2024- 10 - 05   |   بحث في الموقع  
logo إليكم حصيلة العدوان على بعلبك الهرمل والبقاع الأوسط logo الأسد يشيد بالرد الإيراني: "المحور" قادر على ردع العدو logo الغارات تتجددّ على لبنان والحزب يستمر بصدّ التوغل البريّ logo هل تسجّل البتكوين 100 ألف دولار في نهاية العام؟ logo تصاعد أسعار النفط تحت ضغط اتساع الحرب بالشرق الأوسط logo وصول طائرة مساعدات غذائية من المملكة الأردنية logo "حفاظاً على الأمن الدوائي"... مناشدة من نقيب الصيادلة logo تقرير: اسرائيل تحذّر طائرة ايرانية يعتقد أنها تحمل أسلحة إلى حزب الله
"التغييريون" هم أيضاً 8 و14 آذار.. لا مفر
2022-06-30 15:26:06

في حراك 2015 كانت البداية الملتبسة. الاعتراض على الفساد وعلى مساوئ نظام التحاصص وعلى التعبئة الطائفية، كان يغريه أيضاً السأم من الانقسام بين جبهتيّ 8 و14 آذار، الذي أفضى إلى استعصاء مدمّر للحياة السياسية ولإدارة الدولة.
هذا السأم تحديداً لاقته أدبيات احتقار السياسة نفسها أو على الأقل تجنبها، وفق وهم أن حل أزمة النفايات أو مكافحة الفساد أو كسر الاصطفافات الطائفية لا تستلزم بالضرورة مواقف واضحة أو انحيازاً محدداً تجاه قضايا مثل الاغتيالات أو سلاح الميليشيات أو السياسة الخارجية أو الثورة السورية أو حتى تطبيق الدستور.ظن أهل ذاك الحراك أن رفع شعار "إلغاء الطائفية السياسية" مثلاً كفيل وحده وعلى نحو تلقائي بإفحام معسكريّ 8 و14، وبتجاوز الانقسامات العميقة بين اللبنانيين، من دون الانتباه أن الشعار نفسه يحمل تأويلات وتفسيرات تجدد تلك الانقسامات فور الشروع بإشهاره.
وبكثير من السذاجة، كان حراك 2015 يظن أنه بمجرد وضع 8 و14 في كيس نفايات واحد، ورميه خارج البيت، كفيل بخلاص اللبنانيين من محنتهم. وكذلك، الاستقالة من الإجابة عن الأسئلة الكبرى المتعلقة بمستقبل البلد: السيادة، الحريات، الديموقراطية، الدستور، "المقاومة" وسلاحها، النظام الاقتصادي، استقلالية القضاء، العلاقة مع النظام السوري.. إلخ.لم يدم طويلاً تهرّب أهل هذا الحراك من الاستحقاق السياسي، فسرعان ما بدا أن كل خطوة أو بيان أو اعتصام أو تظاهرة يفرض إشكاليته السياسية التي ستفضي حكماً إما إلى موقف 14 آذاري أو نقيضه الثمانيّ. والأسوأ كان حين اخترقت "الأجهزة" صفوفهم، لينقسموا إلى تيارين: "يساري ممانع" تسلل إليه الحزب الشيوعي و"حيادي مدني" مشرذم. وفي الحالتين، كان واضحاً الخروج الأهلي المسيحي من الحراك برمته، ما أفقده بعده الوطني تدريجياً.
