بعد ارتفاع وتيرة التهديدات بالقتل والتجمعات المقابلة، أجلت جمعية "حلم" التظاهرة المقررة اليوم الأحد في 26 حزيران من أمام وزارة الداخلية وصولاً إلى وسط بيروت إلى موعد يحدد لاحقاً. كما وأدانت في بيان أصدرته "خطاب الحقد والكراهية ضد من هو مختلف والتحريض ضده وتهديده ومنعه من ممارسة حقوقه المدنية". وحمّلت "القوى الأمنية المسؤولية وأخذ كل التدابير القانونية للتصدي لكافة التهديدات".
وقد دعت الجمعية لهذه التظاهرة سابقًا بعد إصدار وزير الداخلية وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي بتاريخ ٢٤ حزيران الجاري، كتابًا موجهًا لكل من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام، موضوعه "منع تجمّعات تهدف إلى الترويج للشذوذ الجنسي".
وطالب الوزير بكتابه، المديريتين منع أي أنشطة مزمع إقامتها في هذا الصدد فضلاً عن التجمعات ونسخ صور عن هذه الدعوات، وذلك بعدما تلقت الوزارة بحسب الوزير إتصالات من مراجع دينية نددت بالدعوات لمثل هذه الأنشطة في لبنان، وبإعتبار أن "الشذوذ الجنسي" أمر مخالف للعادات والتقاليد الإجتماعية ويتناقض مع مبادئ الأديان السّماوية.ردات الفعلوقبل تعميم كتاب الوزير، كان مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان قد أعلن أنّ دار الفتوى «لن تسمح بتشريع المثلية الجنسية ولا بتمرير مشروع الزواج المدني"، فيما قام بعض الأشخاص الذي يطلقون على أنفسهم اسم «جنود الربّ» بتخريب لوحة «بيروت برايد» المزيّنة بورود من لون قوس القزح في الأشرفية. وحذّر "التيار السّلفي في لبنان ببيان شديد اللهجة "المسّ بالعقيدة الإسلامية، ودعا للإصطفاف إلى جانب دار الإفتاء".وتعرض المفتي لإنتقادات على موقفه .ودخلت نقابة محامي طرابلس على خط الإدانات فاستنكرت ما دوَّنه المحامي خالد مرعب في صفحته الخاصة على تطبيق facebook "من الفاظ وتعابير لا تمت الى الآداب العامة بصلة وتطال مفتي الجمهورية".وأُجبر مرعب على إزالة "البوست" عن الفايسبوك، كما مغادرة منزله بعد تهديدات تلقاها.حرب افتراضيةوأشعل مضمون الكتاب "حرباً" بين مؤيدين ومعارضين إحتدمت على وسائل التواصل الإجتماعي، وتصاعدت الإحتجاجات من الطرفين. ودعا بعض الأفراد والمراجع والجماعات الدينية، الى قمع أي محاولة لمجتمع الميم ومؤيدوه لنشر كما أسموه "الشذوذ الجنسي". وطالبوا القوى الأمنية مداهمة كافة الأماكن التّي يرتادها أفراد مجتمع الميم، في جوّ من السّخرية والفوقية والتنمّر.
وشدد المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان في خطبة له اليوم ٢٦ حزيران، على أن "الشذوذ الجنسي مرفوض بشدة، ولن نقبل به أبدا ولن يتحقق في لبنان، والخطير أن بعض القرارات القضائية تعمل على تأسيس حماية قضائية لأسوأ طاعون أخلاقي".إدانة انتهاك الحرياتمقابل هذه التصريحات ضجت وسائل الإعلام بالمدافعين عن حقوق الفئات المهمشة التّي تتعرض لتهميش إضافي وإنتهاك علني وغير قانوني.وقد احتجت جمعيات وحملات "علمانية" ك "مدى" و"حلم" وغيرها "على خطاب الكراهية وإمعان السّلطة في إنتهاك حق وحريات الناس في التعبير"، وأدانت قرار الوزير وإعتبرته مخالفًا للقوانين وشرعة حقوق الإنسان.كذلك رأت حملة "بيروت تقاوم" الداعمة للنائب إبراهيم منيمنة بييان لها ما حصل"ممارسة سلطوية تناقض النصوص القانونية والحقوقية.. وتثبت المنظومة الحاكمة مرة جديدة إنجيازها للنظام الأبوي الذي يتحكم بحياة الناس وأجسادهم."كما أدانت "حملة شمالنا" الداعمة للنائب ميشال الدويهي قرار وزير الداخلية بإعتباره يندرج "ضمن ثقافة إلغائية ولّى عليها الزمن، ويناقض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وأكدّت أن "المواجهة مستمرة لحماية حقوق الناس، كل الناس".
