أصبحت مستبعدة من التأثير الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، إلا إذا عادت موسكو ونجحت في قلب الطاولة.مأزق الباخرة السورية من أبرز المؤشرات البسيطة لانعكاس تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا على لبنان، هو القضية المثارة حول الباخرة السورية التي سمح القضاء اللبناني بإطلاقها، نتيجة ضغوط سورية وروسية. وهذا أدى إلى اعتراض أميركي- أوكراني- أوروبي واسع، وصل إلى حدّ الشجب والاستنكار، وإدانة تصرف القضاء اللبناني، وإبداء الاستغراب حول الإقدام على هذه الخطوة. علمًا أن الأميركيين يؤكدون أن الباخرة مقرصنة ولديهم الدلائل.
هذا يفتح الباب أمام لنقاشات عديدة حول استمرار عمل شركة نوفاتيك الروسية في التنقيب بالحقول اللبنانية، علمًا أن عقوبات أميركية وأوروبية قد فرضت عليها.
من هنا جاء موقف أمين عام حزب الله بضرورة ضمان عمل الشركات في التنقيب، والتمهيد للاستخراج. وهذه المطالبة تأتي ردًا على كلام دولي وإقليمي يشير إلى رفض التعاطي مع لبنان وفق الصيغة القديمة والشخصيات التقليدية أو القوى القائمة. وهذا رد على كل المطالبات التي تركز على ضرورة المجيء بشخصيات جديدة إلى المواقع الأساسية. وهو أمر لن يكون مقبولًا من غالبية القوى، ولا سيما حزب الله حتى الآن. وهنا يمكن إدراج كلمة أمين عام الحزب عينه بأنه "مكلّف من الله"!الرئيس وما بعد الاتفاقلا وجود لأي مناخ دولي وإقليمي ملائم لحصول تطورات عسكرية في المنطقة. وهذا ما يدفع للذهاب إلى التسوية وإبرام الاتفاق. لكن يبقى الأهم: مرحلة ما بعد هذا الاتفاق، وكيف يتم التعاطي مع الاستحقاقات، بما فيها انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة. الموقف الغربي، وتحديدًا الخليجي- الأميركي، يتركز على ضرورة المجيء بشخصيات جديدة من خارج اللعبة السياسية. هذا أمر يثير مواجهة داخلية ما لم يتم الوصول إلى صيغة إقليمية- دولية أبعد يوافق عليها الجميع.