2025- 01 - 16   |   بحث في الموقع  
logo عناوين الصحف logo أسرار الصحف logo ليث البلعوس لـ"المدن": النظام سقط في السويداء عام 2013 logo لبنان والشرق الأوسط في عهد ترامب: صفقات بالجملة logo الثنائي الغاضب "مؤقتاً": لحظة تأسيسية لا يمكن تفويتها logo في صيدا.. مسيرات احتفالية إبتهاجاً بـ”اتفاق غزة” logo سوريا ترفض أي "تهديد" يستهدف تركيا من أراضيها logo من وسط بيروت.. صور رفيق الحريري تُرفع عالياً
عمرو حمزاوي ومقاسات المنفى
2022-07-20 06:26:12

في واحدة من مقالاته، يكتب الروائي التشيلي، روبرتو بولانيو، أن المرء في المنفى لا يصير أكبر من حجمه ولا أصغر منه، بل يغدو في حجمه تماماً. منفى بولانيو، محل شك، فهو غادر بلاده صبيّاً مع والديه اللذين هاجرا إلى المكسيك. وعودته الوحيدة إلى سانتياغو، قبيل انقلاب بينوشيه العسكري بأيام، لا شهود عليها، ومع هذا فإن ما يقوله عن المنفى يستحق الاعتبار. فبحسبه، هو المكان حيث يدرك الشخص حجمه الحقيقي، ويكونه. بطريقة ما، يوحي لنا بولانيو بأن المنفى هو المكان الواقعي الوحيد. وإن كان هذا صحيحاً، فكيف يكون العائد من منفاه؟ أيكون، في وطنه، أكبر من نفسه أم أصغر؟مطلع الشهر الجاري، أعلن السياسي المصري والأكاديمي، عمرو حمزاوي، عودته إلى القاهرة، عبر مقال في جريدة "الشروق" بعنوان "ما أحلى الرجوع إليها". في العام 2015، غادر حمزاوي البلاد، وهو ما بدا حينها قراراً حكيماً ومتبصراً، بعدما صار واضحاً أن التعايش مع النظام الحاكم لم يعد ممكناً. ومن الخارج، استمر في الكتابة لجريدة "الشروق" حتى العام 2019، حتى أصبح هذا أيضاً غير مستساغ لدى السلطة.كان حمزاوي أحد أبرز الوجوه في الساحة السياسية بعد ثورة يناير، ونموذجا فردياً، هو السياسي الأكاديمي، والسياسي الشاب، الشباب الممزوج بسلطة العِلم لا النزق، والسياسي الوسيم أيضاً والمتأنق، بحضور إعلامي محبب وجذاب. بمعنى آخر، السياسي "السليبرتي". نال حمزاوي احترام الكثيرين، حتى بين خصومه الأيديولوجيين. بدا جاداً وصادقاً في ما يقوله، مؤمناً بالمؤسسات الديموقراطية وعملها، انطلاقاً من قناعات ليبرالية. ووسط الحماس الزائد والتوتر الذي صاحب الثورة وما بعدها، صاغ أفكاره بطرق واضحة ومتماسكة وبلغة منمقة، وبميل إلى الحلول الوسط، وخطاب هادئ ينزع إلى تسوية الخلافات عبر الحوار. حاول حمزاوي الانخراط في العمل السياسي بشكل عملي، لكنه سرعان ما أقلع عن مشروع حزبه "مصر الحرية"، فطبيعة الصراع السياسي الدائر حينها كانت أعنف من أن تستوعبه الصياغات النظرية المشذبة التي رددها.في مقاله المشار إليه، وبعد قبوله دعوة الرئاسة المصرية للمشاركة في الحوار الوطني، لا يستخدم حمزاوي كلمة المنفى، بل يشير إلى إقامته في الخارج بوصفها "غربة"، وفيها "يكتشف فضيلة الصمت"، فبحسبه الغربة "هي دار صمت أبدي". وبعيداً من الشّعرية المبالغ فيها، فإن معاناة المنفى، التي اشترك فيها حمزاوي مع آلاف غيره من المصريين، يمكن تلمسها بيسر ويلزم التعاطف معها. إلا أنه لا يعود لينتقد المسؤولين عن هذا الشتات، بل بالعكس يشير إلى أنه انتهز فرصة تلك الإقامة الصامتة