وندد حزب "تقدم" الداعم للنائب مارك ضوّ بقرار وزير الداخلية وذكّر الحزب "الوزير والقاضي أن هذا القرار مخالف للدستور اللبناني ولشرعة حقوق الانسان، وأن سبق للقضاء اللبناني أن أكّد أن المثلية هي ممارسة حق طبيعي وليست جريمة جزائية".
وفي حين أدان عدد من الحملات الداعمة للنواب التغييرين هذا القرار، لجأ اخرون منهم إلى الإصطفاف إلى جانب دار الإفتاء كالنائب ياسين ياسين . وقد نشر على صفحته على فايسبوك صورة تجمعه بالمفتي كاتبا" مطالبتنا بإلغاء الطائفية السياسية لا يعني أبدا التهجم على أي من المقامات الدينية. التهجم على مقام مفتي الجمهورية المفتي دريان مدان ومستنكر".
كما استنكر النائب رامي فنج "الإعتداء على المفتي قائلاً: "نحن في مجتمع نحترم التعددية الدينية ونحترم القيم والأخلاق التي تربينا عليها ونربي أولادنا عليها ونرفض أي تهجم على المقامات الديينة ".شرعية المرسومترددت أمس، فكرة رفع شكوى للأمم المتحدة بحجة إنتهاك لبنان لشرعة حقوق الإنسان لكن لم يتم التأكد من مدى دقتها ومن سيتابعها.
يُذكر أن قرار الداخلية يعتبر تصعيديًا بشكل غير مسبوق. فلبنان يعتبر أكثر تساهلاً مع المثلية الجنسية على عكس دول الجوار. ومع ذلك فإن المثليين والذين ينتمون لمجتمع الميم يتعرضون في لبنان باستمرار لإنتهاك لحقوقهم الشخصية، فضلاً عن حريتهم بالتعبيرعن هوياتهم. وقد وثقت في السنوات الأخيرة مئات الإعتداءات من القوى الأمنية فيها الكثير من المهانة وإنتهاك للكرامة الإنسانية.
ينطوي كتاب الوزير،الذي يحمل صفة ال "عاجل جدًا" والمفتقر لأي سند قانوني، على إنتهاك صارخ لشرعة حقوق الإنسان الذي يلتزم بها لبنان دون تحفظات. وهو يخالف مضمون المادة الثامنة والثالثة عشر من الدستور اللبناني الذي صان حق الأفراد وحريتهم بالتعبير وإبداء الرأي فضلاً عن حريّة الإجتماع. وهو وضع ضوابط على حرية التعبير في حال تضمنت تعرّضاً غير مبرر لحقوق الغير ولحرمة حياتهم الشخصية أو تشويهاً لسمعتهم ولصورتهم بين أبناء المجتمع الواحد، أو على ما يشكل مساساً بالأمن القومي أو الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الاداب العامة، أو دعوةً إلى الكراهية العنصرية أو الدينية.
ولا يحقّ لوزارة الداخلية، وعلى رأسها الوزير، منع أي تجمعات بحجة مخالفتها للآداب العامة، بل الأمر محصور بإشارة قضائية. الوزير مولج فقط بتأمين الحماية لهذه التجمعات التّي تندرج ضمن إطار حرّية التعبير، حتى ولو تناولت مواضيع متعلّقة بالجندر والجنسانيّة والجنس. ولا شكّ أن المولوي رضخ لأوامر السّلطات الدينية رغم أن لا سلطة قانونية لها في إطار التنظيم أو العقوبات. ولليوم تظل المادة ٥٣٤ من قانون العقوبات التّي تجرم "المجامعات الخارجة عن الطبيعة" مبهمة وقد أثبت القضاء اللبناني مرارًا وفي محاكماته أن المثلية هي حرية شخصية ولا يمكن معاقبة المثليين عليها كما حصل في بعض المحاكمات بين ٢٠٠٧ و٢٠٢١.