2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo اعلام العدو يزعم استهداف هذه الشخصية logo حزب الله نعى الشيخ نبيل قاووق logo منسق خطة الطوارئ: 1640 شهيداً و8408 جرحى logo إيران: اغتيال نيلفوروشان في لبنان لن يمر بلا ردّ logo اليوم السابع: مجازر في الغارات بقاعاً وجنوباً وضاحيةً logo بالفيديو… إليكم ما شهده المطار اليوم logo اغتيل مع نصرالله... من هو الرجل الثاني في الحرس الثوري الإيراني "عباس"؟ logo بالأرقام... تفاصيلُ "الوضع الراهن" إثر الاعتداءات الاسرائيلية
أفزلكةً نريدُ أم فلسفة
2022-07-28 16:56:00

"الفزلكة" مصطلحٌ عامي شائع وكثير التداول في مجتمعاتنا الشامية، والواقع أن له جذوراً في العربية الفصحى: فالفزلكة في الأصل الفذلكة (بالذال لا بالزاي). وللفذلكة دلالات متعددة عابرة لمختلف المجالات (وليس لنا، لضيق الوقت وقلة الحيلة، أن نتفذلك في هذا الصدد)، فالقصد من الإشارة إلى هذا المصطلح بهيئته العامية، التي تفيد الإطالة والإسهاب والإكثار من الكلام بهدف الإفحام، هو الإحالة إلى قضية جديرة بالتقصي، ما هي إلا انعكاس لتهافت مجتمع وما يقوّمه من مؤسسات تربوية بالدرجة الأولى، ألا وهي تحويل "الفلسفة"، التي لا خلاف في بعض أواسط أهل العلم والمشتغلين بشتى المعارف على سموها ورفعة مقامها، إلى "فزلكةٍ" في الأقسام التي تعنى بتدريسها.ما الفلسفة؟سؤالٌ فلسفي الطابع! فالفلاسفة وإن أمعنوا في الاختلاف في ما يتعلق بالقضايا التي تمثل محاور ميادين الفلسفة المتعددة، من مسائل الميتافيزيقا الكبرى التي تجاوز حدود التجربة الموضوعية من قبيل سؤال الكينونة والهوية والألوهة والزمن، إلى مسائل الأخلاق النظرية والعملية وما تنطوي عليه من مباحث جادة كتلك التي تتعلق بحرية الإرادة والتسيير والتخيير والمسؤولية والواجب والضمير، مروراً بنظرية المعرفة التي تسائل المعارف وطرقها ومنهجيتها ومداركها وحدودها وما يفرق بين العلم والرأي إلى علم الجمال الذي يعنى بالفن وطبيعة الأذواق، أقول وإن أمعن المتفلسفون في اختلافهم إزاء الإشكاليات آنفة الذكر، هم الذين اتفقوا على ألا يتفقوا، يقرون بأنه ليس للفلسفة تعريف جامع مانع يحيط بكافة جوانب هذا الصرح الفكري المهول ولو أن بعضهم ذهب مذهباً يقضي بتصييرها أنظومة واضحة المعالم تقتصر على التحليل المنطقي الصارم بما تقتضيه مصلحة العلم الحديث.وقد رُصدت محاولات عديدة لتعريف الفلسفة بما يتخطى دلالتها اللغوية وما يتأتى عنها من تأويل مصطلح "الفلسفة" المركب الذي يعني "حب الحكمة" في اليونانية ولو أن بعضهم بلغ من الشاعرية مبلغاً عظيماً في هذا الصدد، وقد تمثلت هذه المحاولات بكتبٍ تناهز العشرة وسمّيت جميعها بعنوان "ما الفلسفة؟"، أشهرها ما ألفه كل من جيل دولوز وفليكس غواتاري والذي صدر العام 1991. ومن طريف ما قيل إن لا خوف على الفلسفة من الضمور ما دام الاختلاف حول تعريفها قائماً. لكن لن يستقيم لنا أن نمضي قدماً إذاً، ما لم نصطلح على تعريفٍ _وإن كان جزئيا أو بسيطا_ للفلسفة. ولذلك سنتوسل بقولة "كارل ياسبرز" التي تفيد بأن كلَّ طفلٍ فيلسوفٌ، فما الذي يشترك فيه الطفل والفيلسوف؟ أظنه الفضول الجامح الذي يتملك كلا منهما، ويدفعهما إلى تعليق علامات الاستفهام بكل شاردة وواردة من ظواهر العيش المدهشة، والدهشة عند "أرسطو" أصل التفلسف ومنبعه. وعليه، فلنصطلح على تعريف الفلسفة تبعاً لأهم متطلباتها ومنابتها: "تساؤل حرٌّ وصادقٌ وجريء يحدوه الفضول الأصيل".هل ولّى زمن الفلسفة؟تلك إشكالية تعتبر موضع جدل، مختلَفٌ في أمرها. ففي حين يرى البعض أن زمن الفلسفة قد ولى إلى غير رجعة، وأنه قد آن الأوان لإحلال العلوم التجريبية الأكثر نفعية محلها، وأن عالمنا الحديث بالغ السرعة، استغنى عن حاجته إلى الفلسفة، يرى البعض الآخر أن بنا اليوم حاجةٌ إلى الفلسفة أكثر من أي وقت مضى، بحكم استفحال التقانة وتوحش الرأسمالية وأدواتها على حساب أكثر النشاطات الإنسانية إنسانيةً وهو التفكر ملياً في ما يجري ويحدث وتظهرنا عليه حياتنا التي تزداد تعقيداً. ويُظن أن هذا التعقيد حريٌّ بالمساءلة الفكرية التي لا تقوى عليها إلا أدوات الفلسفة بما هي منهج يميط اللثام عن الحقائق ويسبر غورها، وأسلوب حياة قد يقي صاحبه ضنك العيش أو يسهل تعايشه وإياه فيكون للحيوان الناطق الواعي بذلك عزاء وسلوى.الفلسفة وتعليمها في لبنان (الجامعة اللبنانية نموذجًا)يرى إميل سيوران أن الفلسفة لا تُعلّم، وأن كرسي الأستاذية مقتلة الفلسفة، فالمنصة التي يعتليها معلم الفلسفة لديه مذبحٌ لها. ونحن لما تطرقنا إلى مقولة ياسبرز التي أعانتنا على صوغ تعريفٍ بسيط لموضوعنا، أغفلنا تتمّتها عمداً، لنعود ونتناولها في هذا الشق، إذ أنها تدلل على أثر التعليم في الجذوة الفلسفية لدى الأطفال الجهال تبعاً لمعايير الأكاديميا. يقول صاحبنا ما معناه إن التعليم يخمد هذه الشعلة ويجلب المُحل على عقول الأطفال المرنة فتستحيل موضوعاً للقولبة. وبذا تقتل مناهجنا التربوية الفضول في مهده ليغدو فعل التفكر محالاً، فتتقلص إذ ذاك نفاذية العقل وتقتصر مشاغل الفكر على الضحل من الأمور التي قد تمثل بنسبة ضئيلة مادةً للتفلسف وإعمال الذهن. وليتسنى لنا ولوج موضوعنا الأساس، لا بد لنا من المرور وإن لماماً على واقع تعليم الفلسفة في المرحلة الثانوية. أدرجت مادة الفلسفة في المناهج اللبنانية أسوة بالمناهج الفرنسية، إلا أنها قُلّصت شيئاً فشيئاً بفعل التعديلات التي طرأت على المنهج في العام 1997 بما يوائم خصائص العقلية اللبنانية والنظام السياسي الذي أرساها بحسب بعض الأساتذة. يتعرف الطالب إلى المادة في عامه الثانوي الثاني بفرعيه الأدبي والعلمي، ولا يخفى على الملأ أن جل الطلاب لا يولونها نصيباً من الأهمية كذلك الذي تلقاه المواد الأخرى وبخاصة العلمية منها، إلا من رحم ربي. كذلك ينجذب الطلاب إلى كفاياتها التي تتقاطع ومبادئ علم النفس كالميول والوعي واللاوعي، على حساب محاور أخرى تتناول الأخلاق والعلم، وهذه نقطة جديرة بالاهتمام لناحية الدوافع التي يلتحق بفعلها الطلاب بقسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية لاحقاً. وبين مُقرَّر السنتين الثانية والثالثة، ثغرة معرفية ينبه إليها أهل الاختصاص، فلا يمكن اعتبار ما يُدرَّس في السنة الثانية مقدمةً لما