أعطى الانفراج في ملفّ التصدير من أوكرانيا، أملاً بتخفيف الضغط الذي تعانيه الأسواق حول العالم، والتي تشهد صعوبة في تلبية احتياجاتها من الحبوب والقمح نتيجة الحرب في أوكرانيا. والانفراج المتأتّي بفعل بدء تنفيذ الاتفاق الدولي بين روسيا وأوكرانيا، بوساطة تركية وبإشراف الأمم المتحدة، يفتتح أولى بشائره بسفينة الشحن "رازوني" Razoni التي غادرت ميناء أوديسا، يوم الاثنين 1 آب، متّجهة إلى ميناء طرابلس في لبنان، على أن تمرّ قبلاً في اسطنبول ليتم تفتيشها والتأكّد من حمولتها. فهل سيخفّف هذا الانفراج، أزمة الخبز المحليّة؟الوزير يُطمئنطوابير الخبز والبحث عن الرغيف بشقاء، تجربة مذمومة. كما أن عدم إيجاد حلّ جذري لها، يقلق جدية التطمينات التي تطلقها وزارة الاقتصاد والأفران. ومع ذلك، يرى وزير الاقتصاد أمين سلام أن "أزمة الخبز تسير نحو الحل، وتراجعت الطوابير خلال اليومين الماضيين، والوزارة وضعت آلية شفّافة لمتابعة توزيع الطحين والخبز". وفي حديث لـ"المدن"، توقّع سلام "المزيد من الانفراج، إذ أن 90 بالمئة من الطوابير اختفت".
ويستند سلام في نظرته الإيجابية، إلى "إقرار قرض البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار، والذي سيضمن توفّر الخبز المدعوم لتسعة أشهر". ويُضاف إلى القرض "حل مشكلة التصدير بين أوكرانيا وروسيا. ما يعني عودة بواخر القمح إلى لبنان، بعد أن شهدت تأخيراً في السابق، وشكّلَ ذلك أحد أركان أزمة الخبز".الأفران مرتاحةأما الأفران، ورغم استمرار التوافد على الأفران بشكل كثيف، يرحّب عضو نقابة أصحاب الأفران عباس حيدر، باختفاء الطوابير بالصورة التي كانت عليها منذ نحو أسبوع. وبنظره، فإن "وصول كميات إضافية من القمح وبدء توزيعه على المطاحن، وتوزيع قوى الأمن الداخلي بونات طحين على الأفران، أدى إلى وصول الخبز إلى كل المناطق". ولمزيد من الطمأنينة، يقول حيدر في حديث لـ"المدن"، أن "الأفران خفّضت 1000 ليرة من سعر الربطة، وباتت تسلّمها بسعر 12 ألف ليرة للموزعين، الذين بدورهم يضيفون عليها بين 2000 و3000 ليرة حسب المسافات التي يقطعونها لتوصيلها إلى السوبرماركت والمحال في المناطق". ولضمان عدم شح الطحين، يجب على المطاحن ووزارة الاقتصاد تحضير طلبات القمح بأسرع وقت، لأن الشحنة تحتاج لنحو شهر ونصف الشهر لتكون في السوق. كما أن على وزارة الاقتصاد دعم الأفران الصغيرة وزيادة حصّتها من الطحين، لأنها تخفّف الضغط على الأفران الكبيرة.لا حلَّ جذرياًعلى أن الانفراج لا يعني معالجة المشكلة جذرياً، لأن الطلب أكبر من العرض، خصوصاً في هذه الفترة من العام، بفعل "توافد المغتربين والسياح، بالإضافة إلى استهلاك النازحين السوريين الذين يحتاجون يومياً إلى نحو 500 ألف ربطة. ما يعني أننا بحاجة لزيادة كمية الطحين بنحو 30 بالمئة عمّا نستهلكه شهرياً، أي نحو 27 ألف طن".
هذا الواقع يعني أن الانفراج حذر. ويتعزّز الحَذَر جرّاء عدم التخلّص من "الزعران" في القطاع. وهذا التوصيف أطلقه وزير الاقتصاد، الذي كشف في 27 تموز الماضي أن "الطحين سُرِق من البلد". فإذا كان الطحين يُسرَق، والزعران لم يُلقَ القبض عليهم أو ردعهم، فالمشكلة إذاً لم تُعالَج، ومهما دخلت سفن القمح أو الطحين، فستتبخَّر بفعل الفساد، لتعود الأزمة للظهور.سفينتان في لبنانلا تحمل سفينة رازوني قمحاً، بل 26.527 طناً من الذرة، أي أنها لن تساهم في رفد السوق بالقمح، وإنما إيجابيّتها تكمن في كونها مؤشراً على فتح الطريق أمام استيراد القمح بأسرع وقت ممكن. كما أن تسهيل وتسريع عملية التفتيش والتدقيق في تركيا، ووصولها إلى لبنان يوم الأربعاء 3 آب، كما هو متوقّع، يشي بجدية تنفيذ الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا، الذي بدوره يريح السوقين اللبناني والعالمي، فوثيقة الاتفاق تنص على ضمان "الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانىء الأوكرانية".
على أن رازوني لم تستطع حجب الضوء كلياً عن سفينة لاودسيا العالقة في مرفأ طرابلس، والتي تحمل 500 ألف طن من الشعير و500 ألف طن من القمح. بل إن لاودسيا التابعة للمديرية العامة للموانئ السورية، تطلق تحذيرات ضمنية من احتمال توافد سفن شبيهة، يُراد عبرها تنشيط التهريب، سيّما وأن أحداً من التجار اللبنانيين، لم يصرّح بأنه استورد طحيناً أو شعيراً عبر هذه الباخرة، ومع ذلك، تصرّ السلطات الروسية والتركية أن حمولتها غير مسروقة من المخازن الأوكرانية، على عكس ما تؤكّده أوكرانيا. أما الحسم، فعند القضاء اللبناني الذي يحجز على السفينة حالياً، بانتظار التحقيقات. ولا مشكلة لدى أوكرانيا بـ"إبقاء الطحين والحبوب في لبنان، لكن بطرق شرعية"، وفق ما أكدته السفارة الأوكرانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أما روسيا، فأعلنت أنها ستقدّم "الوثائق والمستندات التي تؤكّد أنّ البضائع الموجودة على متن الباخرة لاودسيا، هي بضائع روسية"، وليست مسروقة من أوكرانيا.