أجرت صحيفة "واشنطن بوست" تحليلاً مستقلاً للكيفية التي قتلت فيها مراسلة شبكة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة، وقالت أن دراسة الصور المتوافرة ولقطات الفيديو وبيانات شهود العيان تؤكد كلها أن جندياً إسرائيلياً هو من أطلق الرصاصة القاتلة، على الأغلب.
وقالت الصحيفة في التحقيق الموسع أن زميل أبو عاقلة، علي السمودي، بدأ بثاً حياً في "فايسبوك" صباح 11 أيار/مايو الماضي قال فيه "نحن على أبواب مخيم جنين" و"نسمع أصوات مواجهات شديدة". وبعد نصف ساعة، شعر السمودي بهدوء كافٍ دفعه ومن معه من الصحافيين إلى التحرك ببطء باتجاه قافلة من العربات الإسرائيلية شاركت في مداهمات الصباح.وكان من بين الصحافيين أبو عاقلة (51 عاماً) التي تحمل الجنسيتين الفلسطينية والأميركية وغطت عدداً لا يحصى من العمليات المشابهة في مسيرة امتدت لعقود مع قناة "الجزيرة". وكانت الصحافية ترتدي خوذة وسترة مكتوباً عليها بحروف بيضاء واضحة "صحافة". وظلوا في المكان مدة 10 دقائق للتأكد من تحديد الجنود الإسرائيليين لهم أنهم صحافيون، كما قال السمودي لاحقاً لـ"واشنطن بوست". وأكمل: "كنا متأكدين من عدم وجود مسلحين فلسطينيين ولا تبادل إطلاق النار أو مواجهات مع الإسرائيليين".ثم تحرك الصحافيون إلى الشارع باتجاه العربات الإسرائيلية، و"كان هناك هدوء شامل ومن دون صوت رصاص أبداً. وفجأة بدأ وابل من الرصاص، أصابت واحدة السمودي، وأخرى ضربت وقتلت أبو عاقلة، وحاول زملاؤها البحث عن غطاء من الرصاص". وتذكر السمودي أن الرصاصة انطلقت من عربة عسكرية.وقالت الصحيفة أنها فحصت عدداً من لقطات الفيديو والمنشورات في منصات التواصل الإجتماعي، وصور الحادث، وقامت بجولتي تفتيش للمنطقة وطلبت من محللين مستقلين في تحليل أصوات الرصاص المساهمة برأيهم. وكل هذا يقترح أن جندياً في القافلة العسكرية الإسرائيلية أطلق النار وقتل أبو عاقلة.وقال الجيش الإسرائيلي في وقت سابق أن جندياً من جنوده ربما أطلق الرصاصة، لكنه قال إن أي رصاصة قد تكون القاتلة وأنها جاءت من مسلح فلسطيني كان الصحافيون يقفون بينه والقوات الإسرائيلية، وربما أطلقت بطريقة غير مقصودة. ولم يظهر الجيش الإسرائيلي أي أدلة على وجود مسلح فلسطيني، ولا تدعم أشرطة الفيديو مزاعم الجيش عن مواجهات مسلحة في الدقائق التي سبقت القتل. بل تظهر كل الأدلة والروايات وشهود العيان الذين قابلتهم الصحيفة أنه لم يكن هناك إطلاق النار وقت القتل.وبحسب "واشنطن بوست" فإن التحليل الصوتي لإطلاق النار الذي قتل أبو عاقلة، يؤشر إلى شخص واحد أطلق النار من مسافة قريبة، تتطابق مع المسافة بين الصحافيين وقافلة الجيش الإسرائيلي. وبناء على شريط فيديو صورته "واشنطن بوست" كان وجود الصحافيين، بمن فيهم أبو عاقلة، واضحاً للجنود الذين كان يمكنهم تحديد هويتهم على بعد 182 متراً (597 قدما). وكان أحد الجنود ينظر في منظار مقرب بحسب بيان الجيش لاحقاً.إلى ذلك، أظهر بث حي في "تيك توك" قبل دقائق من عملية إطلاق النار، هدوءاً نسبياً يتحرك فيه الناس. وسمع صوت إطلاق نار بعيد في بعض الأحيان، ولم تكن هناك إشارات عن مواجهات.