رحل، فجر اليوم الأربعاء، المايسترو والملحن إحسان المنذر عن 75 عاماً، وهو الذي عُرف كنجم ومفتاح للأغاني الضاربة في مرحلة الثمانينات والتسعينيات، لمجموعة كبيرة من الفنانين، وجمع بين كلاسيكية ماجدة الرومي وتجارية راغب علامة وأغاني الأطفال، واشتهر كثيراً حين قاد الفرقة الموسيقية لبرنامج "استديو الفن"، للمخرج سيمون أسمر، بين العامين 1982 و1988. لكن المنذر في المراحل اللاحقة، بدا أشبه بالمتقاعد رغم تعاونه مع بعض الفنانين.
المنذر الذي تعود أصوله إلى بلدة شمسطار البقاعية، ولد في بيروت، ومنذ سن السابعة بدأ يتابع أغاني عبدالوهاب وأم كلثوم التي كان والده يستمع إليها كل يوم بشغف، وكان يتابع من دون تحليل الكلمات والمعاني، فتغلبت عنده النغمة على الكلمة حسب عمره…حين نجح شقيقه في الشهادة الابتدائية، وكانا معاً في المدرسة العباسية الابتدائية – الرويس - حارة حريك - الضاحية الجنوبية لبيروت، أهداه والده آلة أكورديون لم يهتم الشقيق لها كثيراً، فكان من نصيب إحسان أن يجرب العزف عليها، وقبل ذلك جرّب العزف على الناي، الى أن جاء مرة صديق بلجيكي لأبيه سمعه يعزف "عزيزة" لعبد الوهاب فنصح الوالد بإدخاله معهد موسيقى. وهكذا دخل إحسان العام 1959 في الكونسرفاتوار الوطني (القسم الغربي) ليدرس البيانو والنظريات على يد الموسيقار الفلسطيني سلفادور عرنيطة (1914 -1985)، وأخذ دروساً خاصة مع الأستاذ الروسي تشيسكينوف (في بيته - رأس بيروت، وهو أيضاً أستاذ زياد الرحباني).سافر المنذر الى القاهرة ونال التوجيهية، ملتحقاً بعدها بجامعة عين شمس لدراسة العلوم النفسية والاجتماعية. لكنه، بعد سنة واحدة، استصعب دروس الفلسفة، فأشاح عنها، والتحق بكونسرفاتوار الهرم. يقول "عندما سافرت إلى القاهرة في سن الثامنة عشرة لنيل شهادة التوجيهية دخلت معهد الأهرام للموسيقى وكان مديره آنذاك أبو بكر خيرت، وقد تعرفت على الكثير من الموسيقيين، مثل رضا رجب وحسن شرارة وغيرهم، وقد التقيتهم في ما بعد في الاستديوهات أثناء تسجيل أغنيات لمشاهير الفنانين".وفي العام 1967 عاد الى بيروت والتحق بكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية لدراسة السياسة والاقتصاد. لكنه بعد سنتين، تخلى عن الدراسة الجامعية بعدما وجد هويته الحقيقية في الموسيقى، فسافر الى إيطاليا (1970) ملتحقاً بمعاهد خاصة في جنوى وميلانو ليدرس التأليف الموسيقي. وهناك تزوج من الإيطالية مارينا (له منها ماريا وأحمد وسارة) وأخذ يعزف البيانو ويغني (في ست لغات) في الفنادق وفي حفلات خاصة، وعمل مترجماً في القنصلية اللبنانية في ميلانو.. واشتهر بغنائه أعمال نات كينغ كول.عاد الى بيروت في العام 1979 ليعزف ويغني في فندق الكومودور، حيث اتفق ذات مساء أن حضر المخرج سيمون أسمر، ومعه المخرج روميو لحود، وكان يُعدّ لبرنامجه "استديو الفن" 1980 فاتفق معه على قيادة أوركسترا البرنامج.