2024- 07 - 04   |   بحث في الموقع  
logo التوتر مستمر جنوبا.. إليكم التطورات logo بوشكيان عرض مع تاشكا العلاقات الصناعية والتجارية بين لبنان وأوكرانيا logo ميقاتي بحث معاشات العسكريين المتقاعدين مع رابطة قدماء القوى المسلحة logo الإيرانية فرحناز شريفي عن "كوكبي المسروق":أرشيف الأفلام المنزلية...سياسي أيضاً logo "خطخوط" لسمر نجاح logo ماركيز وأزمنة الكوكاكولا في "عالم الكتاب" logo "حملة مضللة"... "الصحة" تؤكد إقفال باتيسري "BETTER FROM SCRATCH" logo إطلاق أكثر من 30 صاروخاً من لبنان باتجاه الجليل (فيديو)
القمح أو الحبس
2022-06-08 10:26:05

في واحد من وجوهها، يمكن اعتبار العولمة منظومة هائلة لتقسيم العمل على مستوى كوكبي. "الميزة النسبية" لكل بلد أوإقليم هي المنطق المعتمد لعملية توزيع المهام، ومجاز ملطف للطبيعة غير المتكافئة لتوزيع المنافع وصور التراكم المختلفة بين الشمال والجنوب. على سبيل المثال، تنتج الميزة النسبية، جمهوريات موز وجمهوريات فول سوداني في أميركا الوسطى، دول قام اقتصادها بالكامل وسياستها على منتج واحد تحتاجه أسواق الولايات المتحدة بأسعار زهيدة. وبالمثل، فإن انحسار الصناعات وطبقتها العاملة في العالم المتقدم الذي كان "صناعياً"، حدث بالتوازي مع نقل الصناعات كثيفة العمالة والأقل تقنية والأكثر تلويثاً للبيئة إلى دول الجنوب. في هذا السياق لم تكن الميزة النسبية للصين هي العمالة الرخيصة فحسب، بل بالأحرى القمع السياسي الواسع للطبقة العاملة هناك، الحرمان من حقوق الإضراب والتفاوض النقابي يعني بقاء الرواتب منخفضة وكذا الكلفة الإجمالية للمنتج. الأمر نفسه يسري على مصانع ملابس الماركات العالمية المكتظة بالعمال في بنغلادش، فغياب معايير الأمان والسلامة في أماكن العمل يعني الحفاظ على تكلفة الإنتاج في حدها الأدنى وبالتبعية مضاعفة الأرباح في المراكز الشمالية. تعني العولمة بهذا الشكل تصدير قمع الطبقة العاملة والتلوث وظروف الإنتاج الخطرة إلى الجنوب، أو على الأقل الاستفادة من وقوع كل هذا في مكان آخر بعيد.التفاوتات الشاسعة في المعايير وظروف العمل لا تعود إلى مجرد عيوب في نظام العولمة، بل هو جوهرها. تعني العولمة بهذه الطريقة دمج منظومات متباينة تعمل بحسب قواعد مختلفة في شبكة واحدة من العلاقات بحيث تخدم طرفاً على حساب أطراف أخرى.في العولمة الأولى، تلك التي يؤرَّخ لبدايتها في العام 1870 ولنهايتها مع الكساد الكبير أو اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت مصر "مملكة قطن". كان اقتصاد المحصول الواحد، "ذهبها الأبيض" كما كان يطلق عليه، يعني خط توريد دائم لمصانع النسيج في الشمال الإنكليزي، ومكاسب هائلة لملاك الأراضي الكبار في الريف المصري في فترة الحرب الأهلية الأميركية، وأرباحاً استثنائية لرؤوس أموال البنوك الأوروبية في سوق الإقراض العقاري في المدن المصرية. ثم جاء الانهيار السريع عقب السنوات الذهبية القصيرة، مع سلسلة متتابعة من الأزمات المالية وقع عبئها على صغار المزارعين كالعادة.في ظل الاضطراب الذي تشهده الموجة الأخيرة من العولمة، بعد صدمات متتابعة آخرها الحرب الروسية في أوكرانيا، تجد مصر نفسها مرة أخرى ضحية منطق الميزة النسبية. الاعتماد على كل من روسيا وأوكرانيا في 80 بالمئة من واردات القمح، وقفزة الأسعار في السوق العالمية، يترجم إلى ضغط كبير على الموازنة العامة وربما تعثر في توفير الاحتياجات المحلية. أما صادرات الموالح أو مداخيل السياحة الشاطئية، فغير قادرة على تعويض ذلك الاختلال في سلعة القمح الاستراتيجية.تلجأ الحكومة المصرية لإجراءات استثنائية في سياق التعامل مع الأزمة. للمرة الأولى منذ عقود، تفرض الدولة على المزارعين توريد نسبة تصل إلى 60% من محصولهم من القمح، وبأسعار تقل بشكل كبير عن الأسعار الحقيقية في السوق العالمية. بالطبع، فضل المزارعون بيع محصولهم للقطاع الخاص بأسعار مجزية. ومع فشل المبادرة الحكومية في تحقيق نتائج ملموسة، تهدد الدولة الفلاحين بالعقوبة، فالتخلف عن توريد النسب المحددة بات جُنحة يعاقب عليها القانون. لا يمكن الجزم إن كانت الأجهزة التنفيذية ستلتزم بالمضي في هذا التهديد بشكل جدّي، إلا أن المدهش هو أن الدولة التي اعتنقت مبادئ السوق الحرة لأكثر من نصف قرن، تعود اليوم وتتراجع عنها وبشكل شديد الانتقائية، باللجوء إلى سياسات اشتراكية الدولة، بل وحتى إلى ما يشبه احتكارية دولة محمد علي القسرية. أما الالتزام بالأسعار "الحقيقية"، أي بالأسعار العالمية، فيبدو أنه يسير في اتجاه واحد، حين ترفع الدولة الدعم عن السلع والطاقة وتزيد تعرفة المواصلات العامة والخدمات.وإن كان الوضع الطارئ يمكن أن يبيح إجراءات استثنائية، فلماذا تقتصر تلك الإجراءات على مزارعي القمح دون غيرهم؟ ولماذا لم تدفع الأزمة التضخمية الدولة لإجبار منتجي السلع الأساسية الأخرى على توريد منتجاتهم بأقل من أسعار السوق العالمية مثلاً؟التفاوتات في القواعد التي تسري على تقسيم العمل بين الدول بشكل عالمي، تجد ما يماثلها في تقسيم العمل داخل الدولة الواحدة. وبالمثل، فإن وجود أنظمة متوازية بقواعد مختلفة في مكان واحد، ليس نوعاً من التشوهات، بل أحد أسس عمل الرأسمالية، أي تحقيق التراكم لطبقة على حساب طبقة، وللمدينة على حساب الريف، وللمراكز على حساب الأطراف، بحسب تمييز انتقائي مبدئي.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top