نظم عدد من المجموعات النسوية في لبنان، تظاهرة إنطلقت من أسفل جسر الرينغ في بيروت وصولاً إلى عين المريسة، تحت عنوان " نرفض، نتضامن، نتحرك: إلى الشّارع بوجه عنفكم". ضمت المسيرة الإحتجاجية عشرات المشاركين/ات غالبيتهم من النساء، من كافة الأعمار ومختلف الخلفيات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والعرقية، إجتمعن سويةً بهدف تسجيل الموقف الحاسم والرافض إزاء ما يحدث من جرائم تمييز وعنف وكراهية بحق النساء ومجتمع الميم – عين، والإنتهاكات الفضائحية المتتالية لحقوقهن التّي إنتهجتها المنظومة الحاكمة لعقود طويلة حتى اليوم.
قضايا عالقةانطلقت المسيرة حوالي السّاعة الحادية عشر، بعد ما يقارب السّاعة من بدء تجمع المشاركين/ات، وضمت عددًا ملحوظًا من الرجال إلى جانب عدد من النساء المهاجرات والعاملات الأجنبيات، وذلك بعدما نشرت صفحة "تحرك نسوي" الدعوة لهذه التظاهرة منذ ما يقارب الأسبوعين، والتّي ذكرت بمضمونها الأسباب الموجبة للتحرك. أبرز تلك الأسباب ما شهدناه مؤخرًا من جرائم القتل بحق النساء مضافةً لسجل طويل من القضايا الحقوقية العالقة كالتحرش والإغتصاب والمساواة ونظام الكفالة والحريات العامة وغيرها، تردد صداها في الشهور الأخيرة. فالجدل الواسع الذي أثاره موضوع المثلية والإنتهاكات التّي طالت المجموعات الكويرية مؤخرًا، وجرائم القتل بحق النساء العديدة وفي فترة زمنية قصيرة بدءًا من جريمة أنصار مرورًا بقتل نيرة أشرف وغيرها في مصر والأردن وصولاً لإنتحار قاصر في عكار بعد إرغامها على الزواج، قد جيشت الغضب النسائي العام.
وشددت الدعوة في مضامينها على رفضها لكل جرائم السّلطة العنفية وبالتالي تضامنها مع ضحايا هذه المنظومة الذكورية. تحركت النسوة الغاضبات من هذا الواقع الذي أقصاهن عن ركب الحداثة في الحقوق فضلاً عن الحريات. وكسرن القوالب الإجتماعية التّي كرسها رجال الدين والسّياسّة والتشريع منذ سنوات. ورفضن موائمة خطابهن ليتماشى مع قواعد اللعبة الجماهيرية، إذ تضمنت الشعارات المكتوبة والهتافات شتائم بحق الأدوار الإجتماعية التّي أُنيطت قسرًا بهن، فضلاً عن إدراج الخطاب النسوي في الأهازيج التّي رددها المشاركون/ات غضبًا وبترم واضح من الواقع المُعاش.شعارات جامعةوحمل المشاركون/ات لافتات دونوا عليها شعارات مطلبية وإحتجاجية: "الجرائم الأبوية ليست جرائم فردية"، "كلنا أولويّة: النساء، اللاجئات/ين، الكويريات/ين، العاملات والعمال الأجانب"، و"الحقوق لا تتجزأ، كل القضايا أولوية" كما وبرزت مطالب بوقف الإنتهاكات العنصرية بحق اللاجئين/ات السوريين، وقد علت الهتافات المنددة بالعنصرية والشعارات كالتالي: "الجوع مش عنصري إنتوا العنصريين، وأهلا وسهلا باللاجئين"،"على الهوموفوبيا، على المصارف، على الرأسمالية، على الفاشية، على اليمين، ثورة" وغيرها... وقد واكبت القوى الأمنية ووحدات الجيش المحتجين/ات من تقطة الإنطلاقة أسفل جسر الرينغ وصولاً إلى عين المريسة.
حقوق الفئات المسحوقةإلى الأزمة المالية والاقتصادية الضاربة، كان هناك بُعد آخر للتظاهرة النسوية التّي جابت شوارع العاصمة اليوم، والتّي دقت نواقيس الخطر من الأزمة الإنسانية التّي تتخلل يوميات الشعب اللبناني المأزوم، وهي الهدر والإنتهاك الواضح لحقوق النساء والذي كرسته المنظومة الذكورية. فحقوق المرأة كما باقي الفئات الجندرية المهمشة اليوم في لبنان، بحاجة ماسة لإعادة تأهيل كي يتم الحصول عليها، بإخراجها من النظام الأبوي الاجتماعي اللاقانوني، الذي غيب النساء في المقاعد الخلفية والدرجة الثانية.
تعيد النساء وباقي الفئات المسحوقة، رفع صوتها بعدما باتت معدلات العنف والجرائم بحقها في إزدياد مطّرد وإن هذه الحقوق رغم كل مزاعم السّلطة والمجتمع، غير قابلة لحذفها من سلم الأولويات، كأزمات البنزين والكهرباء وحليب الأطفال وغلاء السّلع الأساسية. فالفوط الصحيّة سلعة أساسية لنا ولن نخفي عجز نظامنا الاقتصادي من عدم تأمينها. وهو النظام الذي أسقط معظم الشعب اللبناني في دوامة الفقر والفاقة. وإمعان هذه المنظومة بكل فسادها في حرمان النساء من أبسط حقوقهن اللصيقة هو حكم بإلغاء النساء. وهذا بحدّ ذاته جريمة في حق الإنسانية والنساء أجمعين.