2025- 01 - 11   |   بحث في الموقع  
logo السياسة الاقتصادية السورية بظل حكومة تصريف الأعمال: التقشف الصارم logo بالفيديو: نجل الشهيد السيد نصرالله يكشف قراره حول دخول السياسيّة logo في عز الشتاء.. مخزون بحيرة القرعون انخفض logo احرق شجرة الميلاد في صيدا… وقوى الامن كانت بالمرصاد logo ياسين: وزارة البيئة نجحت خلال السنوات الماضية في وضع أسس إصلاح قطاع النفايات الصلبة logo ميقاتي يغادر إلى سوريا تلبية لدعوةٍ من الشرع logo المفتي دريان من بعبدا: على النواب ان يقوموا بواجبهم في تسمية رئيس للحكومة logo واشنطن تتفهم مخاوف تركيا بسوريا: يجب مغادرة "الإرهابيين الأجانب"
الدروس الأخيرة للإتيكيت
2022-07-06 06:26:01

أعداد المشاهدات العالية لفيديوهات أمينة شلباية عن الإتيكيت، تعكس مزاجاً ساخراً لدى الجمهور، فليس هناك من يأخذها حقاً على محمل الجد. مكمن الضحك هو في جعل اليومي والتلقائي والبسيط، كأكل حبات العنب أو صبّ الشاي، مادة لقواعد وقيود "فن" السلوك، كما تطلق عليه صاحبته، فن يحتاج إلى دروس وخبراء وشهادات أيضاً. تذهب المفارقة أبعد قليلاً حين يتعلق الأمر بـ"إتيكيت الملوخية". فـ"إتيكيت"، الكلمة ذات الأصل الفرنسي والمرتبطة بطقوس البلاط الفرنسي، ومن ثم البرجوازية الطامحة للحاق بالأرستقراطية الآفلة والاستيلاء على مكانتها، تبدو مقحمة اليوم، خصوصاً حين توضع جنباً إلى جنب مع الطبق الأكثر محلية وتقليدية في تصور المصريين عن أنفسهم وتصورات الآخرين عنهم. ذلك الطبق "البلدي" لا يمكن أن يكون مادة لقواعد المجتمع المهذب، إذ أن البلدي بالتعريف، وبحسب الاستخدام اليومي، كان وما زال يعني الضد من الذائقة الراقية.
تلك المفارقة نفسها، أو ما يشبهها إلى حد كبير، رافقت شلباية نفسها منذ ظهورها في نهاية الثمانينيات. فوزها بلقب ملكة جمال مصر في العام 1988، جلب حينها قدراً لا بأس به من التنمر. فهي لم توافق معايير الجمال المعتمدة، أي الملامح الأوروبية والعيون الملونة في شعب غالبية سكانه من السُّمر. جسدها النحيل أيضاً، ربما أكثر من اللازم بحسب المعايير المصرية، لم يجد له مكاناً مع مخيال الأنوثة المحلي، في اشتهائه للانحناءات الممتلئة. كان وجه شلباية الطويل وعظامه البارزة مع فك عريض وقوي، يشبه كثيراً ذائقة بيوت الأزياء العالمية، التي كانت قد تحولت إلى نموذج لعارضة الأزياء ذات الجسد الهزيل والوجه الشاحب أو الملامح المائلة إلى الذكورة. إلا أنها، وفي الوقت نفسه، وبسبب تلك الملامح الخارجة عن المعايير المحلية للجمال، كانت تشبه السواد الأكبر من المصريات، بملاحتهم العادية.في عقد التسعينات، استأثرت شلباية ببرامج الموضة ودروس المكياج وقواعدهما، في شاشات التلفزيون الرسمي، على خطوط المفارقة نفسها، أي مظهرها الذي لا يعتبر جميلاً بالمعايير المحلية، وفي الوقت نفسه التصدي لمهمة تقنين الجمال وتحديد معاييره. وعلى الأغلب، لم يكن هذا التنافر أمراً يتعلق بشلباية نفسها، بل بأزمة لم تحل في علاقة المصريين بمظهرهم وبأنفسهم في العموم، تظهر أكثر وضوحاً في معايير الجمال والذوق، الراجعة في معظمها إلى هيمنة النموذج الغربي، والمعتمدة أيضاً على ميراث من الطبقات "التركية" التي شكلت أرستقراطية البلاد وجل برجوازيتها منذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر حتى وقت ليس بالبعيد جداً.