لو قارنّا بين زيارتي الرئيسين الأميركيين للشرق الأوسط، جو بايدن الأسبوع الماضي، ودونالد ترامب العام 2017، لما لاحظنا فارقاً كبيراً سوى في تفاصيل تافهة، كمثل بعض التصريحات غير المهمة عن حل الدولتين وحقوق الإنسان، ومساعدات مالية للفلسطينيين (هزلية مقابل ما يحصل عليه مَن يحتلهم).المفارقة أن الرئيس بايدن استخدم أعمدة سياسة ترامب لبناء زيارته، أكان لجهة التركيز على توسيع دائرة دمج إسرائيل في المنطقة من خلال اطار الاتفاقات الإبراهيمية، أو عبر رفع منسوب التوتر مع إيران وتقديم ضمانات أمنية وعسكرية في مواجهتها للحلفاء. في الموضوع الأول، أي اتساع دائرة العلاقات العربية لإسرائيل، هذه سياسة المُستهدف فيها ليس إيران أو النظام الإيراني، بل يُستهدف بها الفلسطينيون بما أن القمة العربية في بيروت العام 2002 أقرت بمقايضة التطبيع الشامل مع حل للقضية الفلسطينية. وبالتالي، أي تقدم باتجاه التطبيع يقضم من القدرة الفلسطينية على التفاوض، وهذا يُفسر الميل أو القناعة الغالبة لدى الفلسطينيين بالعودة للعمل المسلح ضد إسرائيل.وهذا من إنجازات الرئيس ترامب نتيجة سياساته الاقصائية التي يُتابعها الرئيس بايدن.أي كلام عن التزام أميركي بحل الدولتين لا قيمة له، إن لم يكن مقروناً بضغط على الجانب الإسرائيلي، أكان لجهة وقف كل التوسع الاستيطاني، أو لناحية إطلاق مفاوضات على أساسها أو اتخاذ إجراء أحادي كمثل افتتاح قنصلية في القدس الشرقية والاعتراف بالحق الفلسطيني فيها.ما هو مسار السياسة الأميركية الحالية؟إطار التطبيع مع إسرائيل يفتح المجال، بطبيعة الحال، أمام دور إيراني أكثر فاعلية في القضية الفلسطينية، وهذا مرتبط بمسار السياسة القائمة حيال إيران، لجهة عدم العودة للاتفاق النووي واستئناف التصعيد الأمني والعسكري من حيث توقفت الأمور في نهاية حقبة الرئيس ترامب، بما أن المنطقة بأسرها تسير في اتجاه التصعيد، بغض النظر عمّا إذا كان شاملاً أو موضعياً، وهذا التصعيد سيشمل بالتأكيد الأراضي الفلسطينية بأسرها. بالتأكيد، مثل هذا الواقع الجديد سيتبلور في الداخل الإسرائيلي في اتجاه من اثنين: إما تطرف أكبر كما نرى في صعود التيار الكاهاني، أو ميل نحو التسوية والواقعية في التعاطي مع القضية الفلسطينية. الميل المرجح هو الأول، وهذا غير قابل للتصالح، لا مع الدول العربية ولا مع الإدارة الأميركية، حتى لو عاد ترامب الى البيت الأبيض.السؤال الأهم هنا يبقى في تفاعل المنطقة العربية مع القضية الفلسطينية والمواجهة العسكرية فيها، والخطاب الناشئ منها، أكان الديني الذي تُمثله حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، أو غيره مما قد ينشأ من معركة وراثة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حركة "فتح". من الخطأ نفي الحراك السياسي عن منطقة تشهد أزمات اقتصادية واجتماعية عميقة، تترافق مع قمع المعارضات وإقفال مساحات التعبير. وهذا يشمل الشرق الأوسط وإفريقيا كذلك، ولن ينحصر في المشرق.هذا مسار عبّدته الإدارة الأميركية السابقة بالتوافق مع إرادات محلية. لكن الإدارة الحالية لا تملك القدرة على تبديل واقع يتطور، بل باتت تتعامل معه على القطعة، وقد تُضطر الى المشاركة لاحقاً في تصعيد لا ترغب فيه. ومن هذا المنطلق، في الإمكان القول إن الزيارة مثّلت علامة فارقة على وهن القدرة الأميركية في صياغة السياسة في منطقة يُعاد تصميم النفوذ فيها بشكل مغاير عمّا كانت عليه منذ نهايات الاتحاد السوفياتي قبل ربع قرن.