استفاد أصحاب المطاحن والأفران من الأزمة الأوكرانية لتضيف إلى الانهيار اللبناني حجّة جديدة، يستندون إليها لتبرير التلاعب بكميات الطحين والخبز وأسعاره. وبين رمي المسؤوليات وإشراك وزارة الاقتصاد بالمسؤولية، وتحديداً مديرية الحبوب والشمندر السكّري، يقبع المستهلك في المستنقع المتواصل منذ أكثر من عامين. على أنّ مستجدّات هذا الواقع، هي تنشيط السوق السوداء للخبز.السعر وصل إلى 30 ألف ليرةعلى غرار البنزين والكثير من السلع، دخلت ربطة الخبز العربي المصنوعة بالطحين المدعوم، في بازار السوق السوداء، بعد توقّف عدد كبير من المطاحن عن العمل جزئياً أو كلياً، ما دفع بعض الأفران إلى تقليص انتاج الخبز العربي أو التوقّف عن ذلك، حسب كميات الطحين المتوفرة. ومن الشمال إلى الجنوب، تكرّر المشهد وتبدّلت الأسعار التي دفعها المواطنون للحصول على ما تيسّر من الخبز، فتراوح سعر الربطة الواحدة بين 20 و30 ألف ليرة.
وفي منطقة دير الزهراني في النبطية، وصل سعر الربطة إلى 30 ألف ليرة. وتعزّزت حدّة الأزمة بفعل توقّف أفران يونس عن انتاج الخبز منذ نحو 3 أيام، وهي التي تعتبر من أكبر الأفران في المنطقة. يختلف المشهد قليلاً في منطقة صور، إذ لا يوجد سوق سوداء للخبز العربي، لكن الكميات قليلة والأفران لا توزّع على المناطق، ما يضطر بعض أصحاب السوبرماركت إلى التوجّه للأفران ومحاولة الحصول على الخبز، وإضافة كلفة النقل لاحقاً على الربطة، لتصل إلى نحو 20 ألف ليرة. ووسط أزمة الخبز المدعوم، تسابق أسعار ما توفّر منها ربطة الخبز غير المدعوم، كخبز التنّور، حيث يصل سعر الربطة إلى 35 ألف ليرة. ويتوقّع أحد أصحاب السوبرماركت أن يختفي الخبز العربي قريباً، ما يفتح الباب أمام ارتفاع إضافي لأسعار الخبز غير المدعوم.في الشمال، دقّت ساعة الصفر منذ نحو شهر، إذ لا يجد الشماليون خبزهم بكميات كافية وبالأسعار التي حدّدتها وزارة الاقتصاد. وفي بيروت، لا يختلف المشهد كثيراً، ما خلا بعض الأفران التي يستغرب اللبنانيون تواجد الخبز فيها بشكل مستمر وبكميات كافية، كأفران شمسين على سبيل المثال لا الحصر، ما يخلق طوابير وزحمة كبيرة أمام أبواب المؤسسة وعلى الأوتوستراد المؤدّي إليها في منطقة خلدة.الوزارة غير فاعلةلا قرار رسمياً برفع الدعم عن استيراد القمح. لكن مصرف لبنان يتأخّر بتأمين الدولارات وفتح الاعتمادات، ما يترك المجال للمطاحن لكسب الوقت والتلاعب بكميات القمح المتوفّرة لديها. أما وزارة الاقتصاد، فتعلن مراراً استقالتها من دورها، تحت عناوين مختلفة، أبرزها افتقارها للعديد البشري المطلوب للمراقبة. ليبقى الجهد الأقصى الذي يمكن لمديرية الحبوب والشمندر السكّري فعله، هو "إدارة الأزمة خطوة بخطوة"، وفق ما أكّده المدير العام جريس برباري في وقت سابق، خلال حديث لـ"المدن".
وهذا النوع من الإدارة يعني التصرّف بردّ الفعل، كأن يتم مداهمة مطحنة هنا أو فرناً هناك للإفراج عن كميات من الخبز والطحين، من دون إيجاد حلّ جذري. ويأتي في هذا الاطار، إحالة وزير الاقتصاد أمين سلام إخباراً إلى النيابة العامة المالية "يظهر جشع محتكري لقمة العيش"، وفق ما جاء في بيان لمكتبه الإعلامي، اليوم الأربعاء 22 حزيران، يطالب عبره الوزير النيابة العامة بـ"التحرك السريع لمحاسبتهم حتى يكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الاستثمار في وجع اللبنانيين". وأضاف البيان أن بعض أصحاب أفران "عمدوا إلى بيع الطحين المدعوم المخصص للخبز العربي في السوق السوداء بأثمان مضاعفة، وإلى إدخال محسّنات عليه لاستعماله في صناعة الحلويات والكعك والخبز الافرنجي، بما يدرّ عليهم أرباحاً مضاعفة، مسجّلين بذلك هدراً للمال العام".
والحال الذي وصلنا إليه، يعيد إلى الأذهان تضرّر كميات كبيرة من الطحين العراقي الذي وصل إلى لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت في العام 2020، وخُزِّن منه 2700 طن في المدينة الرياضية، في ظروف غير مناسبة، ممّا عرّض الكمية للرطوبة والمياه والقوارض والحشرات. ناهيك بهبة الطحين التركية التي وزّعت على المطاحن بصورة غير مضبوطة، الأمر الذي أدّى إلى عدم استفادة المواطنين من الهبتين العراقية والتركية. فضلاً عن آلاف الأطنان التي استوردت بدولارات مدعومة وجرى تهريبها إلى سوريا طيلة نحو سنتين. على أن التهريب لم يتوقّف حتى اللحظة، رغم تراجع معدّلاته.