2024- 11 - 25   |   بحث في الموقع  
logo في بلدة شمع.. “الحزب” دمّر دبابة “ميركافا” logo إستهداف حافلة عسكرية على طرق حمص – مصياف logo طائرة إغاثة قطرية وصلت لبيروت:مجموع المساعدات بلغ 895 طناً logo رئيس بلدية برج الملوك : لا انسحاب للجيش من البلدة logo انطلاق مباراة لبنان وسوريا في تصفيات كأس آسيا لكرة السلة logo اجتماعات للكتل تسابق جلسة الخميس... التمديد لقائد الجيش أصبح واقعاً؟! logo غارات اسرائيلية على بعلبك... بالفيديو: لحظة استهداف المدافن! logo "تفاؤل مشروط"... لبنان أمام مرحلة صعبة!
الطب النفسي ورهاب المثلية: تاريخ أسود محفوف بالعار
2022-07-27 13:56:03

متنكراً بقناع وجه الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ومستخدماً المايكروفون للتلاعب بصوته، وقف الطبيب النفسي جون فراير أمام أعضاء جمعية الطب النفسي في العام 1972 معلناً: "أنا مثلي. أنا طبيب نفسي".ألقى فراير خطابه يومذاك من دون الافصاح عن هويته، لما سيترتب على هذا الاعتراف بالمثلية من عواقب وخيمة على حياته المهنية والاجتماعية. كان ذلك في وقت شكّل فيه الطب النفسي سلطة لإدانة المثليين عبر وصمهم بالمرض، فكان لخطاب فراير دور أساسي في وضع حدّ لهذه السلطة التعسفية وإلغاء تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب عقلي، في الولايات المتحدّة أولاً، ومن ثمّ عالمياً.يعدّ الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM)، الذي تصدره الجمعية الأميركية للطب النفسي، المرجعية الأولى لتشخيص وتصنيف الاضطرابات النفسية، ويتمّ تحديثه وتنقيحه باستمرار لمجاراة التطور الحاصل في المجال. في نسخته الأولى ضمّ الدليل المثلية الجنسية تحت تصنيف "اضطراب الشخصية السوسيوباثية" أولاً (1952)، ثم ضمن فئة "الانحراف الجنسي" في تعديل العام 1968. تزامن هذا التصنيف مع خروج العالم من براثن حربين متتالتين، وما رافقه من محاولات للعودة الى "الطبيعي" في السياسية والمجتمع. بالتأكيد كانت الجنسانية المغايرة جزءاً أساسياً من هذا "الطبيعي" الذي يستدعي الامتثال لكود سلوكي وأخلاقي محدّد لا يحتمل التعددية والاختلاف.لا داعي للخوض في التاريخ المظلم للطب النفسي من أجل تبيان سقطاته العلمية والاخلاقية، بل والإنسانية أحياناً. فماضيه الحافل بالاضطهاد والحجز والتقييد والتعذيب، وصولاً الى استئصال فص المخّ، معروف للجميع. وهو القطاع "العلمي" نفسه الذي علّل، في القرن التاسع عشر، نزعة العبيد الى الهروب من أسيادهم بإرجاعها إلى اضطراب نفسي (درابتومانيا) ناجم عن ميلٍ فطري "للتجوال". لكن الجدير بالذِّكر هنا أنه، على مدى العقدين اللذين اندرجت خلالهما المثلية ضمن دليل الاضطرابات النفسية، استخدم هذا التصنيف الرسمي كأداةٍ سياسية لمحاربة المثليين على شتّى الصعد، إذ كان عذراً كافياً لطرد الفرد من عمله، أو نفيه الى "مشفى مجانين"، أو تعريضه للعلاجات التحويلية التي كانت أشبه بأساليب تعذيب.
