2025- 01 - 11   |   بحث في الموقع  
logo هوكشتاين يتعهّد: انسحاب “إسرائيل” التام يوم 26 كانون الثاني logo ميقاتي الى دمشق اليوم: مرحلة جديدة تبدأ من جنوب لبنان logo سلسلة من المنخفضات الجوية ستضرب لبنان: أجواء باردة وأمطار طوفانية.. فاستعدوا logo ميقاتي الى سوريا اليوم بدعوة من الشرع واستشارات تسمية رئيس الحكومة الاثنين logo مقدمات نشرات الاخبار logo أسرار الصحف logo عناوين الصحف logo جوزيف عون رئيسا.. فجرٌ جديدٌ يُشرق في لبنان!.. تانيا اسطفان
فاطمة المحسن...أسطورة الأدب الرفيع
2022-07-15 13:26:13

عُرف علي الوردي في الثقافة العراقية المعاصرة، كأول سوسيولوجي استعاد دور المثقف النقدي، الذي لم يبزه في جرأته سوى الرصافي والزهاوي مطلع القرن العشرين. كانت الثقافة العراقية في الخمسينات تعيش مباهج نهضتها الثانية، بيد أن العالم العربي لم يعرف من أسماء كتّابها سوى الجواهري والسياب ونازك الملائكة والبياتي. في ذلك الوقت ظهر الوردي، ناقد المجتمع الذي كان نموذج المثقف المستقل حيث لم تحجب رؤيته التزامات أو انحيازات، ولم يكن في ديباجته من أثر للشعرية، ولا للأدبية بمفهومها العربي. وفوق هذا وذاك أطلق علي الوردي دعوته إلى التخفف من أعباء الموروث الشعري العربي، ولعله كان يسجل احتجاجه وخوفه من أن يصبح الشاعر امثولة في التقليد الأدبي، وهو ما بقي عليه حال العراق إلى يومنا.
لم تنحصر مباحث الوردي في ميدان علم الاجتماع، بل شملت الأدب عبر أهم كتاب أصدره "أسطورة الأدب الرفيع" والكتاب كان نتاج حملة تصدى فيها الأدباء المحافظون إلى ما جاء به من أفكار جديدة، وإلى أسلوبه الذي وجدوا فيه تبسيطاً ولغة ضعيفة لا تناسب طبيعة الموضوعات التي يعالجها.
لعل الظاهرة اللافتة في كتابات علي الوردي صلتها مع القارئ، فقد راجت كتبه بين الناس ولم تحصر بين جدران الأكاديميات وفي أيادي قراء محدودين، وكان هو حريصاً على إيصال صوته عبر المذياع والتلفزيون. لكنه كان عرضة إلى النقد حتى من قبل دعاة الأدب الشعبي اليساريين، وتلك مفارقة بين مفارقات كثيرة شكّلت ظاهرة علي الوردي، فقد اشترك في الهجوم عليه المحافظون والشيوعيون والبعثيون.
لم يهادن الوردي الجماهير، وما استرضى عواطفها، بل مارس عن تلذذ توجيه ضربات صادمة إلى معتقداتها وتصوراتها عن العالم، غير أن ما جاء في كتابه "اسطورة الأدب الرفيع" هو نتاج معركة بينه وبين المثقفين.
في هذا الكتاب هاجم علي الوردي اللغة العربية ونحوها، وكان سدنتها ومناطقتها في العراق الأوفر حظاً في ألقاب التبجيل. فبحث الوردي في مصادر تكوين قواعد اللغة وأسباب التعاضل والغموض في قوانينها، كما كان يرى الشعر العربي مصيبة: "ابتُليت به الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها" ذاك أنه كان في الجاهلية "حليفاً للسيف في حروب القبائل ومفاخرها الرعناء. وفي العهد الأموي والعباسي اتخذه السلاطين وسيلة لتبرير مظالمهم. كما أن الشعر كان وراء إنشاء قواعد النحو العويصة التي شلّت العقول وجعلتها تدور في حلقة مفرغة" فالشعر العربي في ملخص حديث الوردي، بدوي القيم، استجدائي البواعث، ينظم غزله لدغدغة عواطف المترفين ، ويساق وصفه لتطييب سمر الملوك والخلفاء.
