حين يكون الكلام عن بلدية بيروت، يتداخل السياسي بالإنمائي بالطائفي، مترافقاً مع إسقاطات تطال "طقوس الإشارات والتحولات" .
لذا، حين تقدم اليوم الجمعة نواب "تكتل لبنان القوي" نقولا صحناوي، إدغار طرابلسي وسيزار أبي خليل، باقتراح قانون يرمي إلى استحداث بلديتين في مدينة بيروت، فتحوا من جديد باب النقاش حول مشهد بدا مكرراً أو "Déjà vu".
يتضمن الاقتراح، تقسيم البلدية إلى دائرتين: الأولى، تضم المناطق العقارية التالية: الأشرفية، الصيفي، الرميل، المدور والمرفأ. والثانية، وتتضمن مناطق ميناء الحصن، الباشورة، راس بيروت، المصيطبة، زقاق البلاط، المزرعة وعين المريسة.تقسيم البلدية لا العاصمةيؤكد الصحناوي لـ"المدن" أن "تقسيم البلدية لا يعني مطلقاً تقسيم بيروت". وهو ما يتوافق عليه مع نائب بيروت في"تكتل الجمهورية القوية" غسان حاصباني، الذي يرفض "بشكل مطلق اعتبار الكلام عن تقسيم البلدية تقسيماً لبيروت. هذه العاصمة فكيف تُقسّم؟".
حاصباني الذي جعل من ضرورة انتخاب مجالس محلية في بيروت جزءاً من حملته الانتخابية النيابية، أعاد قبل نحو أسبوعين طرح الموضوع من "زاوية إنمائية غير سياسية"، على ما يقول لـ"المدن".
يضيف: "لا بد من إنشاء مجلسين بلديين مؤلفين من 12 عضواً لكل مجلس، على أن يكون هنالك مجلس موحد يخطط وينفذ القضايا المشتركة. يسمح ذلك بمحاسبة أفضل وباهتمام أكبر من الأعضاء المنتخبين، الذين من المفترض أن يكونوا قريبين من ناخبيهم ويعرفون مشاكلهم وتحدياتهم اليومية".
يرفض حاصباني اعتبار تقسيم البلدية له "خلفية طائفية". يقول "اسألوا أبناء المدور السنّة، وأبناء حي بيضون، هل هم راضون عن اهتمام البلدية الراهنة بأحوال منطقتهم؟ هل تتابع همومهم وتهتم بمشاكلهم المتراكمة؟".معالجة الخلل.. بالتقسيم؟للنائب عن بيروت ابراهيم منيمنة رأي آخر. يقول لـ"المدن": إذا كان هنالك مشكلة في أداء البلدية الحالية، فإن الحلّ لا يكون بتقسيم البلدية، إنما بمعالجة الخلل".
يأسف لـ"محاولات استثارة المشاعر الطائفية عند كل استحقاق انتخابي، فيما المطلوب رؤية متكاملة لبيروت خدماتياً وبنىً تحتية وتنظيماً وحسن إدارة وشفافية".
وهو يؤكد "إن سوء الإدارة يطال كل اللبنانيين وكل بيروت، ومن المعيب تضليل الرأي العام والإيحاء أن الإصطفاف طائفي".
يعتبر كل من صحناوي وحاصباني تفجير 4 آب محطة أساسية في فهم كيفية تعاطي بلدية بيروت مع العاصمة.
يقول صحناوي "أقصى ما قام به المجلس البلدي هو إراحة ضميره من خلال اتخاذ قرار قضى بصرف 50 مليار ليرة للتعويضات. إلى اليوم لم يتم صرف أي شيء. حجتهم أن الموضوع صار بعهدة الوزارات المعنية. لكن من يتابعه؟ من يلح لتطبيقه؟ لا أحد. والسبب؟ ان معظم المتضررين ليسوا من ناخبيهم".
ويشرح بعد إستيضاح: "إذا أردنا أن نكون صريحين فإن خطوط التماس لا تزال موجودة، والتقسيمات الطائفية متحكّمة في مكان ما".بين منيمنة والصحناويلمنيمنة منطق آخر. يستند إلى تجربة "بيروت مدينتي" ليقول "حين يتم تقديم مشروع مختلف للناس لا ينتخبون على أساس طائفي. في تجربة "بيروت مدينتي" التي راعينا فيها التوازن الطائفي المطلوب جاء التصويت شديد التقارب ولم يتجاوز الفرق الألف صوت بين أعضاء اللائحة. الأهم أن يلمس الناس جدية العمل البلدي والفعالية والخروج من المقاربات الطائفية لكل موضوع".
عند نقل كلام منيمنه للصحناوي يقول "أبادله الحلم. نظرياً معه حق. ولكن "يا ريت" كان ذلك حقيقياً على أرض الواقع. نحن نريد أن نكون عمليين. جزء من أهل بيروت يشعرون بالغبن، وهنالك لامبالاة بكل مشاكل الدائرة الأولى تحديداً. لذلك، وتخفيفاً لتعقيدات النظام طرحنا آلية عملية فعّالة وسهلة".
لا يعتبر صحناوي أن هنالك تنافساً بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" حول هذا الموضوع"، مؤكداً "الاستعداد للتعاون إذا توافقنا على الآلية".لا يعرفون أحياء بيروتبدوره يشير حاصباني إلى "الطموح إلى التعاون مع كل الأطراف، لما فيه مصلحة بيروت ومن خلالها مصلحة لبنان. فكل البلد يستفيد من إنماء العاصمة وازدهارها. وتقسيم البلدية يلقى صدى إيجابياً لدى معظم أبناء بيروت، أكانوا في الأشرفية أو الباشورة أو عين المريسة أو الطريق الجديدة؟ فبيروت مدينة كبيرة ومكونة من مناطق صغيرة، كل واحدة منها تفوق بالحجم غالبية بلديات لبنان. فكيف يكون لبلدة مؤلفة من ألفي شخص بلدية مركزية واحدة، ويُعتمد الأمر نفسه مع بلدية تضم نحو 500 ألف ناخب ويقيم فيها حوالى مليون ونصف مليون شخص؟".
يضيف حاصباني، إذا كنا نُجري الانتخابات النيابية على دائرتين، فكيف يكون انتخاب أعضاء المجلس البلدي الذين عليهم متابعة يوميات الناس على أساس دائرة واحدة؟ ومع الأسف، لا يعرف معظم الأعضاء كل شوارع بيروت ومناطقها، فكيف يمكن أن يعرفوا هموم ناسها؟".
يصر على التكرار: "العمل البلدي اللامركزي ليس تقسيماً، إنما عدالة وتنافس في العمل".الفساد والعجز و"الكامخ بينهما"مرة أخرى يعود الكلام القديم-الجديد حول تقسيم بلدية العاصمة إلى الواجهة. وهو قرار يحتاج إلى تعديل قانوني وممره الإلزامي مجلس النواب.
في هذا الوقت، لا تزال إشكاليات كثيرة تواجه عمل بلدية بيروت. فالصراع المضمر يتواصل بين صلاحيات البلدية التقريرية وصلاحيات المحافظ التنفيذية. كذلك يبرز الدور المتعاظم لوزراء الداخلية المتعاقبين، كسلطة وصاية، داخل المجلس البلدي. ولا يمكن إسقاط الأزمات المتعددة الأوجه التي تواجهها البلدية الراهنة من اتهامات تراوحت بين الفساد والعجز و"الكامخ بينهما". وما استقالات عدد من الأعضاء، التي يقال أنها مرشحة إلى التزايد في أي وقت، إلا بعضاً من ترجمات تلك الاتهامات.