مع ذلك، عبّر الحراك عن توق عميق للإصلاح، وعن رغبة وطنية بالتغيير. وعن وجود كامن لتيار مدني عريض يغار على الكيان والدولة والمصلحة العامة ويطمح إلى مواطنة مدنية عابرة للطوائف. كذلك، كان الحدث بحد ذاته تعبيراً واضحاً عن مجيء أجيال جديدة لها كامل الحق الشرعي في المطالبة بالمشاركة والقيادة.بهذا المعنى، أتى الحراك كنقد ضروري لمساوئ 14 آذار، وبدرجة أقل جرأة في التبرم من خطايا 8 آذار. وبكلام أوضح، جمهور حراك 2015 ووفق كل فرد فيه كان حتماً ينطلق بنقده إما إحباطاً وعتباً على انحرافات أحزاب وزعامات 14 آذار وخياناتها، وإما تميّزاً عن "خشبية" خطاب 8 آذار. لكن في الحالتين، كان الفرز جلياً وفق الثقافة السياسية والأيديولوجية. وهكذا فشل الحراك في تحقيق وحدته بقدر فشله في تحييد السياسة عن شارعه. وكان مآله التبدد.من تلك البذرة الملتبسة أتى العام 2019، انفجاراً شعبياً جماهيرياً ضد الاستنقاع والانهيار الذي وقع فيه لبنان جراء النهايات البائسة لأحزاب 14 آذار وسياسات زعمائها من ناحية، واستفحال هيمنة أحزاب 8 آذار التي استجلبت بدورها الكوارث الاقتصادية والعزلة واستباحة الحدود.. من ناحية ثانية. وكان هذا بالتشارك والتواطؤ وتبادل الأدوار بين "الجبهتين" أرسى فجوراً وفساداً سياسياً ومالياً وإدارياً وأخلاقياً لا مثيل له.
وعلى ما أصاب حراك 2015، وبالسرعة نفسها، أصيبت انتفاضة 17 تشرين بلعنة الفرز بين من هو آتٍ من "بيئة" وثقافة 8 آذار أو 14 آذار. حتى أن شعار "كلن يعني كلن" كان يحمل تأويلات مضمرة من نوع: أولهم جبران باسيل، أو أقلهم سمير جعجع.. أو حتى "ما عدا السيد" (نصرالله).
وبسرعة فائقة، في زمن خيم الاعتصام والتظاهرات الأولى، بدا صوغ التوافقات بين جموع 17 تشرين صعباً، وظهرت الانشقاقات في الأيام الأولى، وقد غذاها انخراط تيارات يسارية متباينة ومتخاصمة، بقدر انخراط يمين تقليدي كـ"الكتلة الوطنية" و"الكتائب" وجمهور "القوات اللبنانية".مع خصومة التيار العوني للانتفاضة و"العداوة" العنيفة التي أظهرها حزب الله وحركة أمل لساحات 17 تشرين، كان سهلاً القول أن "الثورة" هي بأغلبية كاسحة من جمهور 14 آذاري تمرد على أحزاب وزعماء 14 آذار، وضد 8 آذار حتماً، وإن كان يضم نسبة لا بأس بها من "المدنيين" المعادين للسياسة أو من حاملي ثقافة الممانعة. رغم ذلك كان يمكن الاستنتاج إلى حد كبير أن الجيل الجديد لـ14 آذار هو الذي قاد انقلاباً شعبياً ضد 14 آذار التاريخية.
وبعد انفجار مرفأ بيروت، وما تلاه في المسار القضائي، تبين بجلاء تام أن خطاب 17 تشرين السياسي بعد 4 آب 2020 هو من نسل 14 آذار الشعبية تحديداً وإن كان لا يطابق تماماً لغة العام 2005. وقد بات اسم حاملي هذا الخطاب "التغييريون".هؤلاء الأخيرون، على تنوعهم واختلاف مشاربهم كما أسلفنا، تمثّلوا أخيراً في 13 نائباً، هم نسخة طبق الأصل عن سذاجة حراك 2015 وتصدعات وانشقاقات 17 تشرين. فالتهرب من الإجابة عن الأسئلة السياسية الكبرى، واستعصاء التوافق أو الإجماع على خطاب واحد وتأجيل البحث في الموضوعات الخلافية، بل والتبرؤ المجاني من أي انحياز أو موقف صائب لمجرد أنه قد يتلاقى مع هذا الحزب أو ذاك من "أحزاب المنظومة".. كل هذا يُخرج النواب الـ13 أو جلّهم من حيز السياسة، ومن جدوى تمثيلهم النيابي.
المثال الأخير كان في سلوك وبوح النائب الياس جرادة، الذي لم يتردد بزيارة سوريا باسم الطب، متلطياً بالبراءة السياسية، نازعاً عن نفسه صفة "نائب الأمة". فبهذه الخفة (وأمثلتها كثيرة في زمن قياسي)، أظهر التغييريون أن لعبة إخفاء الانحيازات السياسية باسم التغيير، لا تنفع لتوحيدهم الافتراضي ولا تمنح القوة إلا لخصومهم. بل ويصبح "التغيير" معهم عبارة فاسدة ومنتهية الصلاحية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top