تقدم المسرحية الكوميدية الشهيرة "سيدتي الجميلة" (1969)، للثنائي شويكار وفؤاد المهندس، المثال النموذجي للسردية الناصرية بخصوص الإتيكيت، على خلفية العلاقات بين الطبقات، وكمحدد لها. النص الأصلي لبرنارد شو، مَصَّره سمير خفاجي، ليصبح "كمال" معلم الإتيكيت ممثلاً للبرجوازية التي تتقن آداب الأرستقراطية، حتى أكثر منها، لكنها لا تتمتع بمنزلتها. وبغية الإفلات من حكم بالإعدام من الخديوي "أفندينا"، يجد كمال نفسه مضطراً لالتقاط النشالة الجميلة والسوقية، "صدفة"، وتعليمها آداب المجتمع الراقي حتى تتظاهر بأنها تنتمي للطبقة الأرستقراطية. بعد كثير من التعثر، تتعلم صدفة وتتقن دورها لدرجة خداع الخديوي نفسه، وإن كان هذا قد تضمن صِداماً بينها وبين معلمها الذي وظف الكثير من القسوة في تعليمها. في النهاية تنفك العقدة على كشف رياء الآداب الأرستقراطية وخوائها، وبيان دور العنف في فرضها، لكن هذا لا يعني انتصاراً للسوقية ولا تصالحاً معها، بل إنه رفع صدفة، المنتمية للطبقة العاملة الرثة، إلى أخلاق الطبقة الوسطى، وينتهي العمل باعتراف ضمني بفضل كمال وطبقته، كوسيط ونموذج وسلطة في عملية الترقي الطبقي هذه. كان هذا هو الحلم الناصري قصير العمر، بعد إلغاء المَلَكية وأرستقراطيتها، أن يتعلم أبناء البلد والريفيين ليلحقوا بطبقة وسطى كبيرة بأخلاق برجوازية فخورة ومحتشمة وعملية.
كطفل كبر في عقد الثمانينيات، كان عليّ تعلم آداب المائدة المعتمَدة لدى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى: لا تأكل بيدك، المضغ والفم مغلق، استخدم يدك اليمين. في حضور الآخرين أو في زياراتنا لهم، كان علينا ألا ننهي كل الطعام في أطباقنا، ولا المشروبات في كؤوسنا، إذ يقاس مقدار التأدب بالكمّ الذي تتركه خلفك. فالكثير جداً يعني التبذير، والقليل جداً يعني النَّهم. كانت هذه قاعدة صارمة، وأذكر توبيخاً طويلاً نلته من والدي بعدما شربت كأس كوكاكولا بكامله أمام الضيوف. كان يجب ترك القليل من المشروب في قاع الكوب، علامة على استغناء الامتلاء. القاعدة بإجمالها تتعمد نفي الجوع الذي كان جيل آبائنا محظوظاً بأنه لم يختبره، أو على الأقل لم يشهده كواقعة يومية، إلا أنه ورث ذاكرته من جيل الأجداد الذين عرف بعضهم دورات الجوع ولو بشكل موسمي. كان ذلك إتيكيت طبقة وسطى على حد كفافٍ قلِق، وشبعها يحتاج إلى إثباتات دائمة ومكررة.ما يُضحك في فيديوهات شلباية، ليس أن إتيكيتها قد عفا عليه الزمن، ولا أن المشروع الناصري بآداب طبقته الوسطى قد تداعى بالفعل قبل عقود، بل توهمها بأنها قادرة بمفردها على القيام بمهمة "نشر الوعي"، كما تقول، بين الجماهير، المهمة التي تخلت عنها الدولة نفسها وفشلت فيها طبقته الوسطى تحت ثقل أزماتها وصراعها المتواصل من أجل البقاء.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top