في وقت يتجه نواب الأمة إلى وإقرار القانون الرامي إلى تجميد العمل بالمادة الثانية من القانون 515، الذي يحدد نسب توزع ميزانيات المدارس الخاصة (65 بالمئة كلفة الرواتب والأجور و35 بالمئة الكلفة التشغيلية) لتحديد حجم الأقساط، تتجه الأنظار إلى مصير العام الدراسي المقبل بعد تردي أوضاع القطاع الرسمي ولا سيما لناحية صناديق المدارس ورواتب وأجور الأساتذة.غياب الرقابة وعشوائية الأقساطفي حال أقر نواب الأمة هذا القانون سيطلقون يد إدارات المدارس الخاصة في تحديد الأقساط عشوائياً في ظل غياب الرقابة والتدقيق. وقد باشرت معظم المدارس الخاصة بدولرة الأقساط من العام الفائت، تحت مسميات مساعدة صناديق المدارس، وافتتحت العام المقبل بفرض دفع جزء من القسط بالدولار، ورفع الأقساط بنسب خيالية وصلت إلى أكثر من ثلاثمئة بالمئة. هذا في وقت لم تصحح رواتب وأجور اللبنانيين وسط استفحال غلاء المعيشة والأسعار.قبل إقرار قانون تجميد المادة الثانية تتحكم المدارس بميزانياتها في ظل رقابة ضعيفة للجان الأهل. فالأخيرة تملك، أقله، حق الاعتراض في وزارة التربية للكشف على الميزانيات أو تلجأ لقضاء العجلة، في ظل تعطل المجالس التحكيمية من عشرات السنوات. لكن مع تجميد العمل بالمادة الثانية تصبح المدارس خارج أي أطار مساءلة، كما تقول رئيس اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور لما الطويل لـ"المدن".وتؤكد الطويل أن "إطلاق يد المدارس لا يغيّب رقابة الأهل وحقوق أبنائهم فحسب، بل يضيع حق الأساتذة في تحسين رواتبهم. فمن دون العمل بالقانون 515 تصبح إدارات المدارس في حل من أمرها تجاه الأهالي وموجبات وضع ميزانياتها، وكيفية تحسين أجور ورواتب المعلمين.
وتضيف أنه "في ظل تراجع قيمة المنح المدرسية في القطاع العام (يشكل نحو 30 بالمئة من طلاب المدارس الخاصة) ولجوء المدارس الخاصة إلى دعم هذه الفئة بالأقساط، ستلقي الأعباء كل كاهل باقي أهالي الطلاب، الذين سيحرمون من حقهم في التدقيق والرقابة بالميزانيات.ارتفاع نسب التسربتجميد هذه المادة من القانون 515 من شأنه رفع نسب التسرب من القطاع الخاص إلى العام، هذا في وقت بدأت مسيرة التسرب في لبنان منذ اندلاع الأزمة. فعلى مستوى التسرب بلغ عدد الطلاب الذين انتقلوا من القطاع الخاص إلى الرسمي نحو 43 ألف طالب في العام 2021. بينما وصل العدد من العام 2018 إلى العام 2021 إلى نحو68 ألف طالب، من ضمنهم نحو 8 الاف طالب تسربوا خارج المدرسة نهائياً. أما عدد الأساتذة الذين تركوا التعليم فوصل إلى نحو 9 الاف أستاذ منذ العام 2018 ولغاية العام 2021.
بما يتعلق بالأرقام للعام 2022 فهي كارثية، وهذا السبب الذي حال دون صدور النشرة الإحصائية عن المركز التربوي للإنماء والبحوث للعام الدراسي 2021-2022. ووفق مصادر "المدن" يتذرع "المركز" بأن سبب التأخير مرده إلى إجراء تنظيف وتنقيح اللوائح التي تأخر موعد تجميعها من المدارس بسبب العطل المتكررة. لكن كان يفترض أن تنشر البيانات في النشرة الإحصائية في شهر شباط المنصرم. وقد جمّع "المركز" كل البيانات، وثمة تأخير متعمد بعدم نشرها، وإعادة تنقيحها للتقليل من حجم الكارثة على مستوى تسرب الطلاب من الخاص إلى الرسمي ومن المدرسة بشكل عام وتراجع عدد الأساتذة في القطاع الخاص والرسمي.وتحذر الطويل من أن "نسب التسرب من القطاع الخاص إلى القطاع الرسمي ستكون كبيرة هذا العام، وتقرأ الأمر من خلال الخط الساخن في الاتحاد وشكاوى الأهالي غير المسبوق على لجوء المدارس إلى فرض جزء من القسط بالدولار.تردي التعليم الرسميالأزمة التي يمر بها قطاع التعليم معقدة. فقد تراجع مستوى التعليم في القطاع الرسمي جراء الإضرابات المتكررة عقب تراجع القدرة الشرائية للهيئات التعلمية. ورغم أن غلاء المعيشة لم يكن مستفحلاً مثل اليوم، لم يتعلم الطلاب في القطاع الرسمي إلا نحو ستين يوماً، جراء الإضرابات المتكررة للأساتذة وتمنّعهم عن الحضور إلى الصفوف، العام المنصرم.لكن مع ارتفاع سعر المحروقات، من دون الحديث عن انعكاسها على غلاء كل الأسعار، بات راتب الأستاذ، مع كل المساعدات الاجتماعية التي أقرت (نصف راتب وتسعين دولاراً من الدول المانحة) لا يكفي ثمن مواصلات للوصول إلى المدارس. وقد أعلنت روابط المعلمين في القطاع الرسمي أن ديمومة التعليم الرسمي مرتبطة بتصحيح الرواتب والأجور ورفع البدل المادي للمواصلات بما يوازي ثلث سعر تنكة البنزين يومياً ورفع موازنة التعاونية الموظفين بما يتماشى مع غلاء المعيشة، وتعديل أجر الأساتذة المتعاقدين. هذا فضلاً عن تجهيز المدارس والثانويات ورفع سقف سحوبات أموال الصناديق ومجالس الأهل.تردي أوضاع التعليم الرسمي حالت دون لجوء اللبنانيين بكثافة إلى المدارس الرسمية. تحملوا العام الفائت نسب رفع الأقساط في المدارس الخاصة. لكن ارتفاع الأقساط هذا العام وفرض زيادات بالدولار النقدي، وتراجع المستوى المعيشي للعائلات، يفضي حكماً إلى تسرب جزء كبير من الطلاب، وخصوصاً في مرحلة الثانوي، إلى المدارس الرسمية. هذا فيما لا يوجد في الأفق أي حلول لمعضلة رواتب وأجور القطاع العام. ما يعني أن المجلس النيابي في حال رضخ لشروط المدارس الخاصة وشرع لها تجاوز موجبات القانون 515، يضع غالبية اللبنانيين أمام قبول الفوضى في تحديد الأقساط وفرض الزيادات على الأقساط المدرسية، أو اللجوء إلى المدارس الرسمية التي ستكون شبه مقفلة في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه اليوم.