في وقت ظهور مقالات علي الوردي في الخمسينات، كان الشعر بقرة العراقيين المقدسة، فقد قامت نهضتهم عليه في العشرينات، وتبدت النهضة الثانية في موجة قصيدة التفعيلة التي جعلت الأسماء الشعرية العراقية تتقدم المشهد الشعري العربي. ولم يكن الجواهري حينذاك سوى أسطورة بين الأساطير الوطنية.
لم يتعرض على الوردي إلى ظاهرة الجواهري، لكنه تعرّض الى أسماء مهمة في الشعرية العربية الجاهلية والأموية والعباسية التي سار على نهجها شعراء مثل الجواهري. وكانت ضربة الوردي القاضية التي وجهها إلى الشعر حين قال أنه لو تُرجم إلى لغات أخرى لكان فضيحة العرب الكبرى لأن مضامينه ومعانيه فقيرة وتقوم على المفردة الرنانة التي تستهوي السمع.
زامن ظهور علي الوردي في ميدان المباحث الاجتماعية، بروز أسماء لامعة في عالم البحث والتأرخة، لعل أهمهم جواد علي صاحب "المفّصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" وهو سِفرٌ نادر في هذا الميدان، حيث كان صاحبه على إلمام بلغات قديمة مندثرة، إضافة الى إلمامه باللغات الغربية، وقد حرص في كتابه هذا أن يخوض في عاديات العرب قبل الإسلام من معتقدات وأفكار وطقوس وروايات وأديان وحضارات. كما ظهر طه باقر في ميدان البحث في حضارة وادي الرافدين، وكانت كتبه وترجماته الملاحم العراقية وبينها ملحمة كلكامش، من بين أهم منجزات العراقيين. زمن علي الوردي برز مؤرخون استهدوا بالمناهج الحديثة في التأرخة وبينهم عبد العزيز الدوري، صاحب كتاب "مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي"، أول بحث من نوعه. كما ظهر أحمد صالح العلي، المؤرخ والاكاديمي المعروف عربياً والمتناسى عراقياً شانه شأن زملائه. كل هؤلاء الكتّاب تواروا خلف البريق الساطع للشعراء، وبقي العراقيون يعرفون بشعرائهم، والشعراء وحدهم يحصدون التكريم في كل مناسبة. وإلى اليوم يردد العرب ذلك القول العقيم الذي صدقّه العراقيون: العراق بلد الشعر. ولو صحت آراء علي الوردي الذي يسخر من مقولة: أعذب الشعر أكذبه، لغدا العراقيون أكذب العرب.
مات علي الوردي منتصف التسعينات، بعدما شهد عهوداً مختلفة مر بها العراق منذ تأسيس الدولة، وصمت في سنواته الأخيرة، وهو يشهد كارثة الحرب والديكتاتورية.
كما مات جواد علي بصمت بعدما أُرغم على المشاركة في كتاب تحت إشراف صدام حسين، وكانت مفخرته شأنه شأن علي الوردي، أنه كان من بين النخبة التي تبنت العلم كي تتجاوز هوى المعتقدات والطوائف، وبقي الدوري يتنقل بين جامعات غير جامعات بلده لحين وفاته في الأردن من دون عودة للعراق. أما الشعراء الماكثون والمغادرون، فلا يُذكر العراق إلاّ بهم.تصدى علي الوردي لما أسماه أساطير الأدب اللفظي الرفيع، فمن أين يجد مصغين؟ وكل أديب يطمح أن ينتسب إلى تلك الأسطورة، كي تتطاير قصائده على رؤوس الخلق مثل بالونات ملونة.
(*) مدونة نشرتها الكاتبة العراقية فاطمة المحسن في صفحتها الفايسبوكية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top