دخلت أزمة الخبز أسبوعها الثالث، ولا تزال الطوابير أمام الأفران مستمرة، في ظل تراجع كميات المعروض من الخبز، وارتفاع الأسعار بشكل مضاعف في بعض المناطق. ما جعل من المواطنين ضحايا يتجاذبهم تجار الطحين والخبز والمواقف السياسية والإعلامية. فبين تقاذف المسؤوليات من الأفران إلى المطاحن والوزارة، والتباطؤ بصوغ الحلول لمعالجة الأزمة، من قبل وزارة الاقتصاد والأجهزة الأمنية والقضائية، يقف المواطن عاجزاً عن تأمين كفايته من الخبز.طبيعة الأزمةلا ترتبط أزمة شح مادة الخبز الواقعة منذ أسبوعين والفوضى المرافقة لها بتوفر المال، فهناك 150 مليون دولار رصدت لدعم القمح، الذي سيذهب الى الخبز العربي. فلا صحة لذريعة عدم توافر الأموال. كما أن كميات القمح المتوافرة في البلد كافية لتأمين حاجة السوق من الخبز. إذاً أين تكمن الأزمة؟ تكمن في تلاعب بعض "الزعران" من التجار والأفران بأمن الرغيف. ولسنا مَن أطلق وصف "الزعران" على المتلاعبين بقطاع الخبز والطحين، إنما وزير الاقتصاد أمين سلام، الذي اعترف بوجود زعران. منهم مَن يقوم بحجب الطحين عن الأفران، ومنهم من يسرق قسماً من القمح المستورد المدعوم، ويعمل على تهريبه أو بيعه بأسعار مرتفعة لتحقيق الأرباح. ولم يجرؤ حتى اللحظة على مواجهتهم، مكتفياً بملاحقتهم قضائياً على حد تعبيره.يقوم بعض مستوردي القمح ومن بعدهم المطاحن بتسليم كميات ضئيلة من الطحين للأفران، تقل كثيراً عن حاجتها لإنتاج الخبز، في حين يتمنّع باقي التجار عن تسليم الطحين كلّياً بانتظار استحصالهم على ثمنه كاملاً، في حين أن آلية الدفع تواجه تأخيراً في كثير من الأحيان، بسبب روتين فتح الاعتمادات المفروض من قبل مصرف لبنان. ولا تقتصر "زعرنات" التجار على عدم تسليم كميات كافية من الطحين، إنما أيضاً على بيع بعض الأفران كميات الطحين المدعومة والمخصّصة لإنتاج الخبز، في سبيل تحقيق أرباح أكبر من تلك التي توفرها لهم عملية إنتاج الخبز. ويفيد مصدر متابع في حديث إلى "المدن"، بأن أرباح بعض الأفران من بيع حصتهم من الطحين تفوق أرباحهم من إنتاج الخبز. والأسوأ من ذلك أن الطحين الذي يبيعونه خلسة يتم لصغار التجار وبعض المخابز وحتى المواطنين، الذين يستخدمونه لإنتاج الحلويات والكعك وباقي المشتقات وليس الخبز.
إذاً تشارك بعض المطاحن والأفران بافتعال أزمة خبز، فيقنّنون تسليمه من دون حسيب أو رقيب. ويبيعونه بأسعار مضاعفة بالسوق السوداء. وقد وصل سعر ربطة الخبز الأبيض في بعض المناطق إلى 50 ألف ليرة، في حين وقعت إشكالات أمام الأفران، وفي بعض المحال بسبب تهافت المواطنين على شراء كميات من الخبز.عجز الوزارةاعتراف الوزارة بوجود زعرنات من قبل التجار وتسريب للطحين المدعوم، دفع بالوزير إلى إحالة الملف إلى القضاء ومتابعته. لكنه لم يجرؤ على اتخاذ إجراءات موازية للمسار القضائي كأن يشطب ترخيص المؤسسات المتلاعبة بلقمة الفقراء، أو إعلان أسمائها بعد فرض إجراءات عقابية مؤقتة بالحد الأدنى، وحرمانها من حصصها من الطحين المدعوم. إجراءات عديدة يمكن لوزارة الاقتصاد اتخاذها بحق المتلاعبين بلقمة المواطنين وكراماتهم، لاسيما أن المسار القضائي لا شك سيكون طويلاً، إن لم نقل غير مجدٍ بسبب التدخلات والمحسوبيات.ويتّضح من كل ما تقدّم أن لا أزمة حقيقية تعيق حصول كافة المواطنين على حاجتهم من الخبز، فالأموال متوافرة والقمح متوافر، أما الخبز فـ"لا". ما يؤكد تفسير الازمة المفترضة بتراخي الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الاقتصاد، التي يبدو أنها عاجزة عن الوقوف في وجه تجار وصفتهم بـ"الزعران"، من دون كفّ زعرناتهم وتجاوزاتهم عن المواطنين.
قد تخف حدة الأزمة في اليومين المقبلين، وتشهد السوق زيادة في إنتاج الخبز. ذلك، بعد تعهّد وزير الاقتصاد بتوزيع كميات وافرة من الطحين على كافة المناطق. لكن في حال صدقت وعوده، هل يضمن الوزير عدم تكرار السيناريو نفسه كل فترة؟ وكيف يمكن ضمان وصول الطحين المدعوم إلى مستحقيه؟