في مطلع الثمانينات طلب إليه الملحن نور الملاح أن يوزع له لحنَين لماجدة الرومي، هما "خذني حبيبي" و"عم يسألوني عليك الناس"، وكان التوزيع متقناً ولافتاً. سألته المطربة ماجدة الرومي: "مع هذا التوزيع الجميل المتقن، ألا تلحّن؟" فابتسم، لتبدأ رحلته مع التلحين لها بأغنيتين هما "يا نبع المحبة" و"ما حدا بيعبي" التي لحّنها في ليلة واحدة، وهي من كلمات مارون كرم. وكان اللحن أعطي قبله لفليمون وهبي، لكنه لم يُسجل. وتبعت ذلك أسطوانة للأطفال في خمس أغنيات ومنها: "طيري يا عصفورة" (شعر جوزف أبي ضاهر) انتقل لحنها الى إيطاليا وشاعت في المدارس وفازت بالجائزة الأولى في مسابقة بولونيا 1989، و"عندي بيسي" وغيرها. وتوج المشوار مع ماجدة الرومي بأغنية "كلمات" لماجدة الرومي (من شعر نزار قباني) العام 1990، ويقول المنذر "أغنية كلمات، أعطتني إسماً، حتى أن الملحن المصري الكبير كمال الطويل تحدث عني في إحدى المقابلات في مجلة "فن"، وكذلك الملحن بليغ حمدي هنأني وقال لي: في هذه الأغنية أكثر من لحن، أكثر من أغنية"...بالتوازي مع نجاحات المنذر في أغنياته لماجدة الرومي، كان يقدم الألحان "الضاربة" لراغب علامة بعد نجاحه في "استديو الفن" 1980، ومن أبرز الأغاني "الكتب العتيقه، بكرا بيبرم دولابك، عن جد بقلك عن جد، لو شباكك ع شباكي، برافو عليكي...". كذلك احتلت أغنية "وقف يا زمان" لجوليا بطرس ومن كلمات إيليا أبو شديد، المراتب الأولى في التسعينيات. وتوزعت ألحان إحسان المنذر على أصوات مكرّسة أخرى صباح، وليد توفيق، سميرة السعيد، آنوشكا، نجوى كرم، باسكال مشعلاني، علاء زلزلي، ميشلين خليفة،...وفي العام 1992 أنشأ الاستديو الخاص به، وجهّزه بتقنيات تقليدية وحديثة، وراح يسجل فيه أعماله وأعمال سواه، ومنها القسم اللبناني من "الحلم العربي" لطيفة، ميشلين خليفة،... ووضع موسيقى تصويرية لفيلمين: "الانفجار" و"المخطوف"، وأوبريت و"صية حب" مع ديانا حداد ووائل كفوري، ووزع موسيقى مسرحية "ايليا النبي" (نص ولحن أنطوان جبارة) إضافة إلى مسلسلات تلفزيونية.نال جوائز عديدةة، منها الجائزة الأولى من تونس سنة 1994 في مهرجان الميكروفون الذهبي، لأغنية "لا أريد اعتذاراً" بصوت سمية بعلبكي، والجائزة الثانية سنة 1996 في مهرجان القاهرة، لأغنية "نهر الأيام" بصوت لور عبس، شعر ايليا أبو شديد.عاش المنذر تجربة العمل الى جانب السيدة فيروز كعازف بيانو في حفلاتها في أميركا وأستراليا ومصر. وكان مقرراً أن يكون زياد الرحباني عازف البيانو في هذه الحفلات "لكنه اتصل بي لأكون بديلاً عنه، خصوصاً أن توزيعه صعب على البيانو، ولما عرف بدراستي في إيطاليا، فرح كثيراً لأنه ما كان قادراً على مرافقة والدته لارتباطه بأعمال اخرى، فاستعان بي".في احدى تغريداته كتب المنذر ثلاث ملاحظات يقارن فيها ما بين شفافية ونقاء البارحة ودعارة اليوم في الفن والسياسية، وقال: "ثلاث ملاحظات واعذروني: جمال عبد الناصر أخذ قرضًا من البنك الأهلي المصري ليشتري شقه فأعطوه القرض بنسبة ثلث مرتبِهِ.. عبد الحليم حافظ لم يترك ثروة سوى شقه في الزمالك يعادل سعرها قيمة حفلة واحده لأي مغني اليوم.. أم كلثوم بنوا فندقاً درجه رابعه فوق فيللتها على النيل.. أما بيت بيتهوفن فحولوه إلى متحف يزوره العالم كله.. تأملوا معي كم نحن متقدمين وعصرنا كله تقنيات كومبيوتر وموبايل ذكي واسم الله علينا".