والطويلة، للقيام بـ"النقد الذاتي"، ويصف ضمناً تعليقاته السابقة على الأحداث السياسية الجارية في مصر بـ"الثرثرة" التي شابَها "تعجّل" و"ارتباك" وخلط بين لغة المعلّق المشارك وبين منطق الأكاديمي، بل وحتى "الفذلكة والتحذلق". يعود حمزاوي تائباً، مقدماً في مقاله "اعترافاً" ثم "اعتذاراً"، ومعهما وعداً بالتوقف عن"التورط" في هذا مرة أخرى، وإن فعل فلن يكون قبل "الاستماع في صمت وهدوء إلى رؤى وتقييمات المسؤولين الحكوميين" وغيرهم.النص التعريفي الطويل الذي يذيل مقالات حمزاوي، يشير إلى أنه "يكتب صحافياً وأكاديمياً عن قضايا الديموقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع، ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم". لكن، ولأن الكتابة عن تلك الملفات لن تستقيم مع وعده بالتوقف عن "الثرثرة"، ولأن أي نقد يتعلق بتلك المسائل ربما يعرضه إلى خطر العودة إلى إقامة "الصمت الأبدي"، فهو سيكتفي بالتعليق على "تداعيات القضايا الإقليمية والدولية"، و"التفكير في سبل الحد من مخاطر ما يدور حولنا على مصر وتعظيم فرص الاستفادة الوطنية من عالم يتغير بسرعة على وقع الكوارث البيئية المتصاعدة وجائحة كورونا المستمرة وشبح الكساد الاقتصادي القادم والحرب الروسية على أوكرانيا وتغير التحالفات الإقليمية والدولية". أي أنه، في تلك اللائحة الطويلة، مستعد للحديث في أي شيء طالما أنه لا يتعلق بالشأن المحلي، وتحديداً ثنائية الديموقراطية والقمع، أي تخصصه الأساسي.يختار حمزاوي العودة إلى الوطن، بحسب مقايضة محسوبة وواضحة. الصمت بخصوص النظام القمعي وحرية التعليق على الشؤون الدولية والإقليمية، مساحة أكثر أماناً من غيرها. ولا أحد يستطيع لومه بالطبع، إلا أنه لا يلتزم بوعده المتعلق بالثرثرة، بل يوغل فيها، ويظهر لاحقاً في شاشة التلفزيون ليمدح "الجمهورية الجديدة"، وينتقد ضمناً "المعارضة من الخارج"، أي أنه يلوم هؤلاء الباقين في المنفى لأنهم لم يحظوا بامتياز عفو النظام الذي يتمتع به. كما يتبنى، في اللقاء نفسه، خطاب النظام بالكامل، بخصوص موضوعات الأمن ومعدلات التنمية ومد شبكة الضمان الاجتماعي، بل وحتى "فرض هيبة" مؤسسات الدولة.وبعيداً من اتهامات التخوين التي طاولت حمزاوي، بسبب تصريحاته تلك، لا يمكننا سوى افتراض حسن النوايا. فهو لا يبعد كثيراً من موقعه الأيديولوجي، كإبن مخلص لشبكة نيوليبرالية واسعة من مراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني والأقسام السياسية في الجامعات الغربية، تلك التي تروج للديموقراطية وحقوق الإنسان، لا بوصفها عملاً نضالياً في خضم صراع ممتد، بل بوصفها شأناً تقنياً، يتعلق بشكل المؤسسات والعمليات السياسية وبنود الدساتير وصياغتها. على تلك الخلفية، يجد السياسي/الأكاديمي نفسه في موقع التكنوقراطي، أو بمعنى آخر محل الخبير، الذي يقدم خبراته ومعارفة للسلطة، أياً كانت، بإيمان بأنه لا سبيل للإصلاح سوى بالمشاركة، ومن الداخل.مثلنا جميعاً، يدرك حمزاوي في منفاه، حجمه الحقيقي، ويعود إلى الوطن ليكون على مقاسه بالضبط.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top