"تعا.. ماما ح تموت، بابا قتلها"، هكذا استنجدت فاطمة، ابنة تهاني حرب، بجدها ليخلص أمها من الموت المحتمل على يدّ زوجها. بهذه الكلمات لخصت فاطمة، ابنة السنوات الثماني، مشهد أمها المسجاة على الأرض والمضرجة بدمائها. وهي بالكلمات إياها عرّت فائض ذكورة أبيها وأدرجتها في سياقها الواقعي والقانوني: القتل.
والكلمات هذه باتت تعكس واقع النساء وحقوقهن وكرامتهن في لبنان، وإرتهان حياتهن قسرًا لرحمة الأوصياء عليهن الرجال. فتتوارد يوميًا مأساة تلو المأساة: نساء من ضحايا العنف الزوجي والأسري تتكاثر أعدادهن في المجتمع اللبناني، ورغم القوانين والتشريعات والجمعيات المنددة بهذا العنف. والعنف الأسري والزوجي سلوك ذكوري فج، لا يزال مبررًا ومستساغًا ومستترًا خلف العادات والدين والنظام الأبوي القاتل.عنف على حدود القتلعشية الإثنين الماضي 20 حزيران، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بخبر تعرض تهاني حرب (29 سنة، لبنانية، أم طفلين: فاطمة وعلي) لمحاولة قتل على يدّ زوجها محمد قمر، الذي ضربها بطريقة وحشية، فنقلها فورًا أهله إلى مستشفى بلدة سحمر في البقاع الغربي، بعدما اتصلت ابنتها فاطمة بجدها.
وذكر تقرير الطبيب الشّرعي في البقاع محمد رحال خطورة وحساسيّة الإصابات في جسم تهاني: "كسر في الضلع الحادي عشر الأيسر والضلع الثاني عشر الأيسر، وكسر في الضلع الأيسر العاشر، وكدمة في القسم السفلي بالرئة اليسرى، ونزيف حاد في البطن ناتج عن تمزقات حادة ومتعددة في الطحال. وأجريت للمصابة عملية جراحية لاستئصال طحالها ووقف النزيف الحاد في البطن. وهناك كسر خطي الشكل في الفقرة الصدرية العاشرة، والفقرة الصدرية الحادية عشرة، وجرح في الوجه والشفة السفلى، تورّم في القسم الأيمن السفلي من العنق، وتشنجات مصحوبة بألم في الكتف الأيمن والأيسر". وهذه كلها نتيجة ضرب مبرح، وتقتضي المكوث في المنزل شهراً ونصف الشهر قابلة للتمديد".تستر على الجريمةبعد ساعات من الحادثة ونقل الضحية إلى المستشفى، وبالرغم من البلبلة التّي أحدثتها الجريمة، وحسب مصادر "المدن"، حاول بعض أقارب الزوج الجاني التستر على الجريمة، بحجة أنها مشاكل بين زوجين ولا علاقة لأحد بينهما. والغريب أن بين هؤلاء أم الضحية تهاني وأختيها. وحتى اليوم لا تزال محاولات التستر وعقد الصلح بين الزوجين قائمة. وقد ظهر تسجيل صوتي لابنة الضحية، فاطمة، كانت قد وجهته لجدها، وتداوله البعض على منصات التواصل الاجتماعي. ويتضمن التسجيل تفاصيل الحادثة وسببها. وننقل هنا ما ورد فيه: "سألنا بابا إذا فينا نروح عند ناهد، فقال أنا بوصلكم. سألته ماما ليش يا محمد؟ قال لها خلص أنا بشتغل هيك ع مزاجي. رجع قالها اسكتي. قالت له بديش إسكت. رجع قالها اخرسي. قالت لا ابديش إخرس. إجا خنقها وشحطها ع غرفة النوم ودعسلها ع بطنها وقلبها، وخبط راسها بحفة التخت. ورجع شحطها ع الكوريدور. طلعت تاتا ع الصريخ، وقالت لي تاتا روحي عيّطي لجدو. قلت لجدو: تعا يا جدو ماما رح تموت بابا قتلها".
وأشار ابن عم الضحية محمد حرب "للمدن" -وهو من أثار قضيتها على وسائل التواصل بعد تكتم العائلة عليها- أن تهاني لا تزال في طور العلاج المستمر، وقد تمكنت أمس من المشي. لكن حالتها النفسية لا تزال صعبة. وهي غير قادرة على التواصل مع أحد. وذكر أن "تهاني لم تلجأ يومًا إلى أحد لتشكو تعرضها للضرب الذي تتعرض له منذ مدة، وتتسر عليه. وهذا ما سمح لزوجها بالتمادي في عنفه، إلى حد محاولته قتلها. وأوضح حرب أن "الطفلين بأمان عند خالتهما، غير أنهما يعانيان من وضع نفسي مضطرب".هروب الزوجبعد نقل تهاني إلى المستشفى توارى الزوج عن الأنظار. وقررت عائلة الضحية رفع دعوى قضائية ضده. وهذا ما أصرت عليه تهاني حرب عند يقظتها من الغيبوبة في المستشفى. وباشرت القوى الأمنية بإشارة من النيابة العامة في البقاع، تنفيذ دوريات وعمليات دهم أمكنة يشتبه وجود الزوج فيها، لكن حتى الآن لم يعثر عليه.
وتوالت تصريحات أهل الجاني الذين نددوا بفعلته في وسائل الإعلام، واعتبروا أن القضاء هو المولج بالحكم عليه. وحاول أفراد من عائلتي الزوجين لفلفلة القضية، واستخدام النفوذ السّياسيّ أداة ضغط على تهاني لإسقاط حقها الشخصيّ. والبعض يساعد الزوج على الفرار والتخفي. وظهرت على واتس آب دعوات إلى تهدئة النفوس، بعد موجات تهديد ووعيد وجهها الغاضبون من العائلتين. وتضمن واحد منها تهديد بإحراق منزل الزوج وقتله. لكن التضامن الأهلي في بلدة سحمر، ومطالبة الجمعيات والناشطات والناشطين بأن تأخذ العدالة مجراها بعيدًا عن التسويات العائلية والحزبية، أقامت خط تضامن مع الضحية لمنع الضغوط من إجبارها على إسقاط حقها الشخصي.
وأشار محمد حرب في حديثه مع لـ"المدن" إلى أن الجاني لا يزال متواريًا عن الأنظار، ولكن أهله طالبوه بتسليم نفسه. وهو يتمتع بحماية شخص نافذ.تضامن أهليتهاني تنتظر العدالة كمواطنة في دولة تنص تشريعاتها على تجريم العنف الأسري بوصفه عنفًا وتعديًا على الآخرين من دون سبب شرعي أو أخلاقي أو قانوني. وعلى السّلطة والقضاء اللبناني اليوم أن يحكم باسم العدالة وأن لا يرتهن لسلطة النفوذ السّياسي. وما التضامن الشعبي مع تهاني اليوم سوى دليل على تبرم المجتمع اللبناني من أزماته الاجتماعية التي يحتاج إلى التمرد عليها.
إلى متى تظل حقوق النساء في لبنان مهدورة، رغم أن القانون أقر حقوقهن كاملة؟