لكن مع انطلاق الحراكات السياسية الشعبية في ستينيات الولايات المتحدة، لم يعد بوسع أطباء النفس الاسئتثار بالسردية المرتبطة بالمثلية الجنسية، واضطروا الى إشراك الرأي العام في هذا النقاش، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات المناهضة للطب النفسي وممارساته التمييزية. وعليه، تنازلت جمعية الطب النفسي للناشطين المثليين الذين اقتحموا مؤتمرها السنوي في العامين 1970 و1971 على سبيل الاحتجاج، فدعتهم الى مؤتمرها في العام التالي للمشاركة في حوار بعنوان "الطب النفسي: صديق أم عدو للمثليين جنسياً؟".على دفتي الحوار جلس طبيبان نفسيان وشخصان مثليان. السيناريو الأمثل بالنسبة لمجتمع "الميم عين" كان يقتضي حضور مُحاور يجمع بين الهويتين، أي طبيب مثلي، إلا أن أحداً من الأطباء المنضوين في الجمعية السرية للأطباء المثليين لم يكن مستعداً للمجازفة بالكشف عن هويته والمخاطرة بكل ما يملكه من رأسمال مهني واجتماعي. لكن في السنة التالية، كان فراير جاهزاً للخروج عن صمته، وإن مِن خلف قناع. وخلال خطابه، توجه فراير الى زملائه النفسيين، لا سيما المثليين منهم، مطالباً اياهم بتقبل جنسانيتهم، وهي بالنسبة إليه مرادف لـ"إنسانيتهم"، قبل الشروع في معالجة المرضى. دعاهم فراير أيضاً إلى مراجعة انحيازاتهم الخاصة، والتنبه للسلطة بين أيديهم، فضلاً عن التعامل بحذرٍ نقدي مع مؤسسة الطب النفسي التي "نتزوج منها، نحن الأطباء المثليين، رغم أنها لا تتوانى عن مضغنا وقذفنا متى ما عرفت أو اعترفت بحقيقة مثليتنا". فلتعريف الصحة الذهنية، حاجج فراير: "لا بدّ للاختصاصيين النفسيين أن يفهموا بوضوح ما يعنيه أن يكون المرء مثلياً معافى في عالم يرى أن الجمع بين المثلية والصحة هو مفارقة تاريخية مستحيلة".نال فراير يومها تصفيقاً حاراً، وساهم، جنباً الى جنب، في الحركات الناشطة في الشارع، مثال اعتصام "ستونوول" في نيويورك، الذي استمر حوالى أسبوع، لحثّ الجمعية الأميركية على مناقشة إزالة المثلية الجنسية من دليل تشخيص الاضطرابات النفسية. ومع توصّل اللجنة المكلّفة الى قرار إسقاط الصفة المرضية عن المثلية، برز الانقسام بين أعضاء الجمعية الذين دعا بعضهم الى ردّ القرار، فأُخضعت المسألة للتصويت الذي كسبه مؤيدو قرار الإزالة بأكثرية خجولة نسبتها 58%.اضطرت الجمعية حينها الى المساومة مرة أخرى، فخرجت ببدعة استبدال التصنيف المرضي للمثلية باضطراب مُخترع هو "الجنسية المثلية المرفوضة من الأنا". ويشير هذا الرمز التشخيصي إلى الأفراد الذين يعانون ضغوطاً نفسية بسبب ميولهم المثلية، ما أبقى الباب مفتوحاً أمام العلاجات التحويلية. والملفت أن هذا التصنيف لم يُلغَ من التصنيف العالمي للأمراض- الذي تعدّه منظمة الصحة العالمية- حتى العام 2019. لكن بالعودة الى قرار اللجنة، فإنه جاء بعد قيامها، للمرة الأولى على الأغلب، بدراسةٍ علمية قارنت فيها النظريات النفسية التي تناولت موضوع المثلية. وتنقسم هذه النظريات بين تلك التي تقارب المثلية من زاوية مَرَضية، وتلك التي تعتبرها تنويعاً طبيعياً للجنسانية، إضافةً الى النظريات التي تضعها في إطار النمو النفسي الجنساني غير المكتمل.