2025- 01 - 11   |   بحث في الموقع  
logo المفتي إمام: شهادة للتاريخ بحقّ الرئيس عون logo بيان للجيش: تفجير ذخائر غير منفجرة logo ميقاتي: لترسيم الحدود والشرع: على مسافة واحدة من الجميع logo برنياع إلى الدوحة.. مفاوضات غزة في ملعب الاحتلال logo ماذا بعد الخميس وانتخاب الرئيس ؟ (نقولا الشدراوي) logo قوى الأمن تضبط شاحنة محمّلة بخزانات حديدية تستخدم في تصنيع المخدرات logo أثناء نقل مواطنين أثاث منزلهم في عيترون… إليكم ما رمته “درون” إسرائيليّة عليهم logo مصادرة 8 أطنان من البطاطا المهرَّبة من سوريا
"دروس شهرزاد" لعايدة الجوهري... السرد مواجهاً الموت
2022-06-16 13:56:14

كيف لمتلق أن يتلقّف نصاً مبعثه الأول التحايل على الموت؟ في مقاربته لـ"ألف ليلة وليلة" يقول إدواردو غاليانو: بسبب الخوف من الموت وُلدتْ براعة القص. بالعنوان العريض، لا تبتعد قراءة عايدة الجوهري لـ"ألف ليلة وليلة" عن رؤية غاليانو للموضوع. فالباحثة، وعلى الرغم من استهلالها "دروس شهرزاد" بمقدمة في المنهج متحيزة لمدرسة في القراءة أكثر من غيرها، نراها في بعض الفصول وقد أرخت العنان لقراءة متفلتة من التقييد المنهجي الصارم، وكأنّ ثمة استدراكاً مفاده أن طبيعة العملية السردية في "ألف ليلة وليلة" تأنف الركون إلى منهج بعينه، إذ عديدة هي العناصر التي تشكّل اللعبة السردية في هذا الكتاب بحيث أن إمكان حصر تداوله في منهج واحد لا يفي القراءة حقّها.لا تغفل الجوهري عن عديد المصادر التي شكّلت الكتاب موضوع دراستها، بدءاً بالأصل الهندي المفترَض للنص، ثم موضعته في مراحل تاريخية لاحقة في الفضاء الثقافي للفرس، وصولاً إلى تبيئته عربياً مع ما حايث هذا الأمر من تناص ثقافي يخالف ثقافة البدء (الهند) أو ثقافة العبور (بلاد فارس).إن الغموض هو سيد الموقف في هذا السياق التناصي المتعدد والمتباين وكأني بـ"ألف ليلة وليلة" يعبر الثقافات متخفياً إلى أن يحلّ فيتجلى، وهو تجلٍّ لا يتم إلا عبر محايثة الثقافة التي يحل بين ظهرانيها ليشكّل، عبر عمليات التأويل التي غالباً ما يخضع هذا الكتاب لها، معجمه الخاص. أولتْ عايدة الجوهري شخصية شهرزاد الأهمية القصوى في قراءتها للكتاب، وذلك انطلاقاً من استنطاق دلالي تقصّدته، لتخرج عبره بشهرزاد من أفق الزمن التاريخي للكتاب إلى أفق آخر أرادته الجوهري أن يكون معاصراً، وكأني بالباحثة من خلال هذا الإستنطاق العابر للأزمنة والهويات الراكدة، تردد صدى بول ريكور عندما قال: الهم الرئيسي للتأويل ليس فقط تعقّب الكلمات إنما تعقّب الحياة، وهو ما تجلّى ملياً في الفصل الخامس من "دروس شهرزاد" والذي برأيي يشكّل زبدة البحث وقد عنونته الدكتورة الجوهري بـ"تفرّد شهرزاد". فتحت عنوان "تفرّد شهرزاد" سعت الباحثة، عبر أركيولوجيا حرة من أي قيد منهجي، إلى إثبات الحقيقة التالية في ما يتعلّق بالسرد والتأويل: إن الإمكان الدلالي للنص يتجاوز فضاءه الأبستمي الأول، أي أنه يتجاوز نظام المعرفة التاريخي الذي أنتجه، فإذا بنا في هذا الفصل تحديداً من فصول "دروس شهرزاد"، إزاء "شهرزاد" معاصرة، لم ترَ الجوهري بأساً في دفعها للخوض في مسائل معاصرة كمسألة الجندر والتمييز بين الطبيعي والثقافي، حيث ثمة منحى أنثروبولوجي مسكوت عنه شكّل أرضية هذا الفصل، وإن كانت ملامح هذا المنحى قد أخذت بالتبلور شتاتاً في فصول سابقة.خلافاً للثقافة السائدة حول المرأة في العصر العباسي الذي شهد ولادة "ألف ليلة وليلة"، تتجسّد شهرزاد في قراءة الجوهري كسيدة القول لنكون كمتلقين "أمام نوع من التوازن بين سلطة الكلام (شهرزاد) وسلطة الفعل (شهريار)" (دروس شهرزاد ص 173). إن سعي عايدة الجوهري لترتيب دلالة متماسكة للنص موضوع دراستها، يشي بأن الباحثة عمدتْ إلى اقتحام كلي لمتون هذا النص بعُدّة تأويلية دفعت بشهرزاد إلى عدم الإكتفاء بالرصيد أو برأس المال الثقافي لزمنها. كفّت شهرزاد في هذا السياق من التناول عن أن تكون شخصية روائية بل أضحت أقرب إلى تكثيف لجملة من القيم التي تضاد الفضاء الثقافي الذي شهد ولادتها، "... إن سر نجاح شهرزاد ونفاذها من الموت الواقعي أو المجازي إنما يكمن في عدم مطابقتها لجندرها، أي لمجموع الأدوار التقليدية التي حددتها الثقافة الذكورية للرجال والنساء... فإذا كان جنس الإنسان محدداً بيولوجياً