2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo اعلام العدو يزعم استهداف هذه الشخصية logo حزب الله نعى الشيخ نبيل قاووق logo منسق خطة الطوارئ: 1640 شهيداً و8408 جرحى logo إيران: اغتيال نيلفوروشان في لبنان لن يمر بلا ردّ logo اليوم السابع: مجازر في الغارات بقاعاً وجنوباً وضاحيةً logo بالفيديو… إليكم ما شهده المطار اليوم logo اغتيل مع نصرالله... من هو الرجل الثاني في الحرس الثوري الإيراني "عباس"؟ logo بالأرقام... تفاصيلُ "الوضع الراهن" إثر الاعتداءات الاسرائيلية
أغلفة نجيب محفوظ ومِيتاته المضاعفة
2022-07-30 13:26:05

الجدل، أو لنَقُل الغضب، الذي أثارته الأغلفة الجديدة لروايات نجيب محفوظ -طبعة دار "ديوان"، يتقاطع مع سلسلة الجدالات المتتابعة حول الجماليات البصرية والتشكيلية في مصر. جدالات هي أقرب إلى الاستياء، منها إلى النقاش، وتمتد أرضيتها من التخطيط المديني وتصميم العملة البلاستيكية الجديدة، وصولاً إلى عمارة العاصمة الإدارية الجديدة وجداريات محطات مترو الأنفاق. الزوبعة الأخيرة تشي بأن الغلاف هو نوع من النصُب العام، وحين يتعلّق الأمر بروايات محفوظ، فإن تلك العمومية تأخذ طبيعة أكثر كثافة، بفضل المقام الذي ناله محفوظ عبر عقود طويلة ولأسباب لا حاجة لسردها. هكذا يجد الجميع أنفسهم معنيين، بل وملزمين بالاستياء أو ربما الدفاع، كأصحاب حصة في ذلك الميراث المشترك، الذي تركه محفوظ وغيره من الكتّاب الكبار لكن بلا وصية. وكما يجدر بالآداب العظيمة، يكون عمل محفوظ مشاعاً معنوياً، وأغلفة كتبه في تتابع طبعاتها، جدارية بحجم منمنمات تحفظها رفوف المكتبات، العامة والخاصة، وتتناقلها الأيدي، وتُدس في الجيوب وتحت الوسائد، في تلك المساحة الشاسعة لتداخلات ما هو صرحي وعام، مع ما هو أكثر حميمية وذاتية، وكأن الغلاف أيقونتنا الحديثة، تتفاوت معانيها وهي منصوبة على جدران الهياكل أمام جمهرة المتعبّدين، وتُعلّق في البيوت وعلى الصدور كتعويذة فردية.جمال قطبالشعار الممجوج من فرط استهلاكه، "موت المؤلف"، يكتسب طبقة إضافية من المعاني، حين يكون المؤلف ميتاً فعلاً. هنا، تسقط استعارة الموت، أو يضحى الموت مضاعفاً. ماذا لو كان محفوظ حياً؟ هل كان ليرضى بنشر رواياته بتلك الأغلفة الجديدة؟ يُنقل عن الفنان جمال قطب، مصمم أغلفة محفوظ في نسخة "دار مطبعة مصر"، أن محفوظ لم يتدخل أبداً في تصميماته. لكن هل كانت أغلفة قطب مُرضية حقاً؟ أم أن أغلفته المزدحمة والتي تشبه أغلفة الروايات الشعبية الأميركية في الخمسينات اكتسبت قيمتها من مجرد الحنين الذي تفرضه ذاكرة الاعتياد والفقد المجبول بالزمن؟ وهل تقديرنا لها اليوم نابع من علاقتها مع النصوص والهالة المحيطة بصاحبها؟منذ ظهور الكتابة، مات المؤلف مِيتات كثيرة بالطبع، لكن متى ولد الغلاف في العالم؟ قبل المطبعة، كان العصر ممتداً للكتاب الكنز، النص المقدس والمنسوخ باليد، أما الغلاف فلم يكن غلافاً، بل صندوقاً مُطعّماً أو حاوية من الجلد القوي. كانت القيمة الاستعمالية للغلاف، أي الحِفظ، تغلب على أي قيمة أخرى. والزخرفة الخارجية جزء من الصنعة اليدوية، وإضافة للقيمة التبادلية للكتاب، أي إلى سعره، ومع هذا لم تصل لأن تكون نصاً بصرياً مستقلاً يضيف إلى معنى المكتوب أو ينتقص منه.في الحقيقة لم يولد الغلاف مع ظهور المطبعة، بل يؤرَّخ لميلاده لاحقاً في العام 1820، في مطلع عقد تقاطعت فيه الثورة الصناعية مع انتشار الرواية الشعبية. في العقد التالي، وُلد الغلاف مرة أخرى، كجراب خارجي للكتاب وليس كجزء منه، وهذه مرحلة ستُستعاد مراراً للكتاب الهدية، بزينته وتطريزاته بالحرير وخيوط المعادن النفيسة أحياناً. كان هذا نوعاً من الكتب يستمد قيمته من جرابه، فيما كان نصه عرضاً جانبياً أو نوعاً أدنى من الزخرفة الداخلية، زخرفة يمكن قراءتها بالطبع، لكنها ليست هي المحتوى. البعض الآخر يحقّب ميلاد الغلاف إلى ما بعد هذا بعقدين، حين ظهرت الطباعة المذهّبة محفورة على واجهة الكتب للمرة الأولى. أما الغلاف الذي نعرفه، أي الغلاف الحديث، فلعله ولد في العام 1935، مع السلسلة الأولى التي انتجتها Penguin من الغلاف الورقي. كانت تلك ثورة صغيرة، حين أصبحت مادة الغلاف من مادة ورق النص، تحوُّل كان دافعه تطور التقنية والرغبة المحمومة في المزيد من التوفير. في هذا جاء الغلاف الورقي كتوأم للكتاب الجماهيري وكتب الجيب، وتأبيداً لفراق قد حدث بالفعل قبل وقت طويل بين الغلاف والنص، بين السطح والداخل. ومع اتساع قاعدة القراءة في النصف الثاني من القرن العشرين، تأكد وضع الغلاف كمادة دعائية وسلعة في حد ذاتها، وبوصفه عملاً فنياً مستقلاً بنفسه، على الأرجح واحد من أول صور "البوب آرت" وأوسعها انتشاراً.أغلفة محفوظ، كغيرها من الأغلفة، لا تنتمي للمؤلف ولا ترتبط بالضرورة بالنص، ربما ترتبط بأساليب مصمميها، أو هي تحمل نسقاً بصرياً يرتبط بسلسلة بعينها أو بصمة تشكيلية تميز إصدارات الناشر، ويرتبط هذا كله بالذائقة الاستهلاكية والفنية لفترة بعينها. الانتعاش الذي لحق سوق الرواية العربي في العقدين الماضيين، قاد إلى اشتداد المنافسة بين الناشرين، وانفجار لونيّ وتشكيلي في الأغلفة للفت انتباه السوق. تناسب أغلفة محفوظ الجديدة، هذا الوصف تماماً، بعضها في الحقيقة ليس سيئاً، والبعض الآخر في غاية القُبح، وعدد صغير منها ربما يكون أفضل من أغلفة الطبعات السابقة، أو على الأقل ليس أدنى منها جودة. هذا كله يظل حُكماً انطباعياً، وعُرضة للاختلاف، لكن الأكيد هو أن علاقة الغلاف الوحيدة بالمؤلف، هي في تأكيد مِيتاته الكثيرة.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top