في الفئة الأولى، أي الباثولوجيا، يتم ارجاع المثلية الى عيبٍ خلقي ومرض تنكسي. تهيمن على هذه الفرضيات النزعة العقائدية التي ترى في المثلية الجنسية فساداً أخلاقياً، وهو ما أدّى حكماً الى استبعادها من دائرة المراجع العلمية ذات الشرعية التشخيصية. أما النقاش حول منافاة الجنسانية المثلية للطبيعة البشرية المحكومة بغريزة التكاثر، فإن هذه الحجّة سقطت أمام الاحصاءات التي تشير الى الانتشار الواسع للميول المثلية لدى البشر، ما يجعلها متساويةً في "طبيعيتها" وفطريتها مع الجنسانية المغايرة، خصوصاً أن التباين في الانتشار والظهور بين أشكال التعبير الجنسي، يمكن أن يُعزى بجزء كبير منه الى مسببات اجتماعية وثقافية، لا بيولوجية أو نفسية.اللافت أن أشدّ المعارضين لهذا التحوّل الذي طرأ على تصنيف المثلية، كانوا المحللين النفسيين الأميركيين، الذين رفضوا تغيير موقفهم من المثلية بوصفها اضطراباً، وذلك حتى منتصف التسعينيات. إن تعنت جمعية المحللين النفسيين لم يكن مفهوماً، خصوصاً أنه يقف على تناقض واضح مع توجه مؤسس مدرسة التحليل النفسي لاعتبار المثلية "تنويعاً من تنويعات الوظيفة الجنسية". فقد عارض فرويد بشكل قاطع أي محاولة لفصل المثليين عن بقية الجنس البشري باعتبارهم مجموعة ذات طابع خاص، وذلك انطلاقاً من إيمانه بأن الفطرة البشرية ثنائية الجنس، بمعنى أن الرغبة الجنسية الطفولية لا تفرق بين ذكور وإناث. إن نضوج الميل الجنسي واتخاذه اتجاهاً أحادياً نحو جندر محدّد لا يحدث سوى لاحقاً وبموجب عملية التربية والتماهي مع أحد الوالدين، بما تخضع له هذه العملية من متغيرات ثقافية واجتماعية. ورغم أن فرويد علّل التوجه المثلي بعدم اكتمال النمو السايكولوجي ضمن سيرورة العقدة الأوديبية، إلا أنه اعتبر أنه "ليس فيه ما يدعو الى الخجل، فالمثلية ليست رذيلة ولا انحطاطاً". وقد كان من أوائل الذين نفوا الصفة المَرَضية عن المثلية مؤكداً بأنه "لا يمكن تصنيف المثلية كمرض، إذ أنها لا تنتقص من كفاءة الأفراد المثليين الذين نلحظ لديهم تطوراً فكرياً مميزاً وثقافة أخلاقية عالية".وعند فشل تجربة فرويد في اعادة توجيه الميول الجنسية لإحدى عميلاته المثليات، استنتج أن أي محاولة لتحويل شخص مكتمل النضج من مثلي الى مغاير، أو العكس، تكاد تكون معدومة الحظوظ. إلا أن جزءاً كبيراً من أتباع فرويد، أو محللي الجيل الثاني، قرروا السير في اتجاه معاكس مقدمين طرحاً جديداً حول المثلية الجنسية وأساليب "شفائها". ومن أبرز هؤلاء ساندور رادو، وهو محلّل هنغاري هاجر الى الولايات المتحدة، وكان لنظرياته أثر بالغ في الفكر النفسي والتحليلي في أميركا القرن العشرين.لا شكّ بأن هذا الموقف يشكّل علامة سوداء في تاريخ التحليل النفسي، وهو ما حمل الجمعية الأميركية، منذ ثلاثة أعوام، على تقديم اعتذار عما بدر منها تجاه المثليين خلال القرن الماضي. أما في لبنان، فيستمرّ جزء من أتباع هذه المدرسة، لا سيما أكاديميو الجامعة اللبنانية، في إبداء رهابهم من المثلية بل وتضمينها في مناهجهم عبر تدريس الطلاب أساليب العلاجات التحويلية وإقامة ندوات لهذا الغرض. ويتذرع هؤلاء بموقف فرويد -والعِلم عامةً- المُعادي للمثلية، مع عدم وجود أي رقابة تردعهم عن اطلاق أقوال مضللة من هذا النوع. وقد أضحت حجة أن "العِلم قد أثبت منافاة الجنسية المثلية للطبيعة"- غير المُسندة الى أي دليل أو رأي عِلمي- أسطوانة مكررة على ألسنة طلاب علم النفس في الجامعة اللبنانية، والذين سيتولون قريباً "علاج" فئة لا بأس به من الشعب اللبناني الذي يكفيه ما يعانيه من أزماتٍ وعوارض.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top