يعلن الأب باولو انه يرغب في أن يكون "جزءاً من الإسلام، وأن أنذر لمحبته، ولمحبة محمد أولاً". لكنه يسارع إلى إيضاح ما يقصده، فإيمانه المسيحي لا ينتقص جراء رغبته وانتمائه الإسلامي هذا، الذي يفسره بأنه من "المنظور الثقافي واللغوي والرمزي، في العالم الإسلامي أشعر بعمق انتمائي كما في وطني، وأنا مسلم وفقاً للروح وليس طبقاً للحرف، لأن الكلام يقتل، والروح تحيي".ويعتقد باولو أن هذا التوجه هو الذي تتخذه، أو ستتخذه الكنيسة، التي أرسلته "ليصب عجينة هويته المسيحية في قالب إسلامي"، فبناء على خبرتها، لا يجب على الكنيسة أن تسعى لاحتكار المستقبل، فـ"الإسلام لديه رؤيته الخاصة به عن المستقبل، التي لا يمكن للكنيسة أن تتصور إنجاز سرها إلا من خلال احترام تلك الرؤية، واكتمالها بالتقاليد الدينية وبتعدديتها". وما يدعوه انتماءه الثنائي "يكمن في الدينامية الوجودية والسياقيّة، وفي تعميق وتجاوز أيِّ تبلّر متحجّرٍ للهويّة"، عبر السير نحو الآخر وملاقاته، وتحطيم الهويات المتجمدة المختزلة، قد لا يكون السير نحوه عبارة عن اندماج، أو ببساطة مزج، وإنما انثقاف عميق، يحترم ويصون أيضاً هويات الكنائس المسيحية في وسط إسلامي.إن انتماء باولو الثنائي يقوده، أول ما يقوده، إلى رفض النقد الأحادي للإسلام، خصوصاً ظاهرة العنف الإرهابي، التي يتم إبرازها كلما تطرق أحدهم إلى المنطقة وشؤونها، والتي يؤكد بحكم عيشه الطويل بين المسلمين أنها "مثار نقاش مفتوح داخل المجتمع الإسلامي، فالإرهاب الديني مأساة بالنسبة للمجتمع الإسلامي قبل أن يكون خطراً على الغرب". وهو هنا ينتقد "النقد الأحادي" الذي يريد أن يقول بطريقة ما أن العنف غريب تماماً عن المسيحيين والكنيسة على مر التاريخ المسيحي، بينما هو جزء أصيل من الإسلام وثقافة المسلمين، الأمر الذي تنقضه وقائع مثل الحروب الصليبية، التي تثبت أن "العنف والسلطة المقدسة هما تاريخنا جميعاً" و"تقاليدنا المسيحية استخدمت العنف في كل الأوقات، ويستحسن أن تعترف كل جماعة من تلقاء ذاتها بجذور هذه الانزلاقات العنيفة التي لا تزال محتملة داخل جماعتها، وسيجبرها تأنيب ضميرها على البحث مجدداً عن جذور حقدنا العميقة، وبالنتيجة اتخاذ إجراءات مسؤولة".يفتتح باولو كتابه الذي صدر قبيل اختفائه، وهو بعنوان "الغضب والنور – يوميات راهب في الثورة السورية (دار لا تيليه، 2013)، برسالة إلى "أوروبي شاب"، يشرح فيها فكرته عن التيار الأصولي المتطرف في العالم الإسلامي، الذي هو "اضطراب عميق، تولد من الشعور بالاضطهاد، وبسبب تعالي الغرب وعجرفته، واستغلال تفوقه التقني والاقتصادي، لاحتكار السلطة، والسيطرة الجشعة على الآخر من خلال تواطؤ مسيحي/يهودي، أبرز ثمراته قيام دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي".يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الكنيسة والجماعة المسلمة تشتركان في عدد كبيرٍ من العناصر العقائدية والرمزية في آن معاً، إلا أن تفسير هذه العناصر بطرق مختلفة، يؤدي باستمرار إلى "انحياز الناس بمجملهم لإحدى العائلتين الإبراهيميتين"، ولهذا يعي بأن انتماءه الثنائي هذا مهدد بالرفض من قبل الأمة الإسلامية والكنيسة على حد سواء "لأن الجماعتين تشعران بحاجة ماسة لتحديد حصري لمعايير الانتماء، إذا كنت مسيحياً لا تستطيع أن تكون مسلماً، وإذا كنت مسلماً لا تستطيع أن تكون مسيحياً، لا يُسمح للمسلم أن يتناول القُربان أثناء صلاة القداس، لأن هذا الفعل يعني القبول الصريح لمواقف عقائدية عن المسيح تفصله عن التوحيد القرآني، وفي المقابل لا يستطيع المسيحي أن يشترك اشتراكاً كاملاً وعلنياً في صلاة الإسلام، لأنه بهذا الفعل هو أيضاً سينفصل بصورة حتمية عن الكنيسة المنظورة ليلتحق بالانتماء الإسلامي". وهو لا يجد إزاء ذلك التناقض سوى القول بإيمانية: "أنا أنتمي إلى الإسلام، لأن الكنيسة فيّ تتجه نحو الإسلام، وتريد لقاء المسلمين، والتعرف على عمل روح الله في الخبرة الدينية الإسلامية، وهذا لا يمنع من وجوب احترام إرادة الإسلام في أن يبقى ذاته، من دون أن يسمح للآخر بابتلاعه، عن طريق بهلوانية كلامية".إن الفكرة النهائية التي أراد باولو تجسيدها من خلال عمله، وهي استكمال لمشاريع سلفَيه -دو فوكو وماسنيون- وتتويج لصرح دير مار موسى الذي شيده: كنيسة المسلمين، والتي تعني بالنسبة إليه، كمفهوم، الإقبال على الآخر، وحسن الجوار، والتعايش والعمل المشترك الذي لطالما كان موجوداً في قلب العالم الإسلامي، عبر تعايش الكنيسة المسيحية في محيط إسلامي، مع الاحترام الكامل لهويتها عبر أربعة عشر قرناً، وتحتاج في الواقع إلى خطوة مشابهة من طرف العالم المسيحي.يتساءل باولو إذا ما كانت الكنيسة ستقبل بمصطلح كنيسة من أجل الإسلام أو كنيسة للإسلام، وإذا ما كان المسلمون سيعترفون بها، وفيما إذا كان المصطلح لن يتعرض لسوء الفهم من الطرفين.فالمسلم قد يُصدم من تعبير "كنيسة من أجل الإسلام"، ومن تعبير "كنيسة الإسلام" وقد يُخيل إليه أن المعنى يحتمل إلحاق الإسلام بالكنيسة، لكنه يستدرك "بيد أنني لم أسمع ردود أفعال سلبية من الطرف الإسلامي" مثل النقد العنيف الذي تعرض له بطريرك الروم الملكيين لحام، المقيم بدمشق، لاستخدام تعبير "كنيسة الإسلام"، من رجال دين ومثقفين مسيحيين.يعتقد باولو أنه في الإمكان إيجاد كنيسة من أجل المسلمين، كتطوير واسع لفكرة جمعية البدلية التي انشأها ماسنيون في مصر قبل نحو قرن من الزمان، على نحو تدرجي ومن خلال "الحوار الذي يُدار ضمن إطار ديموقراطي وتعددي". ففرضية مسيحي/مسلم ستُذكر بدخول حصان طروادة إلى المدينة المسلمة بغية نشر المسيحية فيها، وهو ما لا يريده ولا يقصده إطلاقاً "لأنني أعترف اعترافاً صادقاً بالقانون اللاهوتي للعقيدة الإسلامية وممارستها، ومن ناحية ثانية، أعترف كل الاعتراف بحق أي شخص من أصل مسيحي يرغب في الانفصال عن الكنيسة والاندماج بالطائفة الإسلامية مثلما تُفهم في الوقت الراهن؛ من ناحية ثانية، ستكون إمكانية الدخول في الإسلام من دون أو من أجل التخلي عن الكنيسة موضوعاً ينظر فيه، وأعتقد أن ثمة اليوم، فضاءً روحياً مسيحياً، بقدر ما هو مسلم، للأشخاص الذين يرغبون من الآن بالإعداد للوئام، في المستقبل".