يتبع في العام التالي، خصوصاً ما يتعلق بمادة الفلسفة العربية التي ينفرد بها فرع الإنسانيات. أما حديث قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية، فسنسرده بلسان بعض الطلاب حديثي العهد به، إيماناً منا بأن الانطباع الأولي أصدق وأبلغ أثراً. ذلك أن قصر المدة يحول دون ابتلاء الطلاب بما يسمى "متلازمة ستوكهولم"، وإن الأسئلة التي طُرحت عليهم تدور أغلبها في فلك الأسباب التي نحت بهم إلى دراسة هذا الاختصاص، ومدى رضاهم عن التجربة التعليمية، ومآخذهم على المناهج والأساتذة، وما يرونه مكمن خلل ونقطة ضعف أو مصدر قوة وجانبا محمودا إيجابي الأثر. وسنعمد، حرصاً منا على سرية الطلاب وإفاداتهم، إلى إيراد شهاداتهم ورؤهام تحت أسماء مستعارة. نبدأ مع "ندى" التي دخلت القسم بغير قصد، إلا أن إعجابها بالفلسفة ومباحثها ازداد بوتيرة ملفتة، على الرغم من تحفظها على بعض أساليب التدريس المتبعة في القسم. هي ترى أن ثقافتها لا بد وأن تصقلها الفلسفة لتبدو أكثر تمايزاً، كما تشير الصديقة إلى ظاهرة تذمها، تتمثل في محاولة بعض المحاضرين "الإسقاط" على المقررات بما يتناسب ومذاهبهم الخاصة. إلى "زينة" التي تعتقد أن التغيير لا بد وأن يطاول المنظومة كافة، فما نراه من رداءة حال القسم، ما هو إلا انعكاس لأوضاع بلد هش تعتريه الأزمات. وتعتبر أنها لاقت التمييز على خلفية انتمائها الديني، واستهجنت مخالفة بعض مقالات الفلسفة لبعض مسلَّمات دينها، وهذا ما "لا يجوز" على حد تعبيرها. أما "هاني" الذي دخل القسم بدافع الشغف، فقد عبّر عن عظيم الخيبة والصدمة اللذين انتاباه عند سماعه المحاضرات التي يغلب عليها التلقين بما لا يحفز ملكة النقد التي هي عماد الفلسفة برأيه، زِد على ذلك أن الأقلية ذات الكفاءة المهنية تفتقر إلى أدنى مقومات العيش ما يمنع الأساتذة من استثمار كامل طاقاتهم في هذا المجال. ثم "رويدة" التي التحقت بركب العلم بعد طول انقطاع لأسباب يتعلق بعضها بطبيعة مضامين الاختصاص وبعضها الآخر بأن الراغبين في التخصص فيه ليسوا ملزمين بالخضوع إلى امتحان دخول، كما انتقدت "رويدة" غير مرة أساليب الإملاء الجامد، والجمود الفكري الذي يتصف به معظم الأساتذة والطلاب الذين التحقوا بالقسم لا طلباً للحقيقة، بل تسويغاً لما ورّثهم إياه آباؤهم من قناعات ويقينيات يصعب معها المضي قدماً، بحسب تعبيرها. ناهيك عن أولئك الذين اختاروا الفلسفة ظناً منهم بأن مواضيع الفلسفة هي هي مواضيع علم النفس (هذا ما لمّحنا إليه آنفاً). إذن، نحن أمام صنفين من الطلبة يجمعهما الامتعاض، أحدهما هاله ما قد تبعث عليه دراسة الفلسفة من نزوع قد تؤدي إلى الزندقة والجحود بالأعراف والقيم التي نمتاز بها دون الأمم، والآخر يدعو إلى العدول عن تغليب النكهة الدينية التي تنتمي إلى الحوزات وكليات اللاهوت لا إلى صرح أكاديمي في دولة تعثرت في مسيرتها ناحية العلمانية.اليوم ينادي بعض الأساتذة بتفعيل السمة الشَّرطية للتفكير الفلسفي وهي "الحرية" فإذا ما لم ننجح في ذلك أصبحت الفلسفة فزلكةً وانتفى شرط وجود أقسام الفلسفة.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top