فإن جندره مكون ثقافياً واجتماعياً" (دروس شهرزاد ص 27)، وبالعودة إلى الأسماء الرئيسية التي انطلقتْ عايدة منها منهجياً وعلى رأس هؤلاء غريماس، إن شهرزاد وعطفاً على المصطلح الغريماسي هي بمثابة الـactorialization أي التجلّي الذي يحمل الدلالة. بيد أن غريماس يرى أن الشخصيات في النص السردي تفتقر إلى الوجود المستقل الذي يمنحها الدلالة خارج السياق السردي، بالتالي إن شهرزاد كتكثيف دلالي لواقعة جندرية تخالف السائد في زمنها – كما ترى إلى الأمر عايدة – هي (شهرزاد كتكثيف دلالي) لا تكون إلا عبر ما يطلق عليه غريماس الـnarrativization أي التسريد إذا أردنا أن نأخذ بترجمة الباحث سعيد بنكراد في كتابه الشيّق "شخصيات النص السردي". لماذا نولي هذه النقطة كل هذه الأهمية؟ للأمر علاقة بـ"الحكي" المسرود... فلنتابع: احتلّ الكلام أو "الحكي" في المتن العام لـ"ألف ليلة وليلة" مكانة العقل والحجة في الدفاع عن النفس والبقاء على قيد الحياة، وذلك عبر إحالة إلى الذات تتوافق مع فرضية الجوهري التي أسست لكتابها، أي شهرزاد كأفق جندري مغاير لزمنها. ولعل ما يعزز فرضية الجوهري حيال شهرزاد التصور الذي بثّته الباحثة الجندرية جوديت بتلر عن "الأنا السردية" وذلك في سياق استعراضها لـ"تاريخ التفرّد". فبالنسبة إلى جوديت بتلر أن استيفاء "الأنا السردية" لشرطها في العالم يكون عبر الركون إلى مرجعية ذاتية، أي عبر الإحالة إلى الذات وهذا لا يتحقق – ودائماً حسب بتلر - إلا عبر التخييل، ومن النافل أن القص الشهرزادي الذي امتدّ إلى ألف ليلة وليلة يستمد وجاهته بالدرجة الأولى من البعد التخييلي الذي راكمته شهرزاد فوق أسماع شهريار. إنها قوة "الحكي" الشهرزادي الذي أعطاها خاصية التفرّد بالنسبة لنساء عصرها وأبقاها على قيد الحياة.وسيلة نجاة شهرزاد إذن تمثلت في استقطاب حاسة شهريار السمعية، ولا بأس في هذا السياق من الإشارة إلى حنة آرندت التي رأت أن كلمة عقل بالألمانية Vernunft تمتّ بقرابة دلالية إلى كلمة Vernehmen والتي تعني من ضمن ما تعنيه الرؤية وبشكل خاص السماع، ولا يجب أن تفوتنا مواءمة النص الآرندتي بشكل عام للمقاربات الجندرية. بالتالي، إن الدهشة التي تباغت الذهن حيال الإفتراض الأولي للجوهري، في مقاربتها لشهرزاد، سرعان ما تزول لدى التمعن في أشباح شهرزاد في الأزمنة التالية عليها، وصولاً إلى زمننا. لعبة الزمن مغوية إزاء النصوص متعددة المستويات الدلالية، وربما يكون الفيلسوف الألماني غادامير وقع مغبة هذا الإغواء حينما قال بـ"التحام الآفاق" Fusion of Horizons حيث يتحوّل النص بلحظة تأويلية ما وعطفاً على الكثافة الدلالية التي يختزنها، إلى سفينة فضائية عابرة للزمن كما أحب شخصياً أن أرى إلى الأمر. لا توظّف عايدة الجوهري البعد الغاداميري حيال تأويلها لـ"ألف ليلة وليلة"، بيد أن جرأتها في تحيين شهرزاد في أفق إشكالي معاصر، يجعل القارىء يستشف لمسات غادامير حيث الزمن كواقعة كرونولوجية يفقد بنيانه، فإذا بالدلالة في هذه الرؤية، هي استئناف لبدء جديد في القول، بينما الحقبات التاريخية هنا هي بمثابة شهود على التواتر الدلالي المتغير على الدوام.تنهي عايدة كتابها بالمقطع التالي: "في نهاية المطاف سفّهتْ شهرزاد القوانين الجندرية المبنية على التلازم بين شرط الكائن البشري البيولوجي وشرطه الاجتماعي، فانتصرت على نفسها وعلى الحصار المفروض عليها..." (دروس شهرزاد ص 238).قد يكون طرح عايدة الجوهري في مقاربتها لشخصية شهرزاد إشكالياً بحد ذاته، إذ ليس من يسر الأمور تحيين الدلالة وترميم المعنى لنص من النصوص بعد أجيال على بثّه، بيد أن الشرط التأويلي الأوّل والذي يخلفه الكثير من العقابيل هو إمكان الإنتقال بالنص من سباته التاريخي إلى حيوية اللحظة، وهو ما أولَته الباحثة الكثير من العناية منذ البدايات الأولى لكتابها. أنبأتنا عايدة في كتابها عن شهرزاد أن السرد الشهرزادي هو وثيقة تاريخية أو "أيقونة نسوية" تؤسس لعدم موضعة المرأة في أفق من المعنى المحدد سلفاً. نعم، مع نهاية الليلة الأولى بعد الألف من السرد، نجحتْ شهرزاد في جعل شهريار ينطق – من باب المجاز – بالعبارة التالية: ما أنا بقاتل، حيث انتصر السرد عبر المرأة شهرزاد على آلة القتل الجهنمية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top