تراتيل لبنانية لصلاة إيرانية
2022-07-15 07:26:11
عصيٌ على التصديق أي كلام يصدر من أقطاب السلطة اللبنانية أكان من "حزب الله" أو "التيار الوطني الحر" في التهديد بحرب دفاعاً عن الثروة اللبنانية. من الصعب ذلك لأن مثل هذا الفعل يفترض حساسية حيال المال العام والحوكمة لم تكن حاضرة خلال العقود الماضية من النهب الممنهج، لا بل يصح العكس.
والأهم من ذلك كله أن هناك تاريخاً من وضع سياقات أو تبريرات داخلية في سياسات وتحركات تخدم غالباً أجندة إقليمية وليس محلية، مثل دعم المعارضات الخليجية وعلى رأسها الحوثي، رغم أن مصلحة الدولة في مكان آخر تماماً. تُضاف الى هذه القائمة الأدوار العسكرية لـ"حزب الله" خارج لبنان، أكان في سوريا أو في غيرها، إذ تأتي المشاركة في هذه النزاعات ضمن اطار خدمة المحور.
والواقع أن التصعيد الكلامي الأخير، وتحديداً تلويح الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بحرب ضد إسرائيل، بما أن المفاوضات معها بشأن ترسيم الحدود البحرية وصلت إلى خط مسدود، من المرجح أن لا يُؤدي إلى التعجيل بإتفاق بين الجانبين، سيما أننا أمام اتساع لدائرة التوتر بين ايران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية. أيُعقل أن يُقدم "حزب الله" على تحفيز الدولة اللبنانية ومساعدتها على توقيع اتفاق لترسيم الحدود مع إسرائيل، فيما تُخطط الأخيرة وتنحو بشكل متزايد لتصعيد مع إيران؟
من المستبعد ذلك. لكن السياق المحلي للانضمام الى تصعيد إقليمي، مهم. ومن هذا المنطلق علينا فهم الكلام هنا عن أن "مسألة ترسيم الحدود مصيرية، وهي الطريق الوحيد لإنقاذ لبنان وشعبه، ولا نمارس فيها الحرب النفسية"، وأن الثروة الغازية فيها مليارات من الدولارات. لا بل هناك تمجيد لخيار المبادرة بالنزاع على قاعدة "إذا كان الخيار عدم مساعدة لبنان ودفعه باتجاه الانهيار ومنعه من استخراج الغاز، فإنّ التهديد بالحرب، بل والذهاب إليها، أشرف بكثير"، سيما أن "هناك من يريد لهذا الشعب أن يموت جوعاً وأن نقــتل بعضنا على أبواب الأفران ومحطات البنزين". وهذا اختزال للأزمة اللبنانية برمتها بصفتها نتيجة عدوان خارجي (عدم مساعدة لبنان)، لا دور محلياً فيها ولا مذنبين يجب عقابهم أو على الأقل تحجيمهم وعدم التحالف معهم سياسياً للحؤول دون تكرار أخطاء الماضي.
والخطاب احتوى كذلك على خطوات عملية في المرحلة المقبلة، أكان من خلال كلامه عن أن "رسالة المسيرات بداية متواضعة عما يمكن أن نذهب إليه" أو عبر الحديث عن استهداف الحقول "ما بعد كاريش".
وهو يتزامن مع "اعلان القدس" يوم أمس خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وما تخلله من تعهد لاسرائيل بـ"عدم السماح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي"، وعن استعداد واشنطن "لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة". وتحديداً، بما يخص الوضع اللبناني، أكدت واشنطن "التزامها بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة العدوان الإيراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار، سواء كانت مدفوعة بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية مثل حزب الله اللبناني وحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في فلسطين".
والسياق الحالي يشمل كذلك اتساعاً لدائرة الصدام الإيراني -الإسرائيلي، إما من خلال عمليات أمنية داخل إيران كإستهداف قادة في الحرس الثوري، والحديث الإسرائيلي العلني عن ذلك، أو القصف الإيراني على أربيل واستهدافه موقعاً تبين أنه كان فيه إسرائيليون، وفقاً لمصادر غربية.
هذا التصعيد لافت، رغم أن التقديرات كلها تشير الى أن أياً من الأطراف لا يريد حرباً شاملة، لكن هامش وقوع خطأ خارج الحسبان بات عريضاً لدرجة صار فيها من الصعب الحسم بعدم وقوع مثل هذه المواجهة.
وكالات