وبدأ سليم عواد (27 عاماً) المقيم في جنين بثاً حياً عبر التطبيق في الساعة الـ6:24 صباحاً. وفي فيديو حصلت عليه الصحيفة، أخبر شخص عواد بأن الجنود الإسرائيليين متمركزون في الجنوب الغربي. وفي الوقت نفسه ظهر الصحافيون وهم يرتدون الخوذ والستر الواقية التي تعلمهم بأنهم صحافيون. وسمع عواد وهو يقول "سأقوم بتصويرهم"، أي الجنود وهو يمشي متجاوزاً الصحافيين. وعندما اقترب من التقاطع سمع إطلاق ثلاث رصاصات عن بعد.وبعد دقيقتين تقريباً وجه الكاميرا جنوباً لتكشف العربات الإسرائيلية التي تبعد 182 متراً بحسب تحليل الصحيفة. وقال: "هذا هو الجيش الإسرائيلي". وكانت العربات في المكان نفسه والتشكيل كما في الصور التي التقطتها كاميرات العربات التي كشف عنها الجيش لاحقاً.وطلبت الصحيفة من خبير الأصوات الذي استشاره مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" لأكثر من عقد، ستيفن بيك، تحليل صوت النار الذي سمع في التسجيلين المنفصلين. ووجد بيك أن وابل الرصاص في التسجيلين، وكان عدد الرصاص المطلق 13، أطلق من مسافة ما بين 175 و195 متراً، وبعيداً من الكاميرات التي سجلت المشهد وهي المسافة نفسه تقريباً بين الصحافيين والجنود.وقال بيك أن موجات الرصاص التي انطلقت تقترح وبشكل مدهش ومتناسق أن شخصاً واحداً هو من "ضغط على زناد البندقية لإطلاق الرصاص العابر للصوت وبأكبر سرعة"، في إشارة إلى الرصاص الذي يتحرك بسرعة أكبر من الصوت. ورغم وجود تباين بين الموجتين إلا أن بيك اعتبر أن التباين يتعلق بشخص يقوم بتغيير تصويبه، لكن هذا لا يغير التناسق في الموجتين. ومن المحتمل أن أبو عاقلة قتلت بواحدة من رشقات الرصاص الأولى أو الثانية.وقالت السلطة الفلسطينية التي تملك الرصاصة أنها 5.56 إكس ميلميتر. وقال بيك أنه استخدم عدداً من الأسلحة التي أطلقت العيار في تحليله، لكنه لم يجد اختلافاً كبيراً بينها لتحديد المسافة بين أبو عاقلة والرامي.وكانت هناك رشقتان متتابعتان للرصاص بعد تلك التي قتلت أبو عاقلة، لكن لا يمكن تحديد مصدرهما كما يقول الخبراء. وقال بيك أن الرشقات لـ12 رصاصة تكشف أن الرامي كان في مكان مختلف عن أول رشقتين. وقدر بيك المسافة بينهما بحوالي 10- 30 متراً عن الصحافيين. وربما كان مطلق الرصاص يهدف إلى ضرب شيء أبعد لأن الرشقات كانت من مسافة أبعد منها في أول رشقتين.وقال بيك: "توقيع إطلاق النار والصدى والتوقيت مختلف عن تلك الرشقات التي من المحتمل أنها قتلت الصحافية، ما يعني أن مكان إطلاق النار كان مختلفاً وأقرب. ومن دون معرفة بطبيعة الطلقة فإن التحديد الدقيق لبعد الرامي مستحيل".وأجرت الصحيفة تحقيقاً آخر قام على نموذج فيزيائي على الكمبيوتر أعده باحثون في جامعة "كارنيغي ميلون" وجد أيضاً أن الرصاصتين اللتين أطلقتا في البداية كانتا من على بعد 233 متراً أي بزيادة 46 متراً من كاميرا العربة، وهو ما يقترب من تحليل بيك. ولم يحدد البرنامج ما إن كانت الرصاصتان الأوليان نجمتا عن رامٍ أو راميَين، لكن المسافة بين القناص والكاميرا بقيت متناسبة. ومثل بيك، استخدم الباحثون عدداً من الأسلحة في تحليلهم للرصاصة التي استخدمت في عملية القتل. وقال الباحثون في "كارنيغي ميلون" أن هناك إمكانية لقناص ثانٍ في الطلقة الثالثة والرابعة، لكنهم لم يستطيعوا تحديد المسافة عن الصحافيين نظراً لرداءة الفيديو.