كأن لا يكفي المواطن اللبناني سلسلة الأزمات الاقتصادية التي يعيشها يومياً، ليصطدم بآخر قرارات نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية قبل أيام، والذي يطالب بوقف الدعم للمستلزمات العائدة لمرضى غسيل الكلى والقلب بشكل شبه كلي من قبل وزارة الصحة، وتحويله إذا أمكن للمريض مباشرةً أو للمستشفيات. تعزو النقابة قرارها إلى عدم تمكنها من الالتزام بأسعار الدعم المعمول بها فترات طويلة بسبب تغيير سعر صرف العملة. ولذا، أعلنت التزامها بأسعار الدعم لغاية شهر حزيران 2022، ريثما ينتهي المخزون في مستودعاتها.
قرار النقابة يشير صراحة إلى أن علاجات الأمراض المزمنة قد تصبح مادة للسجال وتقاذف المسؤوليات بين النقابة من جهة، ووزارة الصحة من جهة أخرى، ناهيك عن السجال مع المستشفيات التي لا يمكنها حسب القيمين على إدارتها تحمل أي تكلفة إضافية، وبالتالي سيدفع المواطن ثمن الفشل في إدارة القطاع الصحي.تحذير هارونلايخفي نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون في حديثه لـ"المدن" حالة التشاؤم التي تخيم على العاملين في المستشفيات، ويرى أن قرار رفع الدعم سيكون بمثابة كارثة تحل على القطاع الصحي برمته، من عاملين ومرضى. ويقول هارون: "لا ينذر واقع المستشفيات بالخير في المرحلة الراهنة، في ظل غياب القدرات التشغيلية للكثير منها، بسبب الأزمة الحاصلة". ويضيف: "حتى الآن لم تفرض المستشفيات أي تعرفة إضافية على علاج أصحاب الأمراض المزمنة، ولاتزال المستشفيات ملتزمة بالأسعار المعمول بها. إلا أن هذا الوضع قد لا يستمر في الفترة المقبلة، في ظل وجود مشكلتين: الأولى نقص أدوية أمراض القلب والسرطان، وهو ما يشكل خطراً مباشراً على المرضى. والمشكلة الثانية تتعلق بإمكانية أن تلجأ الدولة إلى رفع الدعم عن علاج هذه الأمراض المستعصية، وهو ما قد يتسبب بأزمة صحية كبرى، لأن المريض غير قادر على تحمل التكلفة".
وحسب هارون، فإن الأزمة التي يعيشها القطاع الصحي، تتطلب الجاهزية لجميع السيناريوهات.ماهي التكلفة الأساسية؟تختلف التكلفة الفعلية باختلاف الأمراض، وتعد الأمراض المستعصية، أمراض السرطان، من أكثر الأنواع التي تصل تكلفتها بمتوسط إجمالي ما بين 20 و40 مليون ليرة، وفق سعر الصرف الرسمي (1515) ما بين 12 ألف دولار و25 ألف دولار، وتختلف حسب نوع المرض. ووفق مصدر طبي، فإن المستشفيات عادة لا تتحمل أي جزء من هذه التكلفة، بل تقع على عاتق المؤسسات الضامنة، ووزارة الصحة.
في العامين الأخيرين، ووفق المصدر، تبدلت التكلفة بسبب تغيير سعر الصرف، ووجود سوق سوداء تتحكم بكمية الأدوية وأنواعها، وبالتالي أسعارها. وتختلف الأسعار حسب نوع الدواء ومصدره، وتتطلب وجود الدولار الفريش، ما يعني أن علاج المريض مرهون بقدرته على تأمين الدولار الفريش.
أما بالنسبة إلى تكلفة علاج الأمراض المستعصية الأخرى، مثل أمراض غسيل الكلى، أو أصحاب أمراض نقص المناعة، وغيرها، فإن تكلفة العلاج اليومي في المستشفيات اللبنانية تتراوح ما بين خمسة ملايين و10 ملايين ليرة وفق سعر الصرف الرسمي، أي ما بين 3300 دولارًا و 6500 دولارًا، فيما يصل سعر تكلفة جلسة العلاج الواحدة دون المبيت في المستشفى نحو 150 دولاراً، أي ما يقارب 4 ملايين ليرة تقريباً. وتحتاج عادة بعض الحالات المستعصية إجراء ثلاث جلسات في الأسبوع، أي بتكلفة تتخطى 450 دولارًا، أي ما يقارب 12 مليون ليرة، على سعر الصرف الحالي (27 ألف ليرة)
هذه التكلفة فرضت على الكثير من المستشفيات إقفال العديد من مراكز العلاجات، وتحديداً مراكز غسيل الكلى، أو اقتصارها على جهاز أو جهازين بسبب عدم القدرة على تشغيل كافة الأجهزة، وفق المصدر.معاناة المرضىلا يوجد رقم دقيق حول أعداد مرضى غسيل الكلى، أو الأمراض المزمنة، فيما تشير بعض تقارير وزارة الصحة أن عدد مرضى غسيل الكلى يتخطى حاجز 5000 مريض، فيما يتخطى عدد مرضى السرطان والأمراض المستعصية الأخرى حاجز 20 ألف مريض.
على الرغم من محاولات وزارة الصحة اللبنانية دعم علاج المرضى، لاسيما أصحاب الأمراض المزمنة، إلا أن ارتفاع التكلفة في ظل انهيار قيمة العملة تشكل هاجساً حقيقياً. وهو ما عبرت عنه هيام شاهين، وهي مريضة كلى، تحتاج أسبوعياً إلى زيارة المستشفى وإجراء الفحوصات اللازمة.
شاهين، تخشى من نقص الأدوية، وعدم قدرتها على تسديد التكاليف. فعلى الرغم من أن الضمان الاجتماعي رفع تكلفة تغطية جلسة غسيل الكلى إلى مليون و30 ألفاً، إلا أنها ترى أن شراء الأدوية والتي يتم احتسابها بالدولار قد تؤثر على قدرتها على استكمال العلاج.
يعاني أصحاب الأمراض المزمنة من ارتفاع تكاليف العلاجات. فعلى الرغم من أن المستشفيات لاتزال ملتزمة ضمنياً باستقبال المرضى، ورغم محاولات وزارة الصحة الاستمرار في تغطية التكاليف، لكن وبحسب نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف، فإن محدودية الموارد تؤثر على عمل المستشفيات. يقول أبو شرف لـ"المدن": "تعمل المستشفيات بموارد محدودة سواء لناحية الكوادر البشرية التي انخفضت لأكثر من 80 في المئة، أو لناحية تكاليف الأدوية والعلاجات، والتي يتم تسديد ثمنها بالدولار الفريش". وفق أبو شرف "تقع المسؤولية الأساسية على عاتق السلطات اللبنانية، لأنها المولجة بتقديم الأموال اللازمة لشراء الأدوية والمعدات، خصوصاً لأصحاب الأمراض المزمنة. وعلى الرغم من محاولات وزارة الصحة تقديم الدعم، لكن حتى الآن لاتزال الكثير من الفواتير على الدولة غير مستحقة، وهو ما يزيد من الأعباء على الأطباء والكادر الطبي".