تعود أزمة شح المياه وانقطاعها في الكثير من المناطق، إلى الواجهة، مع تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، لشهر تموز 2022، بعنوان "صعوبة الحصول على المياه، تحذّر فيه من تداعيات انخفاض إمدادات المياه من مؤسسات المياه الأربع "إلى أقل من 35 ليتراً للفرد الواحد في اليوم، وهي نسبة تُعتبر الحدّ الأدنى للكمية المقبولة لاستهلاك الفرد من المياه". وتصعِّب الأحوال التي تمرّ بها البلاد، إمكانية حصول السكّان على المياه، إذ "تشكّل الأزمات المتداخلة صراعاً يومياً مضنياً يعاني منه أكثر من 80 بالمئة من السكان الذين هم دون خط الفقر، ممّن يكافحون ليس لتوفير القوت اليومي فحسب، بل لضمان حصول أسرهم على ما يكفي من مياه نظيفة أيضاً".
ولا تطال أزمة المياه اللبنانيين فقط، فحسب التقرير "يعتمد نحو 198 ألف لاجىء سوري يعيشون في 2284 مخيماً غير رسمي، على المياه المؤمّنة عبر الصهاريج، لأن المساحات التي يعيشون فيها غير متصلة بشبكة المياه العامة".الكلفة تتزايدواقع الحال يدّل على أن "منظومة إمدادات المياه تستمر بالتأرجح على حافة الهاوية في ظل تبدّد إحتمالات إيجاد حلول، بسبب محدودية توافر الطاقة اللازمة التي تسمح بضخ كميات كافية من المياه". وعدم وصول المياه من مصادرها الرسمية إلى السكان، يدفعهم لشراء المياه عبر الصهاريج، وسط استمرار ارتفاع الأسعار.
وبالأرقام، فإن "متوسط تكلفة 1000 ليتر من المياه المنقولة بالصهاريج، وصل في نيسان 2022 إلى 145 ألف ليرة، أي بزيادة قدرها 50 بالمئة مقارنة مع شهر نيسان 2021، وبزيادة تعادل 6 أضعاف ما كانت عليه في العام 2019". أما مياه الشرب، فتعتمد معظم الأسر على المياه المعبأة "ويرجع ذلك جزئياً إلى مخاوف أفرادها بشأن جودة المياه التي تصل إلى حنفيات بيوتهم". وبالتالي، زادت كلفة المياه المقسّمة بين مياه الخدمة ومياه الشرب. واستناداً إلى التقرير "في شهر نيسان 2022، أصبح يتوجب على العائلات التي تعتمد على المياه المعبأة لتلبية إحتياجاتها من مياه الشفة، أن تدفع بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف ما كانت تسدده قبل عام واحد فقط. فتحتاج الأسرة المكونة من خمسة أفراد، يتناولون ما مجموعه 10 ليترات يومياً من المياه المعبأة، إلى إنفاق نحو 6.5 مليون ليرة سنوياً، أي ما يعادل 261 دولاراً أميركياً، بالإضافة إلى كلفة المياه المستخدمة لتلبية إحتياجات الطهي والنظافة العامة".آفاق الحل قاتمةلم تصل الأمور بعد إلى حدّ الانهيار الكامل للبنية التحتية للمياه "ولكن شبكات إمدادات المياه لا تزال تتأرجح على حافة الهاوية، مما يعرض صحة الملايين من الأشخاص، ولا سيما الأطفال، للخطر". وبذلك، فإن آفاق الوصول إلى حلّ "ستظل قاتمة بينما تستمر أزمة الطاقة، حيث أن نقص الكهرباء يجعل من المستحيل ضخ ما يكفي من المياه، وفي بعض الحالات يتسبب في توقف عمليات الضخ تماماً".
وخطورة ما توصّلت إليه اليونيسف، لا يتوقّف عند حد تأمين الأسر لمياه الشرب والخدمة، بل إن أزمة المياه تنعكس "بشكل حاسم وخطير على القطاع الاستشفائي في البلاد وعلى المراكز الصحية الأخرى، بالإضافة إلى مياه الشفة في المدارس. وتشكل عدم كفاية إمدادات المياه المأمونة خطراً كبيراً على الرضع وصغار الأطفال، المعرضين بشكل خاص للإصابة بالأمراض المرتبطة بالمياه والصرف الصحي، وهي أحد الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال دون سن الخامسة".وأمام هذا المشهد، فإن "توفير المياه من خلال مرافق التشغيل العامة يظل الحل الأفضل والأقلّ كلفة. ويجب اتخاذ خطوات فورية لحل أزمة الطاقة ودعم توفير الخدمات. وفي الموازاة هناك حاجة ماسة للقيام باستثمارات كبيرة كي تستعيد شبكات المياه العامة فعاليتها".ما يعيشه الساكنون في لبنان حيال أزمة المياه، حذّرت منه اليونيسف في العام الماضي، ورفعت مستوى التحذير إلى حدّ وصول نظام المياه في لبنان "إلى نقطة الانهيار". وللتقليل من المخاطر، تواصل اليونيسف دعم مشاريع إصلاح خطوط المياه، وآخرها تمويل إصلاح خط الضخ الرئيسي الذي يغذّي بيروت، والمعروف بخط 1200، الممتد من منطقة ضبية إلى العاصمة. والذي أدّى تعطّله إلى أزمة مياه كبيرة في العاصمة.وبسبب الأكلاف المرتفعة والأعطال المتزايدة، "تحتاج اليونيسف اليوم إلى 75 مليون دولار أميركي سنوياً للحفاظ على استمرارية تشغيل الأنظمة الحيوية وتدفق المياه إلى أكثر من أربعة ملايين شخص في جميع أنحاء البلاد وحماية الوصول إلى أنظمة المياه العامة وتشغيلها".