لم يسألنا أحد عمّا ارتُكب بحقنا
2022-06-13 20:26:17
كان لافتاً ورود جملة "لم يسألنا أحد" على لسان الضحايا في تقرير حقوقي دولي عن جرائم الاغتصاب بحق النساء والفتيات خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية. واللافت أكثر في التقرير الذي غطته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية في خبر لها، ورود كلام عن دور قانون المفقودين والمخفيين قسراً (رقم 105 وأقر في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2018) في اتاحة العمل لهذه الجمعية (اسمها "ليغال أكشن وورد وايد"، وترجمته "العمل القانوني بأنحاء العالم"). ذاك أن القانون يشمل مواداً مثل السماح بالبحث والتعاون والتنسيق مع الجهات المعنوية، ودور الجمعيات الدولية والإنسانية، ويفتح كوة في جدار الصمت حول إرتكابات الماضي.
عملياً، بات متاحاً البحث والتحري عمّا حصل من جرائم ضد الإنسانية في هذه الحرب الطويلة الأمد، ورغم أن التقرير الموجز وثّق شهادات عن عمليات اغتصاب جماعية، لكنه يُقدم صورة عن وحشية ممارسات ميليشيات هذا الصراع، وأغلبها اليوم جزء من المشهد السياسي اللبناني، أكان في الحكومة أو في البرلمان.
طبعاً، هذه الأحزاب ومريدوها يهمهم غالباً طمس الجرائم وتبريرها والقفز فوقها بدعوى أنها حصلت رداً على مثيلات لها، أو أن منفذيها كانوا أو أقاربهم ضحايا أعمال مماثلة، أو أن الطرف الآخر ارتكب أكثر وغير ذلك. بالطبع هذه التبريرات خارج السياق، ولا يجب أن يُؤخذ بها. ذاك أن الضروري اليوم توثيق الجرائم وتدوين الذاكرة الجمعية حولها، من أجل كتابة تاريخ الحرب وأحزابها التي واصلت ارتكاباتها في زمن السلم بأشكال وتبريرات أخرى. القاتل والناهب والمغتصب مرتكب واحد بعناوين مختلفة.
والتقرير يُوثّق الحرب من منظار المرأة، وتعرضها لعنف مباشر من الميليشيات في الحرب، وكذلك من ذكور في عائلاتهن. وهذه مقاربة مطلوبة في فهم الحرب الأهلية من منظور الضحايا، وتحديداً المرأة، وكيف تتعامل معها مكونات المجتمع. تلعب العائلة دور وعاء يُتيح للذكور من ضحايا عنف الميليشيات، التحول الى مُعنّف ضد المرأة والطفل في آن. تركيبة المجتمع ومفاهيمه تُتيح تهشيم الأضعف فيه وعدم حمايتهم(ن)، وبالتالي من الضروري إصلاح بنيان مجتمعاتنا باستخدام هذه الوقائع وهذا التاريخ الدامي من العنف ضد المرأة والطفل في الحرب كنموذج لهذا الخلل المديد.
الاستنتاج هنا مزدوج. أولاً، أمامنا مهمة مواجهة أحزاب الحرب الأهلية بكل فروعها ومشتقاتها بتوثيق هذا التاريخ، وثانياً إطلاق عملية إصلاحية ضرورية لهذه التركيبة الاجتماعية المختلة وغير المتوازنة والقائمة على هيمنة الرجال، كونها مسؤولة عن مضاعفة هذه الجرائم وتحويرها باتجاه العنصر الأضعف في العائلة: المرأة والطفل.
تهميش المرأة في العائلة والاقتصاد والسياسة من خلال التمييز ضدها في التشريعات والأعراف المجتمعية، هو مشارك في هذه الجرائم، وبقاؤه ضمانة بأن تتكرر مستقبلاً. ولهذا من الضروري العمل على الإصلاح في موازاة توثيق الجرائم.
الإصلاح الاجتماعي فيه شقان، الأول تشريعي، والثاني ثقافي. بالتشريع، الإصلاح على ارتباط بنزع الهيمنة الذكورية على مؤسسة الزواج والارث إما عبر إقرار الزواج المدني أو فرض معايير موحدة على المحاكم الدينية وتعيين قاضيات فيها. بإلامكان إيجاد حلول حين تتوافر الإرادة السياسية والشعبية لذلك.
على المستوى الثقافي، الإصلاح يبدأ بمواجهة المفاهيم والأعراف السائدة في المجتمع، والاعلام والإنتاج المسرحي والتلفزيوني والمؤسسات الدينية ومن ضمنها المحاكم.
نحن مجتمع نهش نساءه وأطفاله في الحرب الأهلية مرتين: الأولى نتيجة إرتكابات الميليشيات من بوابة الحاق العار، والثانية كضحايا لضحايا العنف من الذكور. وتُوثيق هذه الجريمة يجب أن تلحقه حملات لتعزيز حماية الضحايا من خلال تفكيك البنيان القانوني-الاجتماعي الذي يُغذي ويتيح هذه الجرائم المركبة.
وفي لبنان اليوم فرصة لهذه المقاربة من خلال مجموعة النواب المستقلين المعارضين للمنظومة.
بغض النظر عن الخلافات السياسية في ما بينهم، من الواضح أن هناك تأييداً مرجحاً للقضايا الحقوقية (باستثناءات قليلة)، ما يُتيح فرص تقديم مشاريع قوانين بالتعاون مع كتل أخرى.
ذاك أن نضال أهالي المفقودين ورفاقهم أثمر بقانون بدت اليوم أولى نتائجه، والنضال لتحقيق المزيد يجب أن يستمر ويكتسب زخماً من إنجازات الماضي.
وكالات