2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo وزير الخارجية الفرنسي في بيروت logo اجتماع في دار الفتوى في طرابلس بحث في سبل تقديم المساعدات للنازحين logo التعازي باغتيال نصر الله.. تقسم ناصريي مصر logo ضربات إسرائيلية عنيفة على اليمن.. استهدفت الحديدة ورأس عيسى logo لإدارة الحرب... ساعر ينضمّ إلى حكومة نتنياهو! logo الجيش الإسرائيلي يزعم استهداف مقرات عسكرية لحزب الله logo فارس سعيد يكشف دور "الحزب" الجديد ويُفنّد تفاصيل المرحلة المقبلة… نداء إلى اللبنانيين! logo بعد فرار سجناء… بيان للجيش
بعيداً من الجنة المفقودة... رحل خيري الذهبي
2022-07-05 12:26:06

في رثاء روائي استثنائي، ومثقف يمتلك من الحساسية ما يدفعه دائماً لأن يكون في صف الناس والمهمشين منهم على وجه الخصوص، كخيري الذهبي(مواليد 1946) الذي باغت السوريين برحيله في باريس أمس الإثنين، من غير المجدي أن يذهب المرء إلى قراءة سيرته الإبداعية الشخصية، الممتلئة بالكتب، والحديث عنها، من دون أن ينظر إلى نهاية حياته، وكيف ذهبت به المنافي، بعدما أعلن موقفه واضحاً من ثورة السوريين، منتمياً إلى روحها، أحلامها، وطموحات شبابها.

الذهبي كان قد دوّن في وقت سابق في فايسبوك عبارات تختصر الحكاية التي عاشها بين الوطن والمنفى فقال: "في العالم كله يولد الناس أحراراً لكنهم في العادة لا يموتون أحراراً.. إلا في سوريا حيث يولد الناس مشاريع عبيد، لكنهم يرفضون هذا الشكل من الحياة فيموتون .... أحراراً"!
وفي المقابل الأدبي لحياة المنفي، لا بد من التوقف عند التزامه بالمدينة التي كرس لها غالبية رواياته. فدمشق الحاضرة ههنا، لن تضم جثمانه في حنايا ترابها، وإذا حدث هذا ذات يوم، فإن ذلك سيكون جزءاً أخيراً من رواية خيري التي لم يكتبها بقلمه، بل بروحه، وعصيانه، وتمرده على النظام.
لم يكن الراحل خيري الذهبي بعيداً من المنابر المتاحة في دمشق، قبل ثورة السوريين، بل كان وبِطاقَته المدهشة، واحداً من الفاعلين البارزين في كل المجالات التي خاضها، من الكتابة القصصية والروائية، إلى السيناريو التلفزيوني والسينمائي، وأيضاً الكتابة في التاريخ وحوله، لكن كل هذا الحضور لم يعن له شيئاً أمام الحدث الكبير الذي صنعه الشباب الثائر في 2011.
لم يكن الذهبي أبداً جزءاً من آلة النظام الثقافية أو الفنية، رغم نشره مؤلفاته في منابر كوزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب. فتصوره للمسألة يجعله بعيداً من الوقوع في شرك محبة السلطة، أو التماهي معها، فقد كان يرى أن "المثقف يجب أن يكون على يسار السلطة مهما كانت تلك السلطة، وتلك اللحظة التي تتوافق فيها السلطة مع المثقف، يعني أن ذلك المثقف أصبح شاعر بلاط، يلتقط الدراهم جزاء أدبه المُرضي للسلطان، حتى لو كان أدبه عالياً". ولهذا، فإن تعبيره عن رأيه في ما عاشه ورآه من تجاوزات الأدباء الموالين للنظام، قاده غير مرة إلى الصِّدام مع هؤلاء في وقائع لا تنسى، ومنها على وجه الخصوص شجار عنيف بينه وبين رئيس اتحاد كتّاب النظام الأسبق، علي عقلة عرسان، والذي صار اسمه السيد ع.ع.ع على يد الذهبي نفسه، بعدما اختصره بثلاث عينات في إحدى مقالاته.
تذكر خيري، قبل شهرين من الآن، روائياً سورياً مات مطروداً هو الآخر من "جنة" النظام، هو صديقه هاني الراهب، فاستدعى بما كتبه عنه تلك البيئة الفاسدة التي عاشها الرجلان مرغمَين، مثل كل المثقفين السوريين الأصيلين، وفي مقدمتها حثالة من الكتَبة الذين برعوا، ومن خلال مناصب محصنة بالسطوة الأيديولوجية والأمنية، في طرد الموهوبين، وإحلال عديمي الموهبة مكانهم، خصوصاً المخبرين الذين لا يبرعون في شيء قدر براعتهم في كتابة التقارير الأمنية بزملائهم.
المواظبة على التدوين اليومي في صفحته الشخصية في فايسبوك كانت ملفتة طوال سنوات، حاول خلالها ربط وقائع التاريخ الذي درسه بشكل مكثف، وحقق بعض كتبه لصالح وزارة الثقافة، بما حدث ويحدث في البلاد، وبشكل طبيعي استدعت تلك المدونات نقاشات مكثفة، قطعتها غيابات سرعان ما دفع الذهبي بعدها بعمل جديد من أعماله إلى القراء.
لقد فعل ما كان يجب عليه فعله، أي نقل المواجهة من حيز التلقي، والارتهان إلى الواقع بدمويته وخساراته، إلى حيز الفعل والدفع بأقصى الأسلحة فعالية في ساحة مواجهة النظام وجبروته وفظائعه. وأي سلاح أمضى في يدي الكاتب، من معرفته وثقافته وجدله مع الواقع والتاريخ؟ فمن هذه الزاوية رأى الذهبي نفسه منتصراً على الطغاة وأدواتهم القمعية، فكتب عن استراتيجيته الخاصة قائلاً: "لن يهدأ بالي حتى يُهدم آخر السجون في سوريا، ويُطفأ آخر ضوء في أبنية المخابرات"!
وفي بعض التفاصيل، دوّن الذهبي سيرة الأسر في السجون الإسرائيلية بعدما وقع بين أيدي المحتلين أثناء أدائه للخدمة الإلزامية، مترجماً مع بعض جنود الأمم المتحدة العاملين في الجولان العام 1973، الشهادة المهمة جداً التي دوّنها الذهبي والمعنونة "من دمشق إلى حيفا 300 يوم من الأسر في إسرائيل"، و حصلت على جائزة ابن بطوطة في العام 2019، وهي توثق تعامل النظام مع الجنود السوريين، وتفضح أساطير تصديه للعدو، وتكشف كيف نحر البعثيون والأسديون منهم على وجه الخصوص جيشاً كرست سوريا له كل مقدراتها، فلم يصنع سوى الهزائم أمام الأعداء، والانتصارات على شعبه!
وعلى الإيقاع ذاته، المتوثب نحو الكتابة بوصفها مركب النجاة، سيقدم الذهبي للقراء عدداً من المؤلفات الأدبية، ومعها سيكتب مرات عن دمشق، لا سيما في روايته الذاتية "الجنة المفقودة من القنوات إلى كفر سوسة"، التي يستعيد فيها تفاصيل مكثفة من طفولته الدمشقية، فيكتب في ذكريات "العيد في القنوات": "كان الدب الذي رأيته في الحريقة، مختلفاً تماماً عن الدب الذي رأيته في القنوات منذ سنوات طويلة، فكأن بهذا الدب الذي كان شرساً أن روض، وحبس في القفص وجوّع حتى الإنهاك والذل، نظرت إلى ذلك الدب الذي أسموه بالسوري، كيف كان برياً حراً ومن ثم ساقوا عليه السلاسل وبعدها الأقفاص ومن ثم رحلوه إلى مصر ليوسم بالانفصالي، وبعدها سينقرض تماماً في سوريا ولن يظهر أيّ أثر له مجدداً إلا في سنوات الثورة الأولى في القلمون حيث لم يعد لسلطة الإنسان أثر في الطبيعة. لوهلة شعرت أن ذلك الدب هو كل شيء في سوريا".
يرحل الذهبي بعيداً من وطنه، فتصبح حكايته وجهاً من وجوه البلّورة السورية التي تلمع بالمآسي، لكنها ترسل الضوء